مواطن لبناني للرئيس الجديد: مبروك، لقيت وظيفة!
هناك، في الجزء الآخر من المشهد، أصوات مواطنين لا يعنيهم القصر، ولا من بداخله، لا يعنيهم من، ولا ابن من، وصل إلى الكرسي الأول، بل إن الرئاسة تحديداً لا تعنيهم شيئاً. هو رئيس "للراضي والزعلان" للـ "المشحر والمعتر" وللغني المستغني كذلك. هذا رأي الدستور؟ حسناً. لكن للمواطنين في الشارع، للأساتذة في مدارسهم، للعاطل عن العمل في شغوره الخاص، رأي آخر..
الرئيس المنتظر أتى، لكنّ سجله العائلي كبير، متشعب ومختلف. البعض ذهب لتبنيه، والبعض الآخر نبذه، وفي كِلا الحالتين هو رئيس شرعي لكل اللبنانيين. لكنّ الشرعية التي منحه إياها الدستور اللبناني لا تعكس آراء كلّ اللبنانيين. بطبيعة الحال هناك الكتل المعارضة التي اقترعت بالورقة البيضاء، معلّنة بسلام تام أن الاسم المطروح للرئاسة، لا يناسبها. هناك، في الجزء الآخر من المشهد، أصوات مواطنين لا يعنيهم القصر، ولا من بداخله، لا يعنيهم من، ولا ابنُ من، وصل إلى الكرسي الأول، بل إن الرئاسة تحديداً لا تعنيهم شيئاً. هو رئيس "للراضي والزعلان"، كما لـ "المشحر والمعتر"، وللغني المستغني كذلك. هذا رأي الدستور؟ حسناً. لكن للمواطنين في الشارع، كما للأساتذة وللعاطلين عن العمل في شغوره رأي آخر.
ففي بلاد الاغتراب حيث يعيش كثير من اللبنانيين المشهد مختلف. المتربصون خلف الشاشات هناك ينظرون إلى الملف الرئاسي على أنه ملف ثانوي، لن يغير من الواقع في شيء، وإن فعل، فسيكون تغييراً آنياً، لحظوياً، يستمر لبضع ساعات، وربما لأيام. يحتفل الراضي ببضع رصاصات يطلقها من مسدس أحلامه المحكوم بواقع مزر، ويشتم الحزين النتيجة التي لم تأت على شبه توقعاته بكلمات لا تسمن ولا تغني، اللهم سوى "فشة خلق" ليس مهماً ما سينتج عنها. فاللبناني كائن يحترف الكلام في السياسة ولا تكاد تخلو جلسة له منها.
أحد المغتربين غرّد على صفحته على تويتر قائلا:"من نظر إلى حال أهلنا حينما كانت البلاد سارحة من دون رئيس؟ ماذا سيختلف بربكم؟ الاختلاف بسيط جداً، بدل أن يقولوا لبنان بٍلا رئيس، سيقولوا لبنان برئيس. مكوّنات الطبخة اختلفت لكنها لا بدّ محروقة". تستدعي هذه الجملة الوقوف عندها. هل يعقل أن الصيغة الكلامية هي الشيء الوحيد الذي اختلف لدى اللبنانيين بعد أن أصبحوا بـ "رئيس"؟!
في الداخل اللبناني المأزوم بسلسلة مشاكل أشهر من أن تعرّف، من النفايات الى البطالة، مروراً بالانقسامات داخل الطائفة الواحدة، والبيت الواحد، يعيش المواطن حالة لا تعرف الاستقرار، هو حامل هم لقمة العيش دائماً، أو مثقل بهموم لا يفترض بها أن تكون هموماً. يُنشد الطبابة، يتمنى الغذاء السليم، يشتهي أن يأكل على طاولة الشراكة، لكنّه يخاف أن يغضب رئيس حزبه فيجعله يصوم إلا عن الندم! في بلد يفرض على من فيه خوض غمار الحياة بشعارات حزبية، ربما اقتناعاً وربما طلباً للحماية.
"استحقاق آخر الشهر هو الاستحقاق الأهم "، يقول فؤاد صاحب سيارة الأجرة، في مشوارنا القصير معه. قال إن "أهمية انتخاب رئيس للجمهورية لا تكمن في شخصه، بل بما سيقوم به، ولذلك فإن انتخاب الرئيس أو بقاء الجمهورية بلا رئيس لا يعنيني في شيء، سلي التاريخ يخبركِ لماذا نحن متشائمون". فعلاً، ما الفائدة المباشرة التي ينالها المواطن اللبناني في حال تم انتخاب رئيس لبلاده؟ "لا شيء" يقول علاء، الشاب اللبناني الذي لم يجد عملاً برغم إنهائه دراسته الجامعية؟ قال بكل حسرة "الحمد لله. لا ينقصني سوى الواسطة"،مضيفاً "أوصلوا سلامي إلى الرئيس الجديد وقولوا له، مبروك لقيت وظيفةّ..".
بعد انتخاب الرئيس مباشرة التقيت بـ لميا، فتاة تبلغ من العمر 23 عاماً، تعمل مُحاسبة في مؤسسة لا تتقاضى منها الحد الأدنى للأجور، أي ما دون 500 دولار، بعد سؤالي لها عن أملها بما سيفعله الرئيس الجديد للبلاد، قالت" الرئيس لا يعنيني، بل لا يعني انتخابه أحداً، جل ما نستطيع قوله له إن رواتبنا لا تخولنا شراء دراجة في لبنان، اللهم إلا بالتقسيط".
الأمثلة كثيرة، والحديث عن الرئاسة اللبنانية وتداعياتها يتصدّر كل اجتماع، كل مائدة سياسية وغير سياسية، يطرق أبواب كلّ اللبنانيين، من أعجبهم الرئيس ومن تمنوا الرئاسة لمرشح آخر أو من فضلوا الشغور. هي مادة دسمة للشاشات المحلية والعربية، ومسؤولية الشغور الذي كان، لم يتحمل عبئها سوى اللبناني، الذي لا يعنيه الرئيس الجديد أياً كان!
اللبنانيون استعادوا رأسهم إذاً لكنّ جسدهم ما يزال عليلاً. يريدون ضمانات حقيقية لعلاجه، ليستعيدوا القدرة على الإيمان بالدستور والمؤسسات مجدداً. فالخوف اليوم لم يعد من الفراغ. الفراغ امتلأ. الخوف بات من الفراغ المقنّع. من المراوحة الثقيلة. من أن يتغير الإطار من غير أن تتغير اللوحة.