إضراب الأسرى الفلسطينيين بين تحييد القانون الدولي وفَرْض قانون المقاومة

بعد دخول الشهر الثاني من إضراب المِعَد الخاوية، إضراب العزّة والكرامة الحالي عن الطعام والشراب من قِبَل الأسرى العرب الفلسطينيين الأبطال في سجون ومعتقلات العدو الصهيوني، بسبب الممارسات اللاإنسانية التي تُمارسها سلطة الاحتلال في فلسطين المُحتلة بحق أسرى النضال والحرية، من حيث الحبس الإنفرادي، والعزل، ومنع زيارة ذويهم، والإهمال الطبّي المُتعمّد بحق المرضى منهم، وإعادة اعتقال الأسرى المُفرج عنهم، والتوسّع في الاعتقال الإداري المُخالف للقانون الدولي.

إجراءات سلطة الاحتلال وممارساتها تتعارض كلياً مع القوانين والشرائع والاتفاقيات الدولية
بعد دخول الشهر الثاني من إضراب المِعَد الخاوية، إضراب العزّة والكرامة الحالي عن الطعام والشراب من قِبَل الأسرى العرب الفلسطينيين الأبطال في سجون ومعتقلات العدو الصهيوني، بسبب الممارسات اللاإنسانية التي تُمارسها سلطة الاحتلال في فلسطين المُحتلة بحق أسرى النضال والحرية، من حيث الحبس الإنفرادي، والعزل، ومنع زيارة ذويهم، والإهمال الطبّي المُتعمّد بحق المرضى منهم، وإعادة اعتقال الأسرى المُفرج عنهم، والتوسّع في الاعتقال الإداري المُخالف للقانون الدولي، وسوء التغذية والطبابة، وقلّة ساعات الخروج النهاري للتهوية والتعرّض لأشعة الشمس، والتضييق على حقّ التعليم والاجتماع، وغيرها من قضايا مُحقّة كفلها القانون الدولي وخاصة "اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، المؤرّخة في 12 آب /أغسطس 1949م"، لكن إجراءات سلطة الاحتلال وممارساتها تتعارض كلياً مع القوانين والشرائع والاتفاقيات الدولية .


 تُلقي المحاضرة التالية المدعمة بالإحصاءات والأسانيد القانونية، الضوء المركّز على واقع الحركة الأسيرة الفلسطينية ، منذ بدء الصراع مع المهاجرين المستوطنين الصهاينة إبّان الاستعمار البريطاني البغيض عام 1917، والوضع القانوني للأسرى العرب الفلسطينيين من حيث تلاعُب سلطة الاحتلال بالمواثيق الدولية وعدم تطبيقها للمعايير القانونية الخاصة بالأسرى وحقوقهم القانونية، وتزوير سلطة الاحتلال لتلك المعايير، النابع من موقف الاحتلال ومفهومه الخاطىء والمتعمّد لوضع أرض الضفة الغربية في القانون الدولي، من أرض محتلة - بما فيها مدينة القدس- حسب كل قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمواقف المُتواتِرة للدول والحكومات والمؤسّسات الرسمية وغير الرسمية العالمية الحقوقية والقانونية ، إلى "أرض مُتنازَع عليها " تارة، و"أرض من دون سيادة " تارة أخرى، للتهرّب من نصوص اتفاقية جنيف الثالثة، سالفة الذِكر والرابعة :"اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب "، في وقت تستغل فيه حكومة "نتنياهو" الاحتلالية الوضع العربي الرسمي السيّىء في وحدته ومواقفه ، ونتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، ما جعل من القضية الفلسطينية وموضوعاتها الفرعية المهمّة كالأسرى والقدس والانسحاب واللاجئين والمياه وغيرها، من "القضايا الباردة"، في ضوء ما آلت إليه الأوضاع العربية الرسمية من ضعف ومهانة وتبعيّة وتشرذُم، انعكس بدوره سوءاً على وضع ألأسرى والقدس معاً، ما يفرض اللجوء إلى قانون مقاومة الشعوب الحرّة!.

