برجٌ "يهوي" ولا يسقط!
العلم الفلسطيني يرفرف عالياً مُرحباً بك.. تدخل المكان فتشد انتباهك صور معلّقة على الجدران، تلاحقها نظراتك في اضطراب سريع، تخاف أن تغيب عن ناظريك إحداها حتى لا ينتابك ندم الشوق عند المغادرة.
حينما تلتقي بأحد مرتاديه، لا يسعك إلاّ أنّ تلقي التحية على كل من فيه، لكنها تحية من نوع آخر وكأن جموعاً من "الضباط" الكبار مجتمعين قربك، وعليكَ أن تضرب تحية غير اعتيادية لهم، كيف لا وهم أصحاب تاريخ لم يشهد الزمان صبراً كصبرهم. لم يكن المخيم حضناً دافئاً لهم، أيامهم اتسمت بالبرود فيه. لكنهم ما زالوا على قيد الانتظار.
كيف لهؤلاء المقيمين في بلاد استنزفت كرامتهم، وأشقتهم في غربتهم، كيف لهم أن يستجمعوا دفء مشاعرهم ليذهبوا بها يوماً إلى فلسطين. إلى من نتكلّم هنا، وفي كل وجه نراه حكاية تريد أن تُروى، في مكان يشبه فلسطين كثيراً، سكانه يحملون بلدهم على أكتافهم، ويتكلمون لغته، يمكنك أن تكتشف اللهجة الفلسطينية من على مدخل المخيم، حين تستأذن أحدهم لتطرح عليه الأسئلة ويجيبك "ياهلا، بدهاش سؤال". بؤس يخيم على المشهد العام لمخيم برج البراجنة الواقع في العاصمة اللبنانية بيروت، المخيم الذي أنشئ عام 1948، ويحوي على أكثر من 40 ألف نسمة. بؤس يمكنك ملاحظته سريعاً بمجرد رؤية الطرقات الضيقة التي تسمح لشخص واحد بالمرور، فما بالك بالسيارات! هناك على قارعة الطريق المواجه لمدخل المخيم دكان صغير، كل ما فيه يخبرك عن شحّ في الموارد، مالكيه يشتاقون لأرض كانت "قلب الأمة العربية"، أوقفت إسرائيل نبضه، فباتت الأمة تحتضر. في مسيرك في المخيم ترى فلسطين، بعيون الأطفال والعجزة، في المقاهي التي كل ما فيها يدل على فلسطين. حلم العودة يجمع الفلسطينيين في دول الشتات، لا تقابل مواطن فلسطيني إلاّ وهذا الأمل يتقد في عينيه. شعب مُزّقت أرضه، ولا يجد سبيلاً لحياكته من جديد، لأن الإسرائيلي قرر أن ينتزع الثوب الفلسطيني ويلبسه لمستوطنيه، ثم يقول هذا ثوبي، فما تركوا خياراً للفلسطيني إلا الدفاع عن نفسه بالحجر والسكين، ومن اضطروا إلى مغادرة أرضهم هرباً من الموت، وجدوا موتاً أدهى. موت على هيئة بؤس وحرمان. فلسطين تنتظر، تنتظر أن يعود لها أبناؤها، هي بالتأكيد جريحة أكثر من أي وقت مضى، ليس لأنها محتلة وحسب، بل لأن بعض العرب يستسهلون خسارتها، ويفلتون يدها حين يصافحون المحتل. لكن التاريخ سينصفها بالتأكيد، لأن الحق وإن خسر في بعض المعارك، لا بد أنه سيكسب الحرب.