الطائرة الروسية أسقطت.. والحرب سباق

الإعلان عن إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء بقنبلة زرعت فيها يترك ارتدادته على مجمل عملية مكافحة الإرهاب. اختلاط الحدث بأحداث إرهابية أخرى في فرنسا وبيروت، يترك التحالفين الدوليين لمحاربة "داعش" أمام معطيات جديدة، لكنها ليست كافية لتوحيد الجهود وتخطي المنافسة.

القاذفة توبوليف-95 بدأت العمل في سوريا
عمليات قصف عنيف بصواريخ مجنحة من البحر لمعقل "داعش" في الرقة، ومكافأة بقيمة 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات توصل إلى منفذي العمل الإرهابي بالطائرة الروسية فوق سيناء. هذا ما أعقب مباشرة إعلان روسيا عن أن طائرة "كوغاليم أفيا" أسقطت بعبوة كانت على متنها. مدير وكالة الأمن الاتحادي ألكسندر بورتنيكوف أبلغ الرئيس بنتائج التحقيقات التي أجريت على أجزاء من الطائرة. النتيجة أفضت إلى التأكيد: "إنه عمل إرهابي".

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد أن بلاده "ستجد وستعاقب" من أسقط 224 روحاً من قيد الحياة. وتابع إن "الضربات للإرهابيين في سوريا ستزداد كثافةً". قبل يوم من هذا الإعلان لم تكن نبرة بوتين لقادة "مجموعة العشرين" أقل حدة. مباشرةً وفي أعينهم قالها: أربعون دولة ضالعة في تمويل "داعش"، بينها دول من مجموعة العشرين.

"قواتنا في سوريا لن تتابع فحسب، بل ستكثف وتقوي ضرباتها للإرهابيين"، هذه كانت العبارة التي انتخبها بوتين كعصا وعيد لداعش ومن يدعمها. 

هل تتأثر العلاقات الروسية-المصرية؟

ما من شك بأن إسقاط الطائرة التي انطلقت من مطار شرم الشيخ، أصاب بتأثيراته الأولى على الأجواء الإيجابية التي كانت تحيط بتطور العلاقات المصرية الروسية. وبالأخص في مجالات التعاون الأمني. العلاقات بين الجيشين كانت تتطور بسرعة. اتفاقيات توريد الأسلحة الروسية إلى مصر كانت عنواناً لمرحلة مشرقة آتية في علاقات الدولتين. مشاركة مصر في "جيش 2015" كان محطةً مقلقة لمنافسي روسيا في سوق الأسلحة. وقد يكون أحد أبعاد اختيار "داعش" للهدف يستهدف هذه العلاقة تحديداً. ولكن ما هي درجة الخسائر التي تكبدتها هذه العلاقة من جراء الإخفاق الأمني لمصر في حماية الملاحة الجوية في نطاق سيادتها؟

أولى الخسائر أتت بعد ساعات قليلة من الحادث، كانت تعليق رحلات مجموعة من كبريات شركات الطيران إلى مصر. "لوفتهانزا"، "أليطاليا" وغيرها، بالإضافة إلى الشركات الروسية. وقبل تأكيد فرضية العمل الإرهابي، منعت هيئة الطيران الروسية شركة "مصر للطيران" من الملاحة إلى روسيا. الأضرار حتى اللحظة محصورة بالتفاصيل الإجرائية، ولم تمس العلاقات السياسية الصاعدة، والتنسيق الأمني الذي تكثف خلال التحقيقات. ومن خلال المعطيات المتوفرة، لا يبدو أنها ستتخطى ذلك، فموسكو لم تظهر إشارة سلبية واحدة يمكن تفسيرها بما هو أبعد من إجراءات أمنية احترازية. ثم إن تفجيرات باريس الدموية أعطت تأكيداً على أن الجهود الأمنية مهما كانت عالية الكفاءة، يمكن لها أن تخفق.