إحصاءت موثّقة:

 تعود بدايات الحركة الأسيرة في فلسطين وباقي أقطار الوطن العربي إلى بدايات الاستعمار البريطاني والفرنسي، وتحديداً للعام 1917م في فلسطين إثر "وعد بلفور" المشؤوم.

ففي فترة كفاح العرب الفلسطينيين ضدّ القوات البريطانية الغازية ، تعرّض  (1200 )مواطن بين شهيد وجريح وأسير في أحداث يوم 23 آب 1929م، حُكم على ثلاثة وعشرين (23) مناضلاً عربياً منهم بالسجن المؤبّد وعلى مائة وسبعة وثمانين أسيراً آخر بأحكام متفاوتة، وتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة (3) أسرى منهم في سجن عكا،هم:فؤاد حجازي ومحمّد جمجوم وعطا الزير، مروراً بنفي العديد من المناضلين الفلسطينيين إلى جزر ومستعمرات بريطانيا خلال الثورة الفلسطينية الكبرى(1936-1939م) وسجن وقتل وأسر المئات طيلة فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1917-1948م). 

دخل السجون والمعتقلات البريطانية والصهيونية ما يقرب من مليون ونصف المليون مناضل فلسطيني، بينما بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين من الأسرى في سجون العدو الصهيوني أكثر من مائتي وخمسة ( 205) شهداء، منهم واحد وسبعون(71) نتيجة التعذيب ، وواحد وخمسون(51) نتيجة الإهمال الطبي، واربع وسبعون(74) نتيجة القتل العمد بعد الاعتقال مباشرة ، وواحد وسبعون (71) بأعيرة نارية داخل المعتقلات ، وفق إحصائية حديثة لنادي الأسير الفلسطيني.

تم أُسر واعتقال أكثر من ثمانمائة ألف (800,000) حالة إعتقال منذ العام 1948 م تاريخ قيام دولة العدو على انقاض دولة فلسطين، بينما بلغ عدد الأسرى منذ " انتفاضة الأقصى" (28 أيلول 2000م) ثمان وسبعين ألفاً ، من بينهم تسعمائة وخمسون(950) مواطنة وأكثر من تسعة آلاف (9000) طفل. ومايقرب من ستين نائباً ووزيراً سابقاً وعشرات الصحفيين والكتّاب والأكاديميين.

 وحالياً، وصل عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، في شهر آب من العام الحالي 2013 ، إلى خمسة آلاف وثماني وستين (5068) أسيراً، من ضمنهم مائة وأربعة وثلاثين134 أسيرا إدارياً، وثلاثة عشر(13) أسيرة، ومائة وخمس وتسعون(195) طفلاً أسيراً ومائة وأربعة (104)أسرى منهم من تم اعتقاله قبل اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية (4أيار 1994م ).
إحصائيات: الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حتى منتصف نيسان /أبريل من العام الحالي (2017) :

أشارت مؤسسات "هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين الفلسطينيين"، و"نادي الأسير"، و"الجهاز المركزي للإحصاء"في السلطة الوطنية الفلسطينية ، في تقرير مشترك، بتاريخ (16/4/2017) إلى  أن من بين الأسرى 57 إمرأة و300 طفل،  وأن المؤسسات الرسمية والحقوقية، سجّلت منذ 28 سبتمبر 2000، نحو (100) ألف حالة اعتقال، بينها نحو (15) ألف طفل تقلّ أعمارهم عن 18 عاما،ً و(1.500) إمرأة، ونحو (70) نائباً ووزيراً سابقاً، بينما أصدرت السلطات الإسرائيلية نحو (27) ألف قرار اعتقال إداري.                                                                                    

ووفقاً للتقرير المشترك فإنه "تم تسجيل نحو مليون حالة اعتقال على مدار سنوات الاحتلال منذ بدايته في 1948"، وأضاف التقرير: أن دولة العدو الصهيوني ، صعّدت من حملات الاعتقال منذ تشرين الأول /أكتوبر 2015، وطالت أكثر من عشرة آلاف حالة اعتقال من الضفة، كان معظمها من القدس.

