السباق الخليجي إلى طهران.. الدوحة أوّل الواصلين!

شكلت الأزمة الخليجية بتشعباتها ومحاورها، مساراً متوازياً بين العلاقات الخليجية-الخليجية، والخليجية الإيرانية، لا سيما أنها تزامنت مع تغيّرات جذرية في المنطقة، على الصعيدين السياسي والعسكري، من سوريا الى اليمن مروراً بالعراق.

تريد قطر مع إعلانها عودة سفيرها إلى طهران الخروج من التزاماتها مع السعودية
قرار الخارجية القطرية إعادة سفيرها إلى إيران، لم يكن لينضج من حيث التوقيت والظروف، لولا كلام وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي كشف عن تبادلٍ للزيارات الدبلوماسية بين طهران والرياض بعد موسم الحج. ظريف عزّز كلامه بالتأكيد على أن التأشيرات أصبحت جاهزة لبعثتي البلدين بانتظار الوقت المناسب. ومع امتلاك طهران الدليل، سارعت الدوحة بعد ساعاتٍ من نشر تصريحاتِ ظريف إلى الإعلان عن عودة سفيرها إلى طهران، بعد استدعائه في العام 2016، تماشياً مع الأهواء السعودية حينها، قي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. على طبقٍ من ذهب، وصلت تصريحات ظريف إلى الدوحة. قطر التي عبّرت عن نيتها تعزيز علاقاتها مع إيران في المجالات كافة، تريد مع إعلانها عودة سفيرها، الخروج من التزاماتها مع السعودية، التي تشكل عائقاً أمام تلك العلاقة، من دون تثبيت "التهمة" على نفسها، والتي أشعلت الأزمة بينهم بعد اتهامها من قبل الرياض وأبوظبي، بعلاقات أحادية الجانب مع إيران بعيداً عن مجلس التعاون الخليجي. الدوحة سبقت الرياض الى طهران، مستغلةً تلميحات ظريف حول إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، لعلمها أن ملفات المنطقة لا سيما السورية منها، لا يمكن الخروج من مأزقها، من دون التفاوض مع الحكومة الإيرانية، في وقتٍ ساعدتها "التهمة" ذاتها، وما رافقها من عداءٍ سعودي، للخروج من المأزق اليمني، بعد طردها من تحالف العدوان. سعودياً، وبالتزامن مع اندلاع الأزمة الخليجية، بدأت الرياض الإنفتاح على المكونات السياسية العراقية من رئيس الوزراء حيدر العبادي، وصولاً الى زعيم التيار الصدري السيّد مقتدى الصدر، ليخرج بعدها وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، ويعلن عن طلب الرياض لوساطة بغداد، في ما يخص علاقاتها المتأزمة مع إيران، إلا أن المسؤولين السعوديين لم يخبروا الأعرجي عن عدم رغبتهم بالإفصاح عن ذلك، ليأتي بعد تصريحات الداخلية العراقية، نفيٌ من الوكالة السعودية للأنباء (واس) عن طلب أي وساطة، زاعمةً أن النظرة لإيران لم تتغير. النفي السعودي عبر الوكالة، كان ضعيفاً من حيث الإقناع إذا ما تمّت مقارنته بتصريح الوزير العراقي العلني وبشكله الرسمي أمام الصحافيين بعد لقاءاته في جدة وطهران. إلى جانب ذلك، فإن وزير الخارجية الإيراني وفي تصريحاته الأخيرة، تجاوز التصريح العراقي والنفي السعودي، مؤكداً أنه يجب "أن لا نحبس أنفسنا في سجن التصريحات"، ومستعرضاً في الوقت عينه الشروط الإيرانية لأي قبولٍ بالوساطة، ما يشي إلى أن طهران على قناعة تامة بما أفشاه الوزير العراقي، وقد تلقفت الرسالة. ذهاب السعودية باتجاه العراق كوسيطٍ بينها وبين طهران دوناً عن دولٍ أخرى يمكنها لعب هذا الدور يرتبط بالأزمة الخليجية وبرؤية السعودية لعراق ما بعد "داعش". العلاقة مع إيران التي شكلت سبباً رئيسياً للأزمة المختلقة مع قطر، لا يمكنها أن تكون خياراً للديبلوماسية السعودية عن طريق الكويت، خصوصاً وأن الأخيرة تطرح وساطتها بين الرياض وأبوظبي من جهة وقطر من جهة أخرى. وبذلك تصبح السعودية في تناقض ديبلوماسي من شأنه حل الأزمة مع قطر بسبب إيران، وحل الأزمة مع إيران في الوقت نفسه. خيار العراق كان الانسب بالنسبة للرياض، لما يحققه من مكاسب سياسية داخلية لها، في حين الوساطات الأخرى، الكويتية وغيرها، لم تؤت أكلها ليس بسبب تعنت الرياض فحسب، انما للظروف التي صاحبتها