الكنيسة المصرية... تاريخ من الوطنية

المواقف الوطنية للأقباط كثيرة، أحدهم هو سينوت حنا 1874/1930 إحدى الشخصيات العظيمة الفريدة في الحركة الوطنية المصرية كان يركب سيارة بجوار مصطفى النحاس في إحدى جولاته في مدينة المنصورة وتحيط بهم الجماهير في شارع العباسي بالمنصورة يوم 8 يوليو/تموز 1930، وكان يشعر أن محاولة تدبر لاغتيال النحاس باشا

لم يكن المقصود الأخوة المسيحيين فقط، لكنهم يريدون إشعال الفتنة الطائفية بين عنصري الأمة المصرية
التفجيرات التي حدثت في كنائس مصر أخيراً في مدينة طنطا بدلتا نيل مصر وأيضاً في مدينة الاسكندرية، ومن قبلها تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، لم يكن المقصود بها المسيحيين بحد ذاتهم، وإن كان الإرهابيون يكفرون المسيحيين والمسلمين جميعاً. 

نقول لم يكن المقصود الأخوة المسيحيين فقط، لكنهم يريدون إشعال الفتنة الطائفية بين عنصري الأمة المصرية، ومن ثم إشاعة الفوضى في ربوع الوطن المصري، هذا هو المقصود، ولكن فألهم سيخيب حتماً، ذلك أن الإرهاب لا يمكن أن ينال من وحدة الشعب المصري، حيث لم يشهد تاريخ مصر فتنة طائفية طوال تاريخها، اللهم إلا عندما يحكم مستبد، فيضيّق على كل الشعب مسلم مع مسيحي، وخلال الحروب الصليبية لم يحدث أن ساعد أقباط مصر الفرنجة أي الأوربين من قادة جيوش الحملات الصليبية، ولن نذكر كل أحداث التاريخ البعيد، ولكن نقتصر على الدور الوطني لمسيحيي مصر خلال العصر الحديث، منذ حكم محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة.

في البداية الكنيسة المصرية الأرثوذكسية (كلمة أرثوذكسية تعني المستقيم أو الصحيح)، أولى كنائس العالم، فقد دخلت المسيحية مصر منذ دخول القديس أو الحواري مرقس، وتشرف الكنيسة المصرية على المسيحيين في مصر وإثيوبيا، ونظرياً بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية هو بابا أرثوذكس روسيا وكل أرثوذكس العالم، ومن ثم فالبابا المصري هو بابا عالمي، لكنه وطني مصري حتى النخاع، ونرصد بعض المواقف الوطنية للأقباط المصريين.

خلال حكم محمد علي أرسل قيصر روسيا عام 1805 مندوباً إلى مصر وقابل البابا بطرس السابع 1809- 1852  وهو البطريرك الـ 109 من بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية، وعرض على البطريرك أن يتولى قيصر روسيا حماية الأقباط، فى محاولة لتمزيق وحدة الشعب المصري، لكن البابا بطرس السابع كان أكثر حكمة إذ رفض العرض بدافع من الوطنية الحقيقية وانتمائه وكنيسته لمصر، سأله البابا "هل مليككم يحيا الى الأبد؟"، فأجابه المندوب "لا ياسيدي الأب ... بل يموت كما يموت سائر البشر"، فقال البابا "اذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت وأما نحن فنعيش تحت رعاية مليك لا يموت وهو الله"، دُهش مندوب القيصر الروسي، فقابل محمد علي، الذي سأله "ما أكثر شيء أعجبك فى مصر، فذكر أن أكثر شيء أعجبه هو أنه التقى بطريرك الأقباط، وحكى المندوب لمحمد علي عن موقف البابا بطرس من الحماية الأجنبية، ففرح محمد علي من موقفه، وقام بزيارة البابا بطرس في ذلك اليوم، وقال له "لقد رفعت اليوم من شأن بلادك فليكن لك مقام محمد علي"، ذلك هو الموقف القبطي المصري الصميم.


ولقد تكررت تلك المواقف الوطنية للمسيحيين، فلقد حاول اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني بعد احتلال بريطانيا لمصر عام 1882 تطبيق السياسة البريطانية الشهيرة "فرق تسد"، لكنه لم يتمكن من تطبيقها في مصر، ووصل به اليأس إلى أن قال "لا أستطيع التفرقة بين مسلم ومسيحي في مصر إلا عندما يدخل شخص المسجد ويدخل الثاني الكنيسة".

 

المواقف الوطنية للأقباط كثيرة، أحدهم هو سينوت حنا ١٨٧٤/١٩٣٠، إحدى الشخصيات العظيمة الفريدة في الحركة الوطنية المصرية كان يركب سيارة بجوار مصطفى النحاس في إحدى جولاته في مدينة المنصورة وتحيط بهم الجماهير في شارع العباسي بالمنصورة يوم 8 يوليو/تموز 1930، وكان يشعر أن محاولة تدبر لاغتيال النحاس باشا، وعندما لمح أحد المواطنين يندفع لطعن النحاس بالسلاح في ظهره دافع عنه، وتلقى هو الطعنة التى وجهت إلى النحاس، ولقد كان تأثير الطعنة قوياً أدت إلى وفاته، أما مكرم عبيد خطيب الثورة الشعبية الكبرى في مصر عام 1919 هو الذي قال "الإسلام وطني والمسيحية ديني"، والبابا العظيم شنودة كان يردد "مصر وطن يعيش فينا وليست وطناً نعيش فيه"، وهو الذي حرّم للمسيحيين زيارة مدينة القدس الشريف إلا بعد تحرير المدينة المقدسة جنباً إلى جنب مع الأشقاء المسلمين.

ولا نذهب بعيداً فما بعد أحداث الثورة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني 2011، تنامى التيار الوهابي الإخواني السلفي، وهاجم الكنائس، وأحرقوا كنيسة مدينة أطفيح، وحاولوا تهجير المسيحيين من القرى، أما بعد الثورة الشعبية ضد الإخوان في 30 يونيو/حزيران 2013 ثم فض اعتصامي رابعة والنهضة، قاموا بإحراق 63 كنيسة، كانوا يعتقدون أن بإمكانهم حرق مصر بأكملها، أو تدخل القوى الكبرى، لكن التكفيريين مثلهم مثل القوى الصهيونية العالمية، لا يعرفون النسيج المصري الواحد، ولا يعرفون قيمة الكنيسة الوطنية المصرية، ولا قيمة الأزهر الشريف، المؤسستين اللتين تحميان مصر والعالم، ولذلك دائما يحاولون إشعال الفتن، لكن الشعب المصري لهم دائماً بالمرصاد.