وذكر التقرير أن عدد الأسيرات الفلسطينيات وصل إلى (57) أسيرة في السجون الإسرائيلية، من بينهن (13) فتاة قاصراً،في حين تم اعتقال نحو (300) طفل فلسطيني، ورصدت المؤسسات ما يتعرّض له الأطفال من تعذيب وتهديد وتنكيل في السجون.

وأشار التقرير المشترك  إلى أن الأسرى القدامى الذين مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً، بلغ عددهم (44) أسيراً، بينهم (29) أسيراً معتقلون منذ ما قبل توقيع اتفاقية "أوسلو" عام 1993، وفي عام 2013 تم الإفراج عن ثلاث دفعات ضمن مسار المفاوضات، إلا أن سلطة الاحتلال تنصّلت من الالتزام بالإفراج عن الدفعة الرابعة والذي كان من المفترض إطلاق سراحها في مارس 2014، وأقدمهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس، المعتقلان منذ يناير عام 1983، يضاف إلى ذلك الأسير نائل البرغوثي الذي قضى أطول فترة اعتقال في سجون الاحتلال، وهي أكثر من (36) عاماً، منها(34) عاماً، بشكل متواصل، وأكثر من عامين بعد أن أعادت سلطات الاحتلال اعتقاله، عام 2014، علماً أنه أحد محرّري صفقة وفاء الأحرار (شاليط).

وبحسب التقرير، بلغ عدد الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال نحو (500) أسير إداري.

بدايات التعامل القانوني:

دخل الجيش الإسرائيلي المناطق العربية في حرب حزيران1967وهو يحمل تعليمات الدفاع التي تسمح للجندي بممارستها في أي أرض يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي ، والقاضية بالسماح لأي جندي بإلقاء القبض على كل شخص ارتكب " جريمة " حسب تعليمات الدفاع، الصادرة بتاريخ 10/6/1967م، إذ أنه بناء على تعليمات الدفاع هذه، جلب الجنود الإسرائيليون أعداداً كبيرة من الأسرى الفلسطينيين والجنود العرب عام 1967 م، فشكل هذا العدد مشكلة بالنسبة للجيش خاصة فئة الفلسطينيين، فلم تشأ إسرائيل معاملتهم كأسرى حرب، فأصدرت القرار العسكري 387 و ذلك لترتيب عملية اعتقال أفراد المنظمات(الفدائية) التي بدأت بالتشكّل. وفي(الوقت الذي) فرضت فيه بعض القيود على صلاحيات الاعتقال، فقد سمح لجندي(الاحتلال) باعتقال أي شخص بعد اقتناعه بأن هذا الأخير قد ارتكب جرماً ، وأنه يجب نقله بأسرع وقت ممكن إلى مركز الشرطة إضافة إلى ضرورة الحصول على أمر بتوقيفه ،على ألاتزيد هذه المدة عن أربعة أيام ، لكن هذا الأمر العسكري أتاح لأي ضابط أن يكتب هذا الأمر  أي أن القضية تتعلّق برفع سلم الصلاحية من الجنود إلى الضابط.


وعليه، كانت القرارات العسكرية الخاصة بالاعتقال "يتم إصدارها حسب تطوّر الأحداث والحاجة إلى ذلك : فعندما تكون لدى الجيش مشكلة يتم حلّها بشكل سريع عن طريق إصدار القادة العسكريين لقرارات تكون على شكل أوامر، يتم التعامل معها على أنها تشريعات يلتزم بها الجيش، كي تسقط مخالفته للقانون الدولي واتفاقيات جنيف التي وقّعت عليها إسرائيل في شهر أكتوبر من عام1967 (كما اعتقدت المؤسسة العسكرية الاحتلالية).  

