الأطفال المُتفوّقون وأبرز خصائصهم

هناك عدد من الأفكار الخاطئة بين الناس في ما يتعلّق بخصائص الأطفال الموهوبين والمُتفوّقين جداً، فمن خلال الكاريكاتير والفولكلور (الصوَر النمطية) يحصل الناس على فكرة قوية تقول بأن هؤلاء الأطفال صغار جسمياً في شكلهم وضعاف في نموهم، كما أنهم حركيّون وغير مستقرّين وأحاديو الاتجاه ومرفوضون إجتماعياً، إلا أن كل فكرة مما سبق غير صحيحة، فمعظمهم يبدون بأنهم راشدون عاديون في ما يتعلق بالذكاء والتحصيل.

عادة ما يمتلك الأطفال المتفوقون رغبة قوية في الاكتشاف والابتكار
السؤال الذي يطرح نفسه دائماً: هل يستطيع الآباء والمُعلّمون وعُلماء النفس والأخصّائيون الاجتماعيّون المساعدة في تحديد الأطفال المُتفوّقين في مرحلة مُبكرة جداً من عمرهم؟

طبعاً هذه المشكلة جذبت اهتمام علماء النفس في كل أنحاء العالم، حيث عدّوها صعبة جداً وبخاصة تقدير التفوّق من خلال اختبار واحد أو أداة، لكن نموذج تولمان (البسيط والقوي) لتحديد الأطفال المُتفوّقين نجح من خلال الاختبارات الفردية والاجتماعية على تقدير التفوّق عند الأطفال.

وبناء على رأي تولمان فإن الأطفال الذين يقعون ضمن النسبة المئوية العُليا في حاصل الذكاء هم أطفال مُتفوّقون، إلا أنه أكّد في ما بعد على أن اختبارات الذكاء العام تُمثّل نوعاً ما شكلاً محدوداً من المهمّات العقلية، فمثل هذه الاختبارات هي الأفضل للنوع الاستدعائي أو التحديدي من المشكلات فقط، لذلك ثبت أن الأطفال الذين حصلوا على درجات عُليا في اختبارات الذكاء العامة ليسوا بالضرورة مُبدعين بدرجة عالية أيضاً، لهذا فإن المدى الكامل للتفوّق عند الأطفال لا يمكن قياسه بواسطة اختبارات الذكاء هذه.

ولو انتقلنا إلى وجهة نظر أخرى حول التفوّق لوجدنا أن ثرثتون قد ذكر أن كونك ذكياً جداً لا يعني أنك متفوّق في العمل المُبدع، وهذه يمكن اعتبارها فرضية، إذ يلاحظ عموماً في الجامعات أن أولئك الطلاب الذين يمتلكون ذكاءا عالياً يتم الحُكم عليهم (بواسطة المعايير المتوافرة) على أنهم ليسوا بالضرورة هم فقط المنتجين للأفكار الأصيلة والمبدعة، فالدمج بين الذكاء والإبداع ليس قاعدة عامة.

هذا وبشكل عام تعمل اختبارات الذكاء العامة المتوافرة لتحديد التفوّق لدى الأطفال، على قياس القدرة على التعامل مع أنظمة الرموز العددية واللفظية، إلا أنها تبقى غير شاملة أو صحيحة بشكل كافٍ لتقدير الإبداعية، فالإبداع يتطلّب حداً أدنى من الذكاء وليس العكس.

خصائص الأطفال المُتفوّقين

لكن ليس هناك شك في أن الطفل المُتفوّق عقلياً يظهر موهبة من خلال أدائه المتميّز في أي نشاط يستحق اهتمامه، حيث يجب أن يتم تحديد هؤلاء الأطفال في المدرسة من قِبَل معلّميهم الذين يكونون قادرين على ذلك بملاحظة أدائهم ومراقبته.

طبعاً هناك عدد من الأفكار الخاطئة بين الناس في ما يتعلّق بخصائص الأطفال الموهوبين والمُتفوّقين جداً، فمن خلال الكاريكاتير والفولكلور (الصوَر النمطية) يحصل الناس على فكرة قوية تقول بأن هؤلاء الأطفال صغار جسمياً في شكلهم وضعاف في نموهم، كما أنهم حركيّون وغير مستقرّين وأحاديو الاتجاه ومرفوضون إجتماعياً، إلا أن كل فكرة مما سبق غير صحيحة، فمعظمهم يبدون بأنهم راشدون عاديون في ما يتعلق بالذكاء والتحصيل، هذا ولعقدين من الزمن تم مسح مجموعات من الأطفال المُتفوّقين ودراستهم بشكل شامل وكامل، وقد تم اكتشاف الخصائص والصفات المشتركة التالية بينهم في هذه الأبحاث:

- الخصائص والصفات الجسمية

تكشف الدراسات المختلفة للأطفال المُتفوّقين أنهم يمتلكون نمواً جسميا ًفوق المتوسّط، فهؤلاء الأطفال أكثر طولاً وأثقل وزناً وأفضل بناء ونمواً وحركة من غيرهم من الأطفال، كما أنهم يمتلكون أيضاً تناسقاً وضبطاً جيدين للعضلات، أما صحّتهم العامة فتكون فوق المتوسّط وتستمر كذلك حتى الرشد، فيما نسبة الوفيات والجنون بينهم منخفضة مقارنة بغيرهم.