بوتين والسيسي

انعكاسات الحدث على مكافحة الإرهاب

سباق على مكاسب مكافحة الإرهاب
لقد سرقت تفجيرات باريس الضوء من حادثة الطائرة الروسية. ولكن الجهة التي تبنت الحدثين واحدة، وهي الجهة نفسها التي فجرت في الضاحية قبل أيام. هي أيضاً من تعلن حرباً في مواجهة تحالفين دوليين، وجيوش عديدة على الأرض. فكيف يتمكن "داعش" من مواجهة كل هؤلاء معاً؟ أين مصدر حياة التنظيم مالياً؟ ومن أين تأتي الأسلحة؟ بالمختصر، من يتآمر مع "داعش"، من يتخاذل، ومن يحاربه بجدية؟

تركيا أعلنت أنها أحبطت عملية مماثلة لعملية باريس في اليوم نفسه. ولكنها أيضاً اعترفت أن أحد انتحاريي تفجيرات باريس مر من أراضيها. مسألة تنقل عناصر "داعش" عبر الأراضي التركية من وإلى سوريا مؤكدة على الأقل بالنسبة لروسيا وحلفائها. إشارة الرئيس الروسي إلى وجود دول من مجموعة العشرين تساهم في تمويل داعش لافتة جداً. ليس هناك أي دولة من المجموعة على تماس جغرافي مع سوريا سوى تركيا. هناك دولة أخرى على حدود العراق وهي المملكة العربية السعودية. الدولتان للصدفة، متفقتان على موقف موحد بشأن سوريا ورئيسها. و"داعش" تختار أهدافها من بين خصومهما، ولكن ألم تعلن تركيا وواشنطن اليوم تنسيقهما لمراقبة وضبط الحدود التركية-السورية؟

ويمكن القول إنه بمجموع الأحداث التي شهدتها الأشهر الأخيرة، منذ تفجير أنقرة، وحتى تفجيرات باريس، يتبين أن ورقة داعش قد سقطت، إشارة أمين عام حزب الله إلى عدم وجود أفق عسكري أو سياسي لداعش واضحة. على الأغلب لم يكن هذا الأفق موجوداً منذ انطلاقة التنظيم، ولكنه كان مستفيداً من التباعد الحاد بين مواقف الأطراف المعنية بالشأن السوري، وانعكاسات هذا التباعد على الأرض، وعدم قناعة بعضهم بجدية الخطر الإرهابي على الأمن الإقليمي والدولي. ولكن المسألة اليوم، أن التحالفين يبحثان عن نصيبهما من مانشيت اليوم التالي لهزيمة داعش. الأمر شبيه بالقضاء على النازية والتنازع على شرف هزيمتها.

إن تأكيد الرئيس الأميركي إرسال قوات خاصة إلى سوريا، واستبعاده إرسال مشاة، يشيران إلى سعي أميركي لأخذ زمام المبادرة إعلامياً، من دون دفع أكلاف الحرب. وذلك من خلال التنسيق مع تركيا، واستغلال دموع هولاند المفجوع. وبالتوازي مع ذلك، حاولت فرنسا الرد على التفجيرات بقصف مواقع داعش في محافظة الرقة السورية في اليوم التالي. لكن وكالات الأنباء الفرنسية أشارت إلى الهجمات الفرنسية لم تقتل داعشياً واحداً.

في المقابل، تدرك روسيا أن أمام منافسيها معضلة صعبة، فإن تركت الأمور على سجيتها، سينتصر الجيش السوري المدعوم جواً من الروس. وإن حصل تنسيقاً نزيهاً لضربات التحالفين، سيبقى الرئيس السوري كأقوى الموجودين على الأرض. من جهة أخرى لا مجال واقيعاً لإيجاد قوة أخرى على الأرض. الجميع لا يريد إرسال جنوده إلى المستنقع. والمعارضات غربية الهوى لا تصمد في الميدان.

كل هذا يصب في مصلحة روسيا وخياراتها. إسقاط الطائرة يشكل سبباً إضافياً لمزيد من الشراسة الروسية ضد الإرهاب. صواريخ "كاليبر" اليوم، وقصف مناطق القلمون بالأمس، وما سيأتي غداً، بدأت كلها تغري العراق. "التجربة الروسية في سوريا مشجعة للعراق". هذه كلمات أطلقها عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي في مقابلة مع الميادين أمس.

الأفق يشير إلى خيارين أمام التحالفين، إما الاندماج في حرب واحدة نزيهة. وإما إطالة عمر داعش، وتلقي ضرباته، وترك الفوضى تنتج قوانينها، وموازينها.