معركة الموصل: حرب على الإرهاب أم تجييش مذهبي؟
المُتتبّع لمُجريات المشاركة من دول التحالف بقيادة أميركا في الحرب يجد أن الهدف المُعلن هو طرد داعش وليس لإنهائها من الموصل، رغم إن غالبية الكوادر الداعشية قد تلقّت تدريبها في معسكرات تركية وأردنية تحت مُسمّيات قوات العشائر العراقية أو قوى المُعارضة المُعتدلة، ولكنها من حيث الجوهر كانت عناوين لتأجيج الحال المذهبية وإدامة الحرب وليس إنهاء الحال الداعشية عسكرياً وفكرياً وثقافياً.
ولعل هذه المُدَد الزمنية الافتراضية ما هي إلا جزء مهم من التكتيك الأميركي للبحث عن مداخل ومخارج لتكييف الواقع العربي والاقليمي مع الاستراتيجية الأميركية في مآلها الأخير لتنفيذ البرنامج الأميركي الموسوم بالشرق الأوسط الجديد المُفضي إلى تحقيق نظرية الفوضى الخلاّقة أو سمّها ما شئت . كل هذا كان قبل الدخول الروسي الفعلي والمُمَنهج في الحرب الكونية وأدواتها الإرهابية على سوريا العربية، حيث انتقلت حال الصراع من المُشاغَلة وإطالة زمن الحرب إلى حال الحسم التي فرضتها حال الصمود السوري والتدخّل الروسي المباشر وبقية أطراف حلف المقاومة المستند إلى تفعيل قرارات الشرعية الدولية، فقد حاول التحالف الدولي بزعامة أميركا خلط الأوراق لمُداراة عجزه عن تحقيق أي انجاز سياسي مهم على صعيد الوضع في سوريا، رغم قساوة الحرب وتعدّد نقاط الاشتباك المفتوح المدعوم عملياً عبر الحدود الإقليمية لسوريا من الشمال والجنوب ومن الحدود الشرقية لسيطرة القوى الإرهابية في محافظات الغرب والشمال العراقي من أهم دول التحالف الأميركي السعودية والأردن وتركيا، كل هذا كان قبل التدخّل الروسي الفعلي والمُغطّى بقرارات الشرعية الدولية حيث قدّمت الجمهورية العربية السورية الدولة المُستقلّة وذات السيادة طلباً رسمياً لروسيا انسجاماً مع اتفاقية التعاون الاستراتيجي والدفاع المُشترك والتي عُقدت بين الدولتين في عام 1973 لكي تقف معها في مواجهة العدوان الأجنبي المكشوف عليها، وقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة مؤكداً فيه على احترام سيادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة واحترام استقلالها وسيادتها الوطنية، وتفعيل هذا المبدأ في وقف التغوّل الأميركي عند حدود المحاولات ضمن خريطة التقدّم والتراجع حسب مقتضيات البرنامج الأميركي نفسه الذي تم التأسيس له منذ خطة بريجنسكي المُقرّة في الكونغرس الأميركي عام 1980حيث تم صرف المليارات من الدولارات لتوليد أدوات فوضوية لا تملك أهدافاً واضحة وذات عمق إنساني وحضاري وديمقراطي لخوض الحرب ، فكانت الفوضى من أهم نتائج هذه الخطة وجاء وقت حصاد النتائج فكَثُر الحصّادون وتضاربت المصالح وتبدّلت الأدوات ولكن الهدف الرئيسي لازال هو لم يتغير، إثارة الفوضى وتفكيك المنطقة ورسم خرائط جيوسياسية جديدة على أُسُس مذهبية واثنية غير قابلة للحياة ولكنها تُقدّم للمشروع الأميركي مقوّمات تحقيق بعض طموحاته المصلحية في السياسة والاقتصاد . والمُتتبّع لمُجريات المشاركة من دول التحالف بقيادة أميركا في الحرب يجد أن الهدف المُعلن هو طرد داعش وليس لإنهائها من الموصل رغم إن غالبية الكوادر الداعشية قد تلقّت تدريبها في معسكرات تركية وأردنية تحت مُسمّيات قوات العشائر العراقية او قوى المُعارضة المُعتدلة ، ولكنها من حيث الجوهر كانت عناوين لتأجيج الحال المذهبية وإدامة الحرب وليس إنهاء الحال الداعشية عسكرياً وفكرياً وثقافياً، بل لترسيخ الفكرة وخلق حواضن ثقافية لها حتى وصلت الحال ببعض القوميين واليساريين للانسياق لها والتعاطي مع نتائجها في ظلّ تجييش إعلامي حاقد ولئيم. ومَن يراقب الدور التركي والسعودي يرى بوضوح عدم الجدية في القضاء على قوى الإرهاب وأدواته .لأن من صنع الإرهاب وموّله وأسّس لفكرته ونشر ثقافته لا يمكن أن يكون خصماً لذاته.
