روسيا وأميركا ..ماذا في نِتاج تفاهُمات المنطقة ؟
التفاؤل بإمكان تعميق التعاون الروسي مع واشنطن، قد لا تتمخّض عنه تغييرات جذرية، فهو يحتاج إلى "صفقة" مُتكامِلة ما بين الدولتين حول كل القضايا العالقة بينهما .وهو ما لايكون مُتوافراً على المدى القريب .
التصريحات الأميركية المتبوعة بأخرى أوروبية التي لم تعد تُطالب برحيل الأسد، مُعلنةً أن أولويّتها هي مُحاربة الإرهاب تُثيرُ سخطاً وجدلاً في أوساط المُعارضة التي تفقد أوراق مُساوماتها تباعاً. لكنها لم تفاجئ دمشق، التي كانت مُتيقّنة من حدوث هذا التحوّل في المواقف الأميركية. ليس فقط بسبب وصول ترامب إلى الحُكم بل لعوامل كثيرة كانت تشي بضرورة هذا التحوّل والإعلان عنه. يقول وزير شؤون المُصالحة الوطنية علي حيدر إن الإدارة الأميركية مضطّرة لإجراء مثل هذه الانعطافات في سياستها تجاه سوريا، وإن الأمر مُتعلقٌ بالعلاقات الروسية الأميركية بالدرجة الأولى. فماذا في تفاهُمات الأخيرين مؤخراً في المنطقة : في هذا المشهد بات يبرز مُعطيان هامّان: تفاهُمات الشمال السوري والعلاقات مع إيران. تتبدّى ملامح تفاهم أميركي روسي قد تترك بموجبه روسيا اليد الطولى لأميركا في مدّ نفوذها على الرقة مستقبلاً عبر بوابة الكرد التي تُفرد واشنطن أنواع الدعم والوعود لها. وعودٌ تُترجم كلاماً علنياً على ألسنة بعض القيادات الكردية. يقول الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم ( إنه من المتوقّع أن تنضم مدينة الرقة في شمال سوريا إلى نظام حُكم لا مركزي تؤسّسه قوات سوريا الديمقراطية بعد انتزاع السيطرة عليها من يد تنظيم داعش). وفي وقت يؤكّد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عُمق التنسيق بين بلاده والولايات المتحدة في سوريا . تراقب موسكو بحرص ما الذي سينتج من هذا الانخراط الأميركي العسكري المُتنامي في معركة الرقة. لكن التفاؤل بإمكان تعميق التعاون الروسي مع واشنطن، قد لا تتمخّض عنه تغييرات جذرية، فهو يحتاج إلى "صفقة" مُتكامِلة ما بين الدولتين حول كل القضايا العالقة بينهما .وهو ما لايكون مُتوافراً على المدى القريب. أما في ما يخصّ إيران فهناك من لاينفكّ يحاول تعويم فكرة مفادها: (العلاقات الروسية الأميركية مقابل العلاقات الروسية الإيرانية ) وهذا ما يستوجب التذكير ببعض النقاط : 1- لم يُمزّق دونالد ترامب الاتفاق النووي مع إيران كما دأبَ يقول في حملاته الانتخابية . بَيدَ أنه لم يتوقّف يوماً عن التصعيد ضدّها . يسودُ النهجُ الصقوري في إدارة ترامب تجاه كل ما يتعلّق بالجمهورية الإسلامية في إيران . الهدفُ المُعلن هو طيّ تمدّد إيران ووقف تضخّمها وتغلغلها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. ويستثمر ترامب هذا النهج لابتزاز دول خليجية على رأسها المملكة العربية السعودية الفَرِحة بما تعتبره "نهج العصا" وتأمل في استمراره قولاً وفعلاً. لكن هل ستكون إيران في سلّة تفاهمات روسيّة أميركية تقوّض الجمهورية الإسلامية ؟؟ بطبيعة الحال ليس من مصلحة الولايات المتحدة وجود إيران قوية في المنطقة . وفعلياً قد لا ترقى العلاقة الروسية – الإيرانية إلى وصفها بالحلف الاستراتيجي بين البلدين ، لكنها تتميّز بمستوى مُتقدّم من التنسيق في إطار المصالح المُتبادَلة بينهما 2- في مقابل الرهان الأميركي على تقويض التعاون المُتنامي بين موسكو وطهران. برزت القمّة الروسية الإيرانية ليؤكّد بوتين من موسكو أن " إيران جارٌ طيّبٌ وشريكٌ مستقرّ وموثوق به وآمن". فماذا عن تاريخ العلاقات بين البلدين: 1- بعد زوال الحاجز الأيديولوجي بين البلدين بانهيار النظام الشيوعي في عام 1991، شَهِدَ العام 1992 بداية التعاون الروسي ــ الإيراني في مجال الطاقة النووية، عندما وقّع البلدان اتفاقية بشأن التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. 2- اليوم ازداد حجم التجارة بين البلدين مقارنةً بالعقود الماضية، بنسبة 80 في المئة بحسب ما أعلن رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية – الروسية رمضان علي سبحاني في يناير/ كانون الثاني الماضي. 3- علمياً يُعَدُّ التعاون النووي أساسيّاً في علاقة طهران وموسكو، خاصة بعد تخلّي الولايات المتحدة الأميركية عن تطوير البرنامج الإيراني إثر قيام الثورة الإسلامية الإيرانية وسقوط الشاه. وقّعت العديد من العقود ( محطتين نوييتين في بوشهر) إضافة إلى عقود في (الطيران المدني وفي قطاع سكك الحديد ). 4- في مجال الأسلحة وبالرغم من توسيع رقعة ترسانتها العسكرية مع دول كالصين فإن المنظومة الدفاعية الجوية العسكرية لإيران روسيّة الصُنع، كما أن منظومة الصواريخ الدفاعية روسيّة أيضاً وأبرزها منظومة "إس-300". وأمام كل هذه المُعطيات المُترابِطة عضوياً بدءاً من التصريحات الأميركية حول مصير الرئيس الأسد، وصولاً إلى أيّ مسعى أميركي يهدف إلى إزاحة إيران . تبقى معركة الرقة التي يتزاحم فيها الجميع للحصول على دور. ليس من باب مُحاربة الإرهاب فقط بل لمآرب سياسية تُحدّد الأوراق التي سيمتلكها الطرف المُنتصِر في المعركة لتكشف ملامح مرحلة مقبلة..