هيلاري كلينتون و«المُعضِلة الشرّيرة»
في مقدمة كتابها، قالت كلينتون بـأنها حاولت خلال مسيرتها، "ألّا ترتكب الخطأ نفسه مرتين". في الوقت الذي كانت فيه تعترف بارتكابها الخطأ نفسه مرتين: غزو العراق والحرب على ليبيا. دون أن يجد أي عمران من الدولتين المنكوبتين بالأخطاء الأميركية، طريقه إلى عينيها، ليسيل كما كلماتها، مضرجاً بالنفاق والخداع الأميركي. فالعراق وليبيا، باتتا معضلتين غير شريرتين، تنعمان بالحرية الأميركية وربيعها الديمقراطي.
عمران مرة أخرى. يسيل على وجه هيلاري كلينتون
عمران مرة أخرى. يسيل على وجه هيلاري
كلينتون خلال مناظرتها الانتخابية الأخيرة، بعد أن خرج من جيب القناة السويسرية
ليوضع أمام الرئيس الأسد، كـ"سؤال مُحرِج": "هل لديكم أي شيء
تقولونه لعمران وأسرته؟".
الإرهاب يُحاصِر حلب منذ أربع سنوات لم نسمع خلالها تصريحاً غربياً
واحداً حول أطفال حلب، إلا مع تقدّم الجيش السوري في حلب وشعور الدول الغربية
بأنها تخسر أهم أوراقها الإرهابية في سورية. لدينا صوَر حقيقية لأطفال تعرّضوا
للأذى، لكنّ هذه الصورة بالتحديد مزوّرة من أجل الترويج لـ "القُبّعات
البيضاء"، الوجه المُجمّل لـ"جبهة النصرة"، ردّ الرئيس الأسد.
"هذا رهيب..!"، علّقت هيلاري كلينتون وهي تتذكّر بصوتٍ
ناحب "صورة عمران وهو يجلس في سيارة الإسعاف والدماء تسيل على جبينه"،
خلال مُناظرتها الأخيرة. أرادت من خلال تلك الصورة الرهيبة أن تؤكّد على رأيها بأن
منطقة حظر جوّي ستحمي الملايين من السوريين وتمنع تدفّق اللاجئين وتضغط على الحكومتين
السورية والروسية، لضمان مفاوضات جديّة لإنهاء الصِراع ومُتابعة المسار السياسي.
وأضافت بواقعيّة ساذجة بأنها لن تستطيع القيام بذلك خلال الأيام الأولى من
رئاستها، بل سيتطلّب ذلك مفاوضات مع الروس والسوريين، لتوضح لهم أنّ المناطق الآمنة
ستكون في مصلحة الشعب السوري وتساعدنا في الحرب ضدّ داعش!. أي أنها تريد إقناع
روسيا وسوريا بالموافقة على المناطق الآمنة، التي تريد أن تستخدمها كوسيلة ضغط على
الدولة السورية لضمان "مفاوضات جديّة".
"خيارات صعبة"، كتاب هيلاري كلينتون. قالت بأنّه يتناول
الخيارات التي قامت بها كوزيرة للخارجية. في الفصل التاسع عشر كتبتْ: «سوريا: المُعضِلة
الشريّرة»، لأنّ كلّ خيار في شأنها يكون أسوأ من غيره. فإذا لم نفعل شيئاً، فستقع
"كارثة إنسانية" وتنتشر في المنطقة، وإذا تدّخلنا عسكرياً فسنقع في
مستنقع آخر مثلما حدث في العراق، وإذا أمددنا الثوار بالسلاح فسيؤول إلى أيدي المُتطرّفين
وإذا تابعنا دبلوماسيّاً فسنصطدم بالفيتو الروسي.