وبسبب تلك القرارات العسكرية وطُرق التحايل المُبكرة من عمر الاحتلال، بدأ الضغط الدولي والاستنكار لسلوك الجيش في التعامل مع المدنيين يأخذ  دوره الإعلامي ، فما كان من قادة الجيش الإسرائيلي إلا أن أصدروا الأمر رقم 121 لعام) 1967الذي  يمنع رفع دعوى ضدّ إسرائيل والجيش الإسرائيلي أو السلطات أو الأشخاص الذين يخدمون في الجيش أمام المحاكم، بل أنه أعتبر أن كل شهادة موقّعة من القائد العسكري أو من يفوّضه، نهائية وحاسمة أمام ضبّاط الجيش وأمام المحاكم العسكرية، وإن نشوة الانتصار كانت تؤهّل القادة العسكريين على إصدار ما يرونه مناسباً لأجل استمرار الجيش بمهمته الأمنية خاصة، اعتقال أفراد المنظمات الفلسطينية.  

يعترف المجتمع الدولي مُمثلاً بمؤسساته وفي مقدّمها الأمم المتحدة أن الضفة الغربية وقطاع غزّة أرض محتلة من قِبَل إسرائيل، التي هي قوة احتلال حربي فرض سيادته وأنشأ إدارة عسكرية في أرض فلسطين، وصدرت قرارات دولية كثيرة وملزمة عن الأمم المتحدة وأجهزتها تدين فيها امتناع دولة الاحتلال عن تطبيق إتفاقيات جنيف على الأرض الفلسطينية.ومن أحدث المواقف القانونية الدولية الصادرة عن أعلى مراجع الفقه القضائي الدولي ، ذلك الذي أعادته "محكمة العدل الدولية"، في رأيها الاستشاري حول الجدار العازل عام 2004م بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة : ضرورة إنصياع دولة الاحتلال لواجباتها تجاه الأرض المُحتلة وأهلها وتطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني.

مصطلحات الاحتلال للأسرى:

تستخدم  دولة الاحتلال مصطلح "معتقلون" أو "سجناء أمنيون" بدلاً من مصطلح "أسرى" أو "أسرى حرب" كي تتحلّل من التزاماتها بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية الملزمة وخاصة اتفاقيّتي جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949 وملحقيهما عام 1977م، ذلك أن دولة الاحتلال لا تعترف أن الأرض الفلسطينية أراض محتلة، بل هي "مُتنازع عليها "، و"أرض من دون سيادة"، بحجّة أن الضفة الغربية لنهر الأردن بما فيها محافظة القدس، كانت تحت الإدارة الأردنية، وتم ضمّها للمملكة الأردنية الهاشمية بعد تطوّرات ونتائج الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م، وبالتالي ليس لها هوية محدّدة أو مستقلّة ، والأمر نفسه يسري على منطقة لواء أو قطاع غزّة، إذ ترى سلطات الاحتلال السياسية والقانونية والعسكرية أنه أرض تم وضعها تحت وصاية مصرية بُعيد العام ذاته1948م!،"ومن ثم يترتّب على( انتفاء التواجد الشرعي !!) لكلٍ من الأردن ومصر على الأراضي الفلسطينية انتفاء صفة الاحتلال للتواجد الإسرائيلي على هذه الأراضي" كما لخصّت مؤسسة "الحق" (في رام الله) القانونية الفلسطينية غير الحكومية موقف سلطة الاحتلال من المسألة.

وبهدف التحايل على القانون الدولي واتفاقياته بخصوص معاملة أسرى الحرب ، تستخدم السلطة القائمة بالاحتلال في فلسطين مصطلحاً غريباً هو:"أسير أمني"، كي تتهرّب من معاملة أفراد المنظمات العسكرية الفلسطينية كأسرى حرب ، مثلهم مثل جنود الجيوش النظامية.

