الطائرة الروسية أسقطت.. والحرب سباق
الإعلان عن إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء بقنبلة زرعت فيها يترك ارتدادته على مجمل عملية مكافحة الإرهاب. اختلاط الحدث بأحداث إرهابية أخرى في فرنسا وبيروت، يترك التحالفين الدوليين لمحاربة "داعش" أمام معطيات جديدة، لكنها ليست كافية لتوحيد الجهود وتخطي المنافسة.
هل تتأثر العلاقات الروسية-المصرية؟
أولى الخسائر أتت بعد ساعات قليلة من الحادث، كانت تعليق رحلات مجموعة من كبريات شركات الطيران إلى مصر. "لوفتهانزا"، "أليطاليا" وغيرها، بالإضافة إلى الشركات الروسية. وقبل تأكيد فرضية العمل الإرهابي، منعت هيئة الطيران الروسية شركة "مصر للطيران" من الملاحة إلى روسيا. الأضرار حتى اللحظة محصورة بالتفاصيل الإجرائية، ولم تمس العلاقات السياسية الصاعدة، والتنسيق الأمني الذي تكثف خلال التحقيقات. ومن خلال المعطيات المتوفرة، لا يبدو أنها ستتخطى ذلك، فموسكو لم تظهر إشارة سلبية واحدة يمكن تفسيرها بما هو أبعد من إجراءات أمنية احترازية. ثم إن تفجيرات باريس الدموية أعطت تأكيداً على أن الجهود الأمنية مهما كانت عالية الكفاءة، يمكن لها أن تخفق.
انعكاسات الحدث على مكافحة الإرهاب
تركيا أعلنت أنها أحبطت عملية مماثلة لعملية باريس في اليوم نفسه. ولكنها أيضاً اعترفت أن أحد انتحاريي تفجيرات باريس مر من أراضيها. مسألة تنقل عناصر "داعش" عبر الأراضي التركية من وإلى سوريا مؤكدة على الأقل بالنسبة لروسيا وحلفائها. إشارة الرئيس الروسي إلى وجود دول من مجموعة العشرين تساهم في تمويل داعش لافتة جداً. ليس هناك أي دولة من المجموعة على تماس جغرافي مع سوريا سوى تركيا. هناك دولة أخرى على حدود العراق وهي المملكة العربية السعودية. الدولتان للصدفة، متفقتان على موقف موحد بشأن سوريا ورئيسها. و"داعش" تختار أهدافها من بين خصومهما، ولكن ألم تعلن تركيا وواشنطن اليوم تنسيقهما لمراقبة وضبط الحدود التركية-السورية؟
ويمكن القول إنه بمجموع الأحداث التي شهدتها الأشهر الأخيرة، منذ تفجير أنقرة، وحتى تفجيرات باريس، يتبين أن ورقة داعش قد سقطت، إشارة أمين عام حزب الله إلى عدم وجود أفق عسكري أو سياسي لداعش واضحة. على الأغلب لم يكن هذا الأفق موجوداً منذ انطلاقة التنظيم، ولكنه كان مستفيداً من التباعد الحاد بين مواقف الأطراف المعنية بالشأن السوري، وانعكاسات هذا التباعد على الأرض، وعدم قناعة بعضهم بجدية الخطر الإرهابي على الأمن الإقليمي والدولي. ولكن المسألة اليوم، أن التحالفين يبحثان عن نصيبهما من مانشيت اليوم التالي لهزيمة داعش. الأمر شبيه بالقضاء على النازية والتنازع على شرف هزيمتها.
إن تأكيد الرئيس الأميركي إرسال قوات خاصة إلى سوريا، واستبعاده إرسال مشاة، يشيران إلى سعي أميركي لأخذ زمام المبادرة إعلامياً، من دون دفع أكلاف الحرب. وذلك من خلال التنسيق مع تركيا، واستغلال دموع هولاند المفجوع. وبالتوازي مع ذلك، حاولت فرنسا الرد على التفجيرات بقصف مواقع داعش في محافظة الرقة السورية في اليوم التالي. لكن وكالات الأنباء الفرنسية أشارت إلى الهجمات الفرنسية لم تقتل داعشياً واحداً.
في المقابل، تدرك روسيا أن أمام منافسيها معضلة صعبة، فإن تركت الأمور على سجيتها، سينتصر الجيش السوري المدعوم جواً من الروس. وإن حصل تنسيقاً نزيهاً لضربات التحالفين، سيبقى الرئيس السوري كأقوى الموجودين على الأرض. من جهة أخرى لا مجال واقيعاً لإيجاد قوة أخرى على الأرض. الجميع لا يريد إرسال جنوده إلى المستنقع. والمعارضات غربية الهوى لا تصمد في الميدان.
كل هذا يصب في مصلحة روسيا وخياراتها. إسقاط الطائرة يشكل سبباً إضافياً لمزيد من الشراسة الروسية ضد الإرهاب. صواريخ "كاليبر" اليوم، وقصف مناطق القلمون بالأمس، وما سيأتي غداً، بدأت كلها تغري العراق. "التجربة الروسية في سوريا مشجعة للعراق". هذه كلمات أطلقها عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي في مقابلة مع الميادين أمس.
الأفق يشير إلى خيارين أمام التحالفين، إما الاندماج في حرب واحدة نزيهة. وإما إطالة عمر داعش، وتلقي ضرباته، وترك الفوضى تنتج قوانينها، وموازينها.