من جنيف، نهاية حزيران 2012 اختارت كلينتون أن تبدأ حديثها عن
"المُعضِلة الشرّيرة"، حينما كان المندوب الأممي السابق، كوفي عنان يُحذّر
الحاضرين قائلاً: " التاريخ قاضٍ ماكر – وسيحاكمنا جميعاً بقسوة، إذا ثبت
أننا عاجزون اليوم عن السير على الدرب الصحيح". وعادت كلينتون لتوضح الدرب
الذي قادها إلى جنيف، مُبيّنة بأنها كانت قد أوصت الرئيس أوباما بتسمية
"الدبلوماسي المُتمرّس الذي شغل مناصب في أنحاء الشرق الأوسط وآخرها في
العراق" روبرت فورد، سفيراً للولايات المتحدة في سوريا بعد قطيعة دامت خمس
سنوات، وأنه وصل إلى دمشق في كانون الثاني 2011، " ليستقرّ في الوقت المُناسب
قبل قيام التظاهرات." وقالت بأنّ فورد أثبت بأنّه "مثال لدبلوماسي مُحنّك
ينفّذ مهمّته على أكمل وجه"، حين توجّه إلى حماه والتقى المتظاهرين مؤكّداً
"تضامن بلاده وتعاطفها مع المُنادين بالإصلاح الديمقراطي". وتصل كلينتون
إلى نهاية آذار 2012 حين ردّت على طلب الدول الخليجية وتركيا بضرورة تسليح
الولايات المتحدة للثوار، بأنّه "ليس على كلّ الدول أن تقدّم المُساعدة
ذاتها. ثمة دول ستكثّف جهدها لتمرير الأسلحة، بينما تلجأ دول أخرى إلى تلبية
الحاجات الإنسانية". في اليوم الأخير قبل جنيف حزيران 2012، تقول كلينتون
بأنها رحّبتْ بـ"خطّة عنان"، لتعبيد الطريق نحو "المستقبل الذي
سيلي عهد الأسد"، وأنّها ألحّت على كوفي عنان بعدم التنازل عن المبادئ التي
اقترحها، وأنّ ما يجب أن يصدر عن الاجتماع هو "تكاتف المجتمع الدولي ومن ضمنه
روسيا والصين للدّفع في اتّجاه مرحلة سياسية انتقالية. هذا أمر مُقدّس، إذ يمكن
إضفاء بعض التعديل على التفاصيل إنما من دون المسّ بالجوهر".
وتؤكّد كلينتون
على فهمها لبيان جنيف بأنّه "مُخطّط لرحيل الأسد". وتتابع بأسى بأنّ
الرئيس الأسد كان "مُحصّناً أكثر من القذافي، ومدعوماً من شرائح أساسية واسعة
من السكان، ومُتمتّعاً بعدد أكبر من الحلفاء في المنطقة فضلاً عن جيش فعليّ،
ودفاعات جويّة قوية". و "المُعارَضة السورية" غير مُنظّمة ومُشرذَمة.
وأنّ روسيا تقف في وجه أي حِراك ٍمُتعلّق ٍبسوريا في مجلس الأمن لتجنّب تكرار ما
حدث في ليبيا.
عدم نجاح "جنيف" بتحقيق أهداف الإدارة الأميركية دفع
الخارجية الأميركية مع فريق أوباما للأمن القومي، إلى دراسة إمكانية تدريب
"قوة فاعلة ومُعتدلة وموضع ثقة" وتجهيزها. وتقول كلينتون بأنّ
الهدف هو " الحصول على شريك على الأرض يمكننا العمل معه، ويفعل كل ما في
استطاعته لإقناع الأسد وداعميه بأن الانتصار العسكري مُستحيل".
وقالت بأنّ
الرئيس الأميركي كان غير واثق من "أن مُجرّد تسليح الثوار كافٍ لانتزاع سلطة
الأسد، وسط كمّ الأسلحة المُتدفّق من الدول العربية إلى سوريا". وأنه طلب
إطلاعه على حالات دعمت خلالها الولايات المتحدة التمرّد وتكلّلت بالنجاح!.
تبدو الخيبة واضحة من خلال كلمات كلينتون وهي تتحدّث عن تراجع الرئيس
الأميركي عن توجيه ضربات عسكرية إلى سوريا، بعد أن تجاوزت "خطّه الكيميائي
الأحمر". وتلوم وزير الخارجية الأميركي جون كيري حين أجاب على سؤال: "هل
من أمر يستطيع الأسد فعله لتجنّب التدخّل العسكري؟"، وقال: " يمكنه
تسليم كل الأسلحة الكيميائية إلى المجتمع الدولي". واعتبرت بأنّ روسيا تمسّكت
بتعليق كيري وعوّلت عليه على أنه "عرض دبلوماسي جدّي". وأنّ تهديد
أوباما باللجوء إلى القوة هو الذي حفّز الروس على البحث عن مخرج. في ختام
"خيارتها الصعبة"، تتساءل كلينتون عمّا يمكن القيام به أكثر وتؤكّد بأنه
لا يمكن للمُعضِلات الشرّيرة أن تعرقل بحثهم عن حلول مهما تعقّدت الأمور.
في مقدمة كتابها، قالت كلينتون بـأنها حاولت خلال مسيرتها،
"ألّا ترتكب الخطأ نفسه مرتين". في الوقت الذي كانت فيه تعترف بارتكابها
الخطأ نفسه مرتين: غزو العراق والحرب على ليبيا. دون أن يجد أي عمران من الدولتين
المنكوبتين بالأخطاء الأميركية، طريقه إلى عينيها، ليسيل كما كلماتها، مضرجاً
بالنفاق والخداع الأميركي. فالعراق وليبيا، باتتا معضلتين غير شريرتين، تنعمان
بالحرية الأميركية وربيعها الديمقراطي.