وهناك مصطلح آخر ابتدعته سلطة الاحتلال، هو "المقاتلون غير القانونيين"، "إذ يُرتّب "قانون سجن المقاتلين غير القانونيين" من العام 2002 السجن بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين الذين يقاتلون ضدّ إسرائيل ولا يحظون من ناحية القانون الدولي الإنساني بمكانة أسرى حرب. ويحدّد القانون بأن "المقاتل غير القانوني" هو كل إنسان يشارك في العمليات العدائية ضدّ إسرائيل، ولو بصورة غير مباشرة، وكذلك كل إنسان ينتسب إلى قوة مقاتلة ضدّ إسرائيل"، وفق تقارير مركز "بتسليم"الحقوقي الإسرائيلي..

على أساس هذا الرأي لسلطة الاحتلال ، لا تقرّ حكومات العدو المُتعاقبة بالمسؤوليات والواجبات القانونية التي يوجبها ويفرضها القانون الدولي الإنساني على سلطات الاحتلال، وترفض تلك الحكومات تطبيق اتفاقية جنيف الثالثة التي تعامل أسرى أي إقليم تم احتلاله من قوة عسكرية غريبة، كأسرى حرب، لهم حقوق وواجبات مُعترف بها من الأمم والشعوب المتمدّنة ، ثم هي ترفض أيضاً، تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة التي تقرّ بواجب أية سلطة احتلال لأي إقليم ، معاملة مدنييه وفق قواعد ومعايير إنسانية وقانونية مُلزمة تُحرّم اعتقالهم أو تعذيبهم أو تجويعهم او إرهابهم أو التدخّل في شؤون حياتهم، فما بالك بقصف بيوتهم الآمنة وأحيائهم ومدنهم ومخيّماتهم بعشرات القاذفات العملاقة من فئة "إف 16" وصواريخ البارجات والمدفعية الثقيلة، كما حدث في محو أحياء كثيرة وهدمها على رؤوس ساكنيها من المدنيين في معظم أنحاء قطاع غزّة في ثلاث حروب كبرى مدمّرة في الأعوام 2008 و2012 و2014؟!

اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة والأسرى العرب:

تدّعي السلطة القائمة بالاحتلال في فلسطين، وتناصرها في ذلك منظمات حقوقية وسياسية رسمية وغير رسمية في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية وبعض أجهزة الأمم المتحدة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي ،إن نصوص مواد اتفاقية جنيف الثالثة لا تنطبق على الأسرى العرب الفلسطينيين المقاومين للاحتلال، وأن عشرات الآلاف من الأسرى ونزلاء سجون ومعتقلات العدو ، هم معتقلون (شأنهم شأن أي معتقل جنائي) وليسوا أسرى حرب.