في المنطقة ككل. وفي ضوء الظروف الاقليمية المؤاتية، تبدو الوساطة العراقية الأهم بالنسبة للسعودية لسببين: بدء مرحلة عراق ما بعد داعش ومحاولة السعودية الدخول في السياسية الداخلية من الباب الاقتصادي، والذي تمثل بمشد السبهان عند مدخل عرعر قبل أيام، حيث لخص المشهد، الرؤية السعودية الجديدة، العودة بالوجه نفسه من الباب الاقتصادي. الرياض لا تريد فسح هامش سياسي كبير للكويت وغيرها من الوسطاء في الأزمة الخليجية، بالطلب منهم التوسط بينها وبين طهران، ونسف الذريعة الأساسية لقطعها العلاقات مع قطر، بل أرادات إرسال رسالة إلى طهران عبر بغداد، لا تكلفها ضرائب سياسية، في نزاعاتها الخليجية. في الجهة المقابلة، فإن طهران أكثر الرابحين من النزاع الخليجي - الخليجي على معاداتها والتقارب معها، بغض النظر عن نوايا هذا التقارب. ظريف كان وصف، في أيار/ مايو الماضي، الهجوم على السفارة السعودية والذي على خلفيته تم قطع العلاقات الدبلوماسية، بـ"الحماقة التاريخية" لتزامنه مع الاتفاق حول البرنامج النووي، معتبراً أنه تم التعامل مع الحادثة بشكل سيء، وهو ما رآه البعض تراجعاً ايرانياً عن ثوابت الموقف من إعدام الشيخ نمر النمر، لصالح عودة العلاقات مع الرياض، مقتطعين من تصريح ظريف جانباً مهماً، باعتباره أن حادثة السفارة تزامنت مع قيام البحرية الإيرانية بأسر عشرة جنود من المارينز الأميركي في المياه الإقليمية الإيرانية، واصفاً التعامل مع تلك الحادثة بـ"الجيد"، كما أن طهران كانت فتحت تحقيقاً واعتقلت منفذي الهجوم على السفارة فور حصول الحادثة، مطلع كانون الثاني من العام الماضي، ما يوضح أن طهران تعاملت أمام المجتمع الدولي حينها، بمنطق احترام السيادة بين الدول، في وجه "الثأر القبلي" و"الإرهاب الديني" الذي تعاملت به السعودية مع أحد مواطنيها، الشيخ النمر، فكان موقف ظريف الأخير حول الحادثة وما سبقه من اعتقالات للمنفذين، سحباً لأي ذرائع سعودية قد توضع على طاولة البحث. انطلاقاً من مواقف ظريف في عهدي الرئيس الروحاني، وما فيهما من ثباتٍ لمحور المقاومة، الذي تعتبر الجمهورية الإسلامية من دعائمه، فإن الأخيرة حافظت على موقفها في علاقاتها الإقليمية، لا سيّما الخليجية منها، من دون التراجع عن جوهر السياسة الإيرانية في المنطقة بدعم المقاومة، مقابل تراجعٍ قطري - سعودي بالملفات الخلافية مع إيران، بدأت الدوحة إشهاره من كشف وزير دفاعها خالد بن محمد العطية، في تموز الماضي، أن الدخول إلى اليمن تم فرضه على بلاده، وأن الدوحة كانت منذ البداية ضد "التحالف العربي" في اليمن ولها رؤيتها الخاصة، إلى جانب دعمها الأخير للجهود الروسية في حل الأزمة السورية، وتتويجاً لذلك كله إعلانها عودة سفيرها الى طهران. أما الرياض، التي بدأت تخسر دورها الإقليمي لصالح دور أنقرة النشط مؤخراً، فإنها سلّمت الملف السوري إلى حليفتها القاهرة، التي يمكنها التعامل ببرغماتية أكثر مع هذا الملف نظراً لمواقفها السابقة منه، معتمدةً عليها كسلمٍ للنزول عن شجرةٍ لم تثمر إلا مشاريع سياسية وعسكرية فاشلة، كما هو حال مأزقها في اليمن، الذي أوكلته للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، ليخرجها من وحلِ خيباتها السياسية والعسكرية هناك، بتمهيده لمفاوضات جدية من الطرف السعودي، بعد زيارته طهران وعرضه معها مسألة فتح مطار صنعاء. أي تقاربٍ أو عودةٍ للعلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، لا يعني مصالحة بمفهومها الشامل، وصفاء نوايا من قبل الرياض، وهذا ما تعرفه وتدركه طهران جيداً، التي خبرت التآمر السعودي عليها، منذ انتصار الثورة والحرب العراقية المفروضة، وصولاً إلى ملفات المنطقة الحالية. التقارب الدبلوماسي إن حصل، يعني فشل مشروعٍ واندثار أي أهمية تغيرية لأدواته، ما يفرض وضع خططٍ لمشروعٍ عدائي آخر ضد إيران، لا مانع أن يبدأ، من عودة العلاقات معها.