ولعل التباكي والعويل على مصير أهل السنّة والجماعة في الموصل ومحاربة داعش كحال خارجة عن أهل السنّة والرفض المُتعمّد والمُستحيل أصلاً (لعدم وجوده موضوعياً) للفرز بين مَن هو إرهابي ومَن هو مُعتدِل من القوى المُسلّحة في سوريا والعراق، يُعطي المؤشّر الواضح بأن الحرب لا تأخذ بُعداً إنسانياً كما تدّعي أميركا وحلفاؤها، بل استخدام تدميري لتلك الأدوات وخلط للأوراق من أجل تحقيق أهداف سياسية لازالت أميركا تراهن بأنها ستقوم بإعادة رسم خريطة المنطقة ديموغرافياً بعدما تم تقسيمها جغرافياً، وأنها ستقطف ثمارها عاجلاً ام أجلاً، ولأن الانتصار السوري وتماسُك تحالف قِوى المقاومة بقيادة روسيا بالتجربة فرض على الإدارة الأميركية إعادة التفكير بطريقة العمل وكيفية استخدام أدواتها، ولعلها وجدت في إمكانية إعادة داعش وما لديها من خبرات عسكرية وقتالية وعتاد إلى الرقة بعد أن خرجت منها متوجّهة إلى الموصل مخرجاً مناسباً لإعادة صوغ شكل العدوان وجوهره وإعطائه البُعد المذهبي على حساب البُعد الوطني والقومي، والمُتابع لإعلام القوى الحليفة لأميركا يجد بالملموس المرئي والمسموع قذارة الحرب الإعلامية وانحطاط مستواها إلى أدنى معايير الإعلام المُتعارَف عليها، وأصبح من الضروري أن تتنبّه الشعوب العربية إلى حجم هذه المؤامرة وخطورة تداعياتها على حاضر الأمّة ومستقبلها وأنت تقف في وجه أنظمة التبعية وادّعاءاتها بمُكافحة الإرهاب ، فمن يريد فعلاً مُكافحة الإرهاب فعليه: أولاً: أن لا يقوم باحتضان قياداته وحواضنه وأن لا يقوم بتدريب الإرهابيين بكل مسمّياتهم وتسليحهم ومدّهم بالغذاء والدواء، حيث أنهم من السهل أن يعودوا إلينا بمفخّخاتهم كما حصل في معسكر الركبان الأردني. ثانياً: أن يتم وقف عمليات الشحن الإعلامي المذهبي لما له من مخاطر استراتيجية على الأمّة ومستقبل أجيالها. ثالثاً: وقف التعامل مع التنظيمات الإرهابية بكل مُسمّياتها من نصرة إلى جيش الفتح وأحرار الشام وجيش الإسلام، واحترام سيادة الدول. رابعاً: يجب التنسيق مع الدولتين السورية والعراقية أمنياً وعسكرياً وسياسياً ووقف مؤامرة أصدقاء سوريا واجتماعاتهم الأقرب إلى المهزلة المُتنقّلة بين واشنطن ولندن وباريس وفي بعض الأحيان عمان، وإن لم يكن ذلك نهجاً سياسياً واضحاً ستبقى وصمة العار والذلّ والإرهاب تطارد كل من أوغلت يداه بالدم العربي السوري والعراقي إلى أبد الدهر.