 أضف إلى ذلك، إدّعاء تلك المؤسّسات أن الاتفاقية المذكورة مُلزمة لأطرافها من الدول الموقّعة عليها، وأن ما ينطبق على الفلسطينيين تحت الاحتلال هو اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بمعاملة المدنيين أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، من دون أن تلزم تلك الدول وتلك المؤسسات حكومات سلطة الاحتلال في فلسطين حتى بتطبيق هذه الاتفاقية الأخيرة أو بعض بنودها في ضوء العجز العربي الرسمي الكامل! الأمر الذي يجعل من توقيع السلطة الفلسطينية على تلك الاتفاقية والانضمام إليها ، ما يسمح للفلسطينيين التقدّم لمحكمة الجنايات الدولية وتحريك دعوى جرائم حرب بحق القيادتيتن السياسية والعسكرية، في دولة العدو ، إن لم توافق سلطة الاحتلال على إطلاق سراح الأسرى العرب الفلسطينيين، والتعهّد بعدم أسر واعتقال بعضهم من جديد كما حصل بعد إطلاق الأسرى بموجب "صفقة شاليط"! ذلك أن الأمم المتحدة تعترف في مواثيقها واتفاقياتها القانونية الدولية الملزمة أن مقاومة الاحتلال، بكل الوسائل والسبل، ليست بجريمة من بعيد أو قريب، الأمر الذي يفرض على المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التعاون مع مثيلاتها العربية والإسلامية والعالمية، والنضال من أجل إضافة فقرة جديدة للفئات المشمولة بالحماية المقرّرة لأسرى الحرب، في اتفاقية جنيف الثالثة ، تنصّ صراحة على اعتبار مقاومي قوى الاحتلال أسرى حرب ، وليسوا من المعتقلين الجنائيين كي تواكب تلك الاتفاقية المهمة للشعوب، شرعة القانون الدولي لحقوق الإنسان ومبادىء القانون الدولي الإنساني ،اللذان تقدما كثيراً بُعيد إقرار اتفاقية جنيف الثالثة، من دون أن يواكب تقدّمهما أي تقدّم يُذكر على صعيد اتفاقيات جنيف الأربع التي تم إقرارها في الثاني عشر من أيار /مايو 1949م، وبروتوكليهما الإضافيين الأول والثاني في العام 1977م.

خلاصة قانونية:

إن اللبس في تطبيق مواد اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م وملحقها الإضافي عام 1977 م، لايعود للأسباب الواردة آنفاً، فحسب، بل للتناقض في القانون الدولي واتفاقياته ومعاهداته وتفسيراتها، وضعف المؤسسات القانونية العربية التي ماتزال غائبة عن قضايا مصيرية عربية، وتغوّل حكومات الولايات المتحدة الأميركية المتعاقبة واستخدامها لوسائل ترغيب وترهيب كلما تعلّق الأمر بنصرة القضية الفلسطينية على مستوى القانون الدولي ومؤسساته.

هو ما ظهر بوضوح في مسألة معركة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012م التي فازت فيها فلسطين بعضوية مراقب بتصويت وموافقة 139 دولة لصالح القرار التاريخي الذي سبقته تهديدات وضغوطات أميركية جبارة ضدّ السلطة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن "قدم بعض أحكام واتفاقيات القانون الدولي ،التي مرّت عليها عقود ولم يتم تحديثها أو تطويرها للإستجابة للظروف الحديثة، أو لظرف معين، إذ أن تلك الاتفاقيات التي وضعت في العام 1949م لاستخلاص العبر من المعاناة التي سبّبتها الحرب العالمية الثانية للبشرية، إنما كانت موجّهة للتعامل مع احتلال قصير الأمد، كالاحتلال الألماني لفرنسا، ولم توضع للتعامل مع احتلال طويل الأمد كالاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والعربية المحتلة المستمر منذ العام 1967م، والذي تجاوز الإحتلال إلى الإستعمار"، وبناء مئات المدن والبلدات الإستعمارية الآهلة بما يزيد عن ستمائة وواحد وثلاثين ألف مستعمر يهودي، الأمر الذي يجعل من مسألة المستعمرات في حد ذاتها جريمة حرب كبرى مستمرة، يجب تقديم شكوى بحقها لمحكمة الجنايات الدولية من طرف السلطة الفلسطينية (بعد المصادقة على ميثاق المحكمة) أو أي دولة عربية موقّعة على" ميثاق روما" المؤسّس لتلك المحكمة، ما يُفترض وضع السلطة القائمة بالاحتلال تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ،القاضي باستخدام القوة العسكرية ضدّ دولة تهدّد السلم والأمن العالميين.