- الخصائص والصفات العقلية

تكشف الدراسات العلمية أن الأطفال المُتفوّقين يحقّقون نمواً أفضل من بقيّة الأطفال في جميع الحالات، فتعلّمهم للكلام والمشي والقراءة يكون مُبكراً بشكل مُتميّز، كما إنهم موهوبون بعدد من الخصائص في شخصيّتهم وذكائهم، هذا بالإضافة إلى أنهم يمتلكون معايير ومعدّلات تحصيل أرفع من الأطفال العاديين وأن استجابتهم تكون أسرع، تمكّنهم من دخول المدرسة في عمر مُبكر والتقدّم على رفاق صفوفهم، أما اهتماماتهم ونشاطاتهم في الصفوف فهي واسعة وأكثر تنوّعاً من بقية الأطفال، حيث أنهم أكثر اهتماماً بالموضوعات المُجرّدة كالأدب والعلوم والحوار وأقل اهتماماً بالنشاطات العملية مثل الأعمال اليدوية والتدريب الرياضي، ما يُفسّر على أنهم ليسوا اجتماعيين إلى حد ما (عدم اهتمامهم باللعب)،

هذا وتكشف الأبحاث أن معظم الأطفال المُتفوّقين يُصنّفون فوق المتوسّط في اختبارات النضج الاجتماعي والطباع، وأن عملياتهم العقلية غنية جداً، فهم يكوّنون أفكاراً إبداعية بسهولة تجعلهم قادرين على اكتشاف الفجوات والثغور في المشكلات وعلى ملئها بالعناصر المفقودة بشكل ذكي، كما وجد أن معظمهم مُدركون لمواهبهم والاستفادة منها.

- الخصائص والصفات الشخصية

تُبيّن البحوث أن هناك علاقات إيجابية وحميمة بين التفوّق والشخصية، فمن دون أدنى شك فإن الأطفال الموهوبين مرغوبون ومعروفون وطموحون ومحبوبون ومجدّون أكثر من غيرهم، وعادة ما يمتلكون رغبة قوية في الاكتشاف والابتكار، كما أنهم قادرون على مقاومة الإحباط بشكل أفضل من أيّ شخص آخر.

هذا وقد وجد بعض علماء النفس أن الأطفال المُتفوّقين اندفاعيون ومعتّدون بأنفسهم ومُهتمّون جداً بالتعابير الجمالية والتفكير الانعكاسي، كما أنهم حسّاسون وغنيّون بالأفكار المُساعِدة ومرنون ومتحمّسون ويمتلكون درجة كبيرة من الدافعية.

وتُخبرنا الدراسات العديدة لهم بأن ذلك التفوّق والسلوك الإبداعي لديهم يُنظَر له على أنه استمرارية أو بديل للعب في الطفولة، فالأفكار الإبداعية مُشتقّة من دقّة التخيّل والأفكار المُرتبطة بأحلام اليقظة والألعاب التي تهمل بحرية في مرحلة الطفولة، إذ أن الأطفال المُتفوّقين يقبلون الأفكار الناشئة والجديدة والمشرقة بحرية في حين يكظمها الناس العاديون.

- الخصائص والصفات التعليمية

يتعلّم هؤلاء الأطفال الكلام والقراءة والمشي بشكل أكبر من أقرانهم وتكون مفرداتهم اللغوية جيّدة جدا، فهم يمتلكون مفردات غزيرة وواسعة يستعملونها لتسريع النمو اللغوي حتى قبل دخول المدرسة، كما أنهم يمتلكون ذاكرة قوية ويعملون بجدية وقوة وبشكل مركّز كلياً على العمل المطلوب، ما يجعلهم متفوّقين في تحصيلهم في الموضوعات المدرسية، حيث يطوّرون اهتماماً ذكياً بالموضوعات المدرسية المُجرّدة ويُقيّمون عادة على أنهم فوق مستوى صفوفهم العادية.

- الخصائص الأسرية والاجتماعية

عموماً ينحدر الأطفال الأذكياء من آباء ينتمون للطبقة المتعلّمة والمهنية العُليا (كبار الموظفين)، حيث أن بيئتهم الأسرية تزوّدهم بالأجواء المتميّزة والمناخ المُشجّع ما يجعلهم مطيعين واجتماعيين وأكثر نضجاً ممن هم في مثل سنّهم من الناحية الاجتماعية والانفعالية، كما إنهم يفضّلون بشكل دائم الألعاب التي تتطلّب مُحاكاة عقلية وإطلاقاً للأحكام، وهي الألعاب التي يُفضّلها غيرهم من الأطفال الأكبر سناً منهم.

هذا وتكشف الدراسات أن بعض هؤلاء الأطفال شعبيون جداً ويبحث رفاقهم ومن هم أكبر منهم سناً عنهم، كما أن لديهم إحساساً جيداً بالدعابة أو حساً انتقادياً ساخراً، أما البعض الآخر منهم فهم خجلون ومحبّون للانفراد والوحدة، حيث يحجبون أنفسهم عن الجماعة أو منها وقليل منهم يهتّمون بالجنس الآخر.