غداً سوف يولَد مَن يلبس الدرع كاملة
إذا صدّقت كعربي مايقوله الكتاب فأنا أمام عدو أسطوري يُسيطر على العالم لا قِبَل لنا بمُحاربته، فمُهادنته والخضوع له أسلَم وأكثر منطقية، لذلك لا تجد الصهاينة يكذبون أو ينفون البروتوكولات حتى يُحدِث الكتاب أثره ونستسلم لهذا الكائن الخُرافي كما يقول أستاذنا الخبير في الصهيونية عبدالوهاب المسيري.
فهم لا يعرفون مثلاً أن السبب الرئيس لاستعمار فلسطين هو منع مصر من تكرار تجربة محمّد علي (1805-1840) الذي أنشأ صناعة عظيمة وجيشاً قوياً يُدافع عن أمن مصر القومي الذي يمتد من الخليج إلى المحيط والذي هدّد قائد جيشه إبراهيم باشا إبن محمّد علي (قائد ساري عسكر عربستان كما كان يُسمي نفسه ) وهذا الدور المصري هو الذي كان يتصدّى للاستعمار الغربي الذي تآمر على الشرق العربي بعد اضمحلال الأمبراطورية العثمانية (رجل أوروبا المريض ) وتكالبت جيوش أوروبا في نافارين باليونان وحطّمت جيش محمّد علي وفرضت عليه معاهدة لندن التي تحصر دور محمّد علي في حدود مصر الأقليمية فقط.
وقرّر قادة أوروبا في ذلك الوقت عقد مؤتمر في لندن 1844 لبحث المسألة الشرقية وقرّر أسياد العالم (انكلترا وفرنسا وبروسيا والامبراطورية النمسوية المجرية) أن يُشجّعوا الهجرة اليهودية إلى فلسطين (بناء على توصية من المليونير روتشيلد لجلادستون ) تمهيداً لزرع جسم غريب في شرق مصر من اليهود الذين ينتمون إلى الغرب يستعدّون لدور العميل المُخلِص للغرب يقوم بضرب مصر كلما قامت لها قائمة ولمنعها من تكرار تجربة محمّد علي الاستقلالية والثورية.
وكذلك للتخلّص من اليهود في أوروبا الذين يعانون من الاضطهاد والعنصرية تحت زعم أنهم هم من صلبوا المسيح وأنهم يختطفون أطفال المسيحيين ويقتلونهم لعمل فطيرة الأعياد بدمائهم.
وفي 2 نوفمبر 1917 صدر وعد بلفور (جيمس بالفور وزير خارجية بريطانيا ) وكانت فلسطين في ذلك الوقت تحت الاحتلال البريطاني الذي شجّع الهجرة اليهودية تمهيداً لإقامة دولة صهيونية (لقد أعطى مَن لايملك مَن لايستحق) حسبما وصفه جمال عبد الناصر.
وجدير بالذكر أن أول من نبّه أوروبا لأهمية موقع مصر ولأهمية زرع جسم غريب في فلسطين هو نبيّ السياسة والحرب لديهم في الغرب (نابليون بونابرت)والذي غزا مصر في 1798 لقطع طريق مواصلات انكلترا للهند (درّة التاج البريطاني ).
وعندما حاول غزو عكا واستعصت عليه أطلق نداءه الشهير للإسرائيلين بالعودة إلى فلسطين بعد آلاف السنين من الشتات. إذن احتلال الكيان الصهيوني لمصر هو قضية مصرية في الأساس والجدير بالذكر أن مستشاري الملك فاروق نبهوه إلى خطر إنشاء الكيان الصهيوني وإنه يستهدف مصر لعزلها عن المشرق العربي ولضرب مصر ومنعها من إقامة أية تنمية فدخل الملك فاروق حرب 1948.
ومن المعلومات المُدهشة في هذه الحرب أن الشائع أن العصابات الصهيونية كانت أقل عددآ من الجيوش العربية وهذا غير صحيح على الأطلاق، إذ كان اليهود قد كوّنوا الفيلق اليهودي للقِتال في الحرب العالمية الثانية بجانب الحلفاء وأكتسب القادة والجنود خبرات كبيرة، بينما كانت الجيوش العربية تخضع للاحتلال البريطاني أو الفرنسي وكان عدد الجيوش العربية مجتمعة في حرب فلسطين 1948 لايتجاوز ال 47000 مقاتل بينما كان عدد الجيش الصهيوني 96000 جندي.
وهكذا استولى الصهاينة على 78% من فلسطين التاريخية وظلّت غزّة تحت الإدارة المصرية والضفة الغربية والقدس الشرقية تحت الإدارة الأردنية.
ويجب أن نُفرّق بين اليهودية كدين والصهيونية التي هي حركة عنصرية مثلها مثل (النازية والفاشية ونظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا). وأن نُفرّق أيضآ بين التوراة كتاب اليهودية المُقدّس وبين التلمود الذي هو شرح الحاخامات لليهودية (وهو كتاب مليء بالعنصرية الفجّة) .
