الجزائر..مرحلة الإصلاح الشامل

نحن اليوم على عتبة مرحلة الإصلاح الشامل والدخول بجدية فيه، إن بالمؤسسات أو بالقانون، التعدّدية ذات البعد السياسي والاقتصادي، لكن كالسابق، بعيداً عن تأثيرات الفعل الخارجي أو الارتماء في قواعد اللعبة الاستقوائية التي توجّه الكثير من السياسات كعامل فوضى في الصراع الداخلي لصالح القوى الخارجية... إن وعي الواقع هو شرط المقاومة لفكر الخارج المتجاوز لمنظورنا التاريخي والاجتماعي وحتى الإنساني..ثم إن تخصيص المواقف لتغيير ما هو خارج أدوات التاريخ لأية دولة هو تخصيص لا يؤدّي إلا إلى الارتهان الفاشل ، حتى وإن بدا أول الأمر أنه بنّاء وفاعل، هذا المفهوم هو الذي يجري مفعوله اليوم في أغلب دول " الربيع المشؤوم".

الجزائر وعبر كل السياقات التاريخية التي عرفتها ظلّت تنشد الحرية
إذن، نحن لسنا أمام أية ظاهرة طارئة بل نحن في عمق المسيرة. مسيرة الإصلاح وبأدواتنا الخاصة. وهي بالتأكيد أدوات ليست خارجة  عن حركة التاريخ ولا حتى عن الجغرافيا... نعم هناك متربّصون من خارج الديار، ولأسباب عدّة أهمها تاريخية وتوابعها من أشخاص يعتقدون العصمة مسبقاً. ويأخذون ببريق ما لديهم من أموال، رغم الحيّز الجغرافي المحاصرين فيه. وهم في الأصل جزء من لعبة الأطراف المتصارعة، الخارجون من دخان الحروب الخاسرة، بحثاً عن ضفاف جديدة يستقرّون فيها بأفكارهم.
وهم في النهاية لن يفتحوا لا خارطة جديدة، ولا حتى نوافذ للنور لمنطقة يلفّها الظلام. نحن في الأصل لا نُحسن العبث بمصالح الدول حتى وإن كانت لدينا القدرة على ذلك لأن مفهوم السيادة لدينا مُقدّس لسبب تاريخي ،لأننا نحن من صنع المقاومة ولسنين طويلة ، والذين  لديهم إحساس بأنهم فوق قوة التاريخ فإنهم في النهاية ليسوا أبرياء من رماد العذاب الذي لحق بأمم هي من جلدهم. ربما لا يعرف الكثير بأننا أشد إسلاماً منهم، لكن الإسلام الذي يصنع الأمن لا الذي يظهر بوجهين. وجه للمؤامرات وآخر للمُحاباة .


صحيح لدينا مشاكل ولكنها نتيجة التحوّل الذي تشهده البلاد، وقد عرفتها قبل جميع المجتمعات التي ناشدت التحوّل من نظام إلى آخر أكثر استجابة لمصالح الأمة ومتطابق مع حركة التطوّر ومنعرجات التاريخ. من هنا يمكن التأكيد على حقيقة ربما غير مدركة للكثير من أولئك الذين يدّعون أنهم يحرّكون الوطن العربي باتجاه التجديد، هي أن الجزائر وعبر كل السياقات التاريخية التي عرفتها ظلّت تنشد الحرية، وترفض الارتماء في الأفكار الطارئة المطبوخة بعيداً عن جذورها وجذور أولئك الذين احترقوا من أجل أن تبقى الجزائر واقفة  على أضلع التاريخ ، حاملة لواء الإيمان بالمبدأ والهدف الذي وجدت من أجله، أجل ثمة أوقات عصيبة مرّت بها الجزائر، وكان لليد الخارجية طوفان بارز فيها، والمؤلم ان لا أحد أراد أن يسمع وقتها نداءها، حتى أولئك الذين كنا نعدّهم من الأخيار ومن الذين ساهمنا معهم بدمائنا في استقرار أوطانهم، لكن تلك أيام طواها التاريخ، بعد أن تعزّزت الوحدة الوطنية، وأعيدت إلى الواجهة سياستها كقوة ذات بُعد إقليمي ودولي. وليس هناك قوة لها قوة التأثير عليها اليوم حتى وإن حاولت أطراف أن تتاجر بدماء شهدائها. كما فعل مؤخرا " أردوغان" وكما فعلت فرنسا منذ خروجها من الجزائر وإلى الآن بسياسة الاعتماد المتعمّد في استمرار العمل مع الجزائر من داخل الجرح الذي أصابها من الجزائر خلال ثورتنا المجيدة.