 بسبب تحريم إحلال سكان من جنسية سلطة الاحتلال في أرض أو جزء من أرض أي إقليم أحتل بالقوة العسكرية، أو نقل وتهجير سكان أصليين من أي جزء من وطنهم الذي تعرّض للاحتلال، وهو ما نصّت عليه مادة مستقلة من مواد إتفاقية جنيف الرابعة صراحة، ذلك أن المادة (39) من مواد الفصل السابع، أتاحت لمجلس الأمن أن يتّخذ قرراً باعتبار الحالة المعروضة أمامه تمثل تهديداً للسلم أو إخلالا به، أو أن ما وقع يُعدّ عملاً من أعمال العدوان، ويقدّم في ذلك توصياته أو يقرّر ما يجب اتّخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين :(41) التي تنص:" لمجلس الأمن أن يقرّر ما يجب اتّخاذه من التدابير التي لا تتطلّب استخدام القوات المسلّحة لتنفيذ قراراته...

 ويجوز أن يكون من بينها، وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية."، والمادة(42)التي تنص : و" في حالة أن يتّضح لمجلس الأمن إن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أجازت له هذه المادة أن يقرّراستخدام القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة". للقيام بما يلزم من أعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما.



وبعد أن تحقّق إنضمام السلطة الفلسطينية لإتفاقيات جنيف ،إثر إعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين عضواً مراقباً فيها عام 2012م ، ثم بعد مصادقة السلطة ذاتها على إختصاصات "المحكمة الجنائية الدولية" عام 2009م من خلال مذكرة وزير العدل الفلسطيني يتطلب واقع النضال الفلسطيني الراهن، سيما بعد صمود الفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة في قطاع غزّة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير، ضرورة التوقيع على "ميثاق روما" المؤسّس لـ" المحكمة الجنائية الدولية"، كي يكون في استطاعة الفلسطينيين، مقاضاة المسؤولين السياسيين والعسكريين في دولة العدو الصهيوني، والأشخاص الذين يعملون في السجون الإسرائيلية، أمام "المحكمة الجنائية الدولية" وفي محاكم وقضاء مائة وإحدى وعشرين دولة (121)، في العالم ، وهي أطراف في ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية.


 ما يعني أن كل دولة من تلك الدول مُلزمة باعتقال أي مسؤول إسرائيلي مُتهم بقتل أو تعذيب أو إعتقال اي أسير فلسطيني، حال سفر ذلك المتهم لأي من تلك الدول، فضلاً عن إمكانية التقدّم لقضاء سبع وأربعين دولة يأخذ القضاء فيها بالإختصاص القضائي العالمي في قبول أية دعوى ترفع أمامه ضد أي مجرم حرب ارتكب أية جريمة قي أي مكان من العالم ، إذ رأينا كيف فرّ العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الصهاينة من بريطانيا وبلجيكا وغيرهما من الدول الأوروبية والإسكندنافية، بمجرّد رفع بعض ذوي الضحايا الفلسطينيين دعوات أمام محاكم تلك الدول.

لكن ذلك كله، برأي الكاتب – لن يُحدث الأثر المأمول منه لصالح الأسرى والمعتقلين العرب ولن يساهم في تخفيف معاناة أهل فلسطين تحت الإحتلال العنصري الصهيوني، في ضوء الوضع الدولي الراهن المُتحيّز لصالح العدو، وتراجع المواقف العربية الرسمية من قضية العرب والمسلمين المركزية : قضية فلسطين، ودخول المنطقة في حروب داحس والغبراء العربية العربية ، الأمر الذي يتطلّب حلولاً واقعية وخلاّقة ، مثل الزحف الجماهيري الحاشد نحو السجون والمعتقلات واقتحامها أمام بصر الرأي العام العالمي، والقيام بأسر واعتقال الجنود والمستوطنين الصهاينة في أرض السلطة الوطنية، باعتبارها أرضاً محتلة وفق القانون الدولي، تمهيداً لمبادلتهم  بآلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين يشارفون على الاستشهاد البطيء من دون أية ردّة فعل إيجابية أو مُنصفة ، من أحد من دول العالم ومؤسساته، في زمن الهرولة العربية والإسلامية  الرسمية  وأحياناً الشعبية للتطبيع مع الغُزاة  مُحتلّي المقدّسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين!!!