ويجب أن نعلم أن الآباء المؤسّسين لدولة إسرائيل العُنصرية هم من الملاحِدة من صاحب الفكرة تيودور هرتسل إلى ديفيد بن غوريون إلى جابوتنسكي. فالمسألة سياسية ولا علاقة لها بالدين على الإطلاق إذ كان الدين والأسطورة غطاء للمشروع الاستعماري.
ويصف بن غوريون وظيفة الدولة الصهيونية قائلاً: (نحن حاملة طائرات أمريكية في المنطقة ) ،ويقول نحن عاهرة موانئ نبيع أجسادنا لمن يدفع أكثر.
وقد تحقّق هذا السبب الوظيفي لإنشاء الدولة الصهيونية عندما أمّمت مصر قناة السويس فتآمرت إسرائيل مع فرنسا وبريطانيا (مؤامرة سيفر ) لضرب مصر في 29 أكتوبر 1956تمهيداً للاحتلال البريطاني الفرنسي لمصر وإسقاط عبدالناصر وما يُمثّله من نزعة استقلالية، ولكن فشلت المؤامرة واستعادت مصر القناة.
وأطلقت إسرائيل حملة من الأكاذيب منها أن العرب يريدون إلقاءها في البحر وبالبحث لم يُصرّح أيّ زعيم عربي في ذلك الوقت بمثل هذا التصريح.
وكذلك أكذوبة (قضية الفُرَص الضائعة) وأن العرب لم يقبلوا التقسيم إذ يشهد التاريخ أن إسرائيل كانت مدعوة في مؤتمر الدول الآسيو أفريقية في عام 1954إلا أن مصر رفضت ذلك ورفضت بورما والهند اعتراض مصر، وأبدت مصر حينها أن اسرائيل إذا وافقت على قرار التقسيم رقم 181 الصادر من الأمم المتحدة 1947، فإن مصر توافق على اشتراكها في المؤتمر ورفضت إسرائل بالطبع.
ومن المعلومات المغلوطة للأسف الشديد أيضاً إن الفلسطينيين باعوا الأراضي لليهود وهذا كذب صريح، إذ أن الاحتلال البريطاني المُتحكّم في الأراضي ومَن عليها هو مَن سلّمها لليهود تنفيذاً للمُخطّط الاستعماري ضدّ مصر، وبعد حرب 1948 كانت حروب الإبادة تشهد على المقاومة الشريفة والإرهاب الصهيوني البشع المُستمر حتى الآن (مذابح كفرقاسم وقبية وغيرها).
وأيضاً أن مصر قدّمت أكثر من مائة ألف 100000 شهيد في الصِراع العربي الصهيوني وهذا غير صحيح، إذ كانت مصر تدافع عن أمنها القومي لا عن فلسطين أو غيرها، والصحيح أن الضحايا والشهداء في كل حروب مصر الشريفة بما فيها حرب اليمن لا يتعدّى عددهم ال 39 ألف شهيد.
أما الكذبة التي عشناها وقرأناها فهي (بروتوكولات حُكماء صهيون) إذ يزعم الكتاب أن اليهود هم مَن أشعلوا الثورة الفرنسية والبلشفية والحرب العالمية الأولى والثانية، وإنهم يسيطرون على المال والسلاح وكل شيء في العالم وكل هذا غير صحيح.
فالثابت تاريخياً أن النسخة الأولى وجِدت مكتوبة بالروسية 1903، والسؤال (إذا قرّر الحاخامات أن يتآمروا فلا داعي لتذكير أنفسهم بإنجازاتهم ) والمتآمر يستطيع أن يتآمر ولكن بلغة لايعرفها غيره (اللغة اليديشية لغة الحاخامات ).
وإذا صدّقت كعربي مايقوله الكتاب فأنا أمام عدو أسطوري يُسيطر على العالم لا قِبَل لنا بمُحاربته، فمُهادنته والخضوع له أسلَم وأكثر منطقية، لذلك لا تجد الصهاينة يكذبون أو ينفون البروتوكولات حتى يُحدِث الكتاب أثره ونستسلم لهذا الكائن الخُرافي كما يقول أستاذنا الخبير في الصهيونية (عبدالوهاب المسيري).
والثابت أن العدو الذي لايُقهر قَهَرَه المُقاتل المصري العظيم في أكتوبر 1973وقَهَرَه المُقاتل الفلسطيني في معركة بيروت 1982 وقَهَرَه المُقاتل اللبناني في حرب يوليو 2006 وكذلك المُقاتل الفلسطيني في غزّة 2008.
وغداً سوف يولَد مَن يلبس الدرع كاملة.
يوقِد الحرب شاملة.
يطلب الثأر.
يستولد الحق من أضلع المُستحيل.