الواجهة الجديدة

لجزائر دخلت مرحلة الديمقراطية بتدرّج ورفضت إن تكون الديمقراطية لديها كحصان طروادة
إذن، هل نحن فعلاً أمام واجهة جديدة تتفاعل فيها الآراء إيجاباً، وتعود بالفعل إلى رؤية الواقع رؤية ذات منحنى سياسي يسلك من خلاله المسلك السياسي المتفاعل مع الواقع ولو ببطء مع الحدث الجديد...؟. أعتقد، ومن قراءاتي للواقع وما يدور فيه من أفكار، واقع يعتمد المصداقية ويأخذ الشفافية. وأفكار منطلقاتها مواكبة لأمواج التاريخ، ومرافقة للمستقبل بقوة الحاضر. وهذا كله يعطينا الإحساس بالدفء تجاه ما هو آت ويزيل الكثير من السحب التي تبدو للبعض ممن مازلت لديهم قناعات مرتكزة على ما قبل أحداث أكتوبر(بداية التعدّدية) وما جاء من بعدها من فيضان من التغييرات. وكلها رصّت ضمن قوة الداخل وفتحت المجال أمام البديل كي يطرق الواقع بصلابة الموقف والمبدأ. ولم تسلم من هذا الجديد المتآلف حتى الفلاحة. حيث مسّها الإصلاح، وأضحت المحور الذي تُجرى عليه اليوم أغلب السياسات الجديدة باعتبارها الحامي الأساس للأمّة من التبعية، وبالتالي عدم الارتهان في القرار السياسي للخارج.

أن تصويب الماضي وجعله في خدمة المستقبل هو من مهمّات رجل التاريخ لأنه ليس من السهل الانتقال من خطوة راسخة على جدار الواقع إلى خطوة أخرى ترسم المستقبل من دون إن يكون هناك مَن يرسم خارطة الانتقال هذه بحكمة... ولذلك فالجزائر دخلت مرحلة الديمقراطية بتدرّج ورفضت إن تكون الديمقراطية لديها  كحصان طروادة، بل كسياج يحمي المنجزات ويؤسّس للمستقبل،  هذا المنطق لم يستسغه أصحاب العقول المستعجلة وأصحاب القرار المتربّصين بالجزائر من خارج البلد، لأنه في النهاية يؤمّن لإصلاحات أخرى تكمل المشوار، وتضع قاطرة التغيير على الخارطة بأمان... ثم أن الشعب الذي يرفض الانخراط في الوهم لصالح دوائر خبيثة ( عربية أو غير عربية) ، هو شعب يقدّر ثورة الاختيار بهدوء بعيداً عن زفير الغرباء أو الذين دخلوا سلّة السيئات إن بالاستعمار أو بجنون العظمة لأسباب نفسية كما تفعل اليوم قطر والسعودية والإمارات ومّن سار على دربها.

 

أكيد نحن أمام تطوّر آخر يحتاج إلى إصلاح، وما أعلن عنه من إصلاح اليوم هو بمثابة الخروج من مرحلة أولى إلى مرحلة ثانية تستوعب الحاضر وتستوعب المستقبل أيضاً.