في السرّي والمعلن بين موسكو وطهران

بحبر الاتفاق النووي كتب عزم موسكو وطهران على تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والعسكر والاستخبارات والسياسة وغيرها. هذا التعاون ربما تبدّى أكثر بعد توقيع الاتفاق، لكنه ولد قبل ذلك بكثير.

بخطوات واثقة يتطور التعاون الروسي الإيراني (أ ف ب)
بخطوات واثقة يتطور التعاون الروسي الإيراني، مع المعلن منه وغير المعلن. ترتسم معالم تكامل جيوسياسي طامح نحو شراكة استراتيجية. عندما عُزلت إيران في ملفها النووي ساهمت موسكو من دون شك في ذلك. تحدث البعض حينها عن علاقة حذر والخصوم أرادوها علاقة شك وعدم ثقة. لكن موسكو لم ترحب بالاتفاق وحسب، بل رأت أنه استند إلى مبدأ "المرحلية والتبادلية" الذي اقترحه الكرملين واختصره فلاديمير بوتين بالعبارة التالية:" الاعتراف بحق إيران غير المشروط في تنفيذ برنامج نووي سلمي".

بحبر الاتفاق النووي كُتب عزمُ الطرفين على تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والعسكر والاستخبارات والسياسة وغيرها. هذا التعاون ربما تبدّى أكثر بعد توقيع الاتفاق، لكنه ولد قبل ذلك بكثير. معلومات للميادين تفيد بأن التعاون الروسي - الايراني بدأ منذ أكثر من عامين بين معاونين من الجانبين بعيداً من الأضواء وفي كتمان تام. تنقلت لقاءات الجانبين بين موسكو وطهران والعراق وكانت تحصل بإشراف روسي مباشر من بوتين وإيراني مباشر من المرشد علي خامنئي عبر الجنرال قاسم سليماني. أما ثمرة التواصل فكان لقاء الثلاث ساعات وأكثر بين بوتين وسليماني في الكرملين، والذي حسم فيه اتفاق الطرفين على المشاركة الروسية العسكرية في سوريا، المصاحب بالتعاون الايراني المباشر على الأرض. وفي تمهيد عسكري لمثل هذا التعاون كانت زيارة سيرغي شويغو إلى طهران مطلع هذا العام، والتي كانت الزيارة الأولى لوزير دفاع روسي إلى العاصمة طهران منذ 15 عاماً، وأسفرت عن التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين. حينها توقف المراقبون عند النقطة الأساسية في تلك الاتفاقية والقاضية بأن "روسيا وإيران ستتعاونان في مواجهة تدخل القوى الخارجية في المنطقة".

 ليالي فيينا شهدت كذلك على "ترجمة سورية" للتعاون الروسي الإيراني. أولاً في فرض مؤتمر دولي لا يقدم الحل للسوريين بل يمنحهم أرضية دولية ليقدموا الحل لأنفسهم، وما يرونه مناسباً لهم ولسوريا، وثانياً في فرض أولوية مكافحة الإرهاب وليس "تغيير النظام السوري"، كما يصّر حلف واشنطن حتى ما قبل اعتداءات باريس. أكثر من امتحان بلور التعاون الروسي - الايراني وأقلق واشنطن أكثر. صحف غربية كثيرة ترجمت هذا القلق. "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلت عن مصادر ديبلوماسية رفيعة أن "الولايات المتحدة تعيش قلقاً جدياً من انتهاج إيران وروسيا سياسة منسقة في سوريا، ولذا تحاول واشنطن شقّ التحالف بين موسكو وطهران". وفي هذا الإطار، أتت، برأي الصحيفة، مطالبة الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة "أبيك" الأخيرة في الفيليبين، روسيا وإيران بالقيام باختيار استراتيجي بين مساندة الرئيس السوري بشار الأسد والحفاظ على وحدة الدولة السورية، وهذا ما فسرته الصحيفة الروسية "نيزافيسيمايا غازيتا" بأن "واشنطن تحاول دق إسفين بين موسكو وطهران على طريقة "فرّق تسد". 

 في المحصلة لا يبدو التعاون الروسي - الايراني متأثراً البتة بأي "ذبذبات سلبية" من نوع القلق الأميركي أو سواه. وفي لقاء القمة بين خامنئي وبوتين تكررت أكثر من مرة كلمات من عيار "ثقة" و"مصداقية" وقالها صراحة خامنئي:" أميركا تريد أن تحقق ما فشلت فيه في سوريا عن طريق المفاوضات والحل السياسي"، داعياً إلى "ضرورة الوقوف في وجه ذلك". هذا يشكل أحد المداميك الرئيسة للتعاون الروسي الإيراني: الوقوف في وجه الأحادية الأميركية.