قمة المصحف بين خامنئي وبوتين.. وأردوغان يرد في جبل التركمان
التطوّر النوعي في العلاقات الروسية الإيرانية، وضع واشنطن أمام احتمال وحيد هو إزالة الشوائب العالقة في التحالف مع تركيا؛ فمن دون الجماعات المسلحة الإرهابية و"المعتدلة" ومنها المليشيا التركمانية، وكلها يديرها الأتراك، مدعومين من السعودية وقطر، لن يتمكن الأميركيون من مواجهة روسيا في الشرق الأوسط؛ لذا جاءت الإشارة للأتراك لضرب الروس تحت الحزام.
لم تكن لتتحرك أنقرة لولا موافقة الناتو
"هل تريد تركيا وضع حلف الناتو في خدمة داعش؟"
سأل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا استنكاراً ولا استفهاماً؛ فالكمين الجوي التركي
للسوخوي 24 هو، في الأخير، رسالة سياسية واضحة من الناتو إلى روسيا، مضمونها أن "الحلف
قرّر أن يواجه التمدد الروسي في سوريا والشرق الأوسط".
العمليات الحربية
السورية ـ الروسية الناجحة في شمال اللاذقية، والضربات الموجعة للمليشيات التركمانية،
وتّرت الأجواء في أنقرة التي رأت أن مخططاتها، سواء لإنشاء منطقة عازلة على الأراضي
السورية أو لاقتطاع جبل التركمان أو إقامة حكم ذاتي تركماني في سوريا، تنهار. لكن الرئيس
التركي، رجب أردوغان، ما كان ليغامر أبعد من استدعاء السفير الروسي وتقديم شكوى إلى
الأمم المتحدة، إلا مدعوماً بالكامل من قبل الحليف الأميركي الذي لم يعد قادراً على
ابتلاع التسونامي الروسي.
حاولت واشنطن التكيّف
مع العملية العسكرية الروسية في سوريا؛ فسعت إلى أن تكون هذه، كنظيرتها الأميركية،
حضور هدفه إدارة الأزمة الأمنية في الهلال الخصيب، لا حلّها. ولكن الروس أظهروا أنهم
جادّون للغاية في محاربة الإرهاب في سوريا، وتمددوا، أمنياً، صوب العراق بإنشاء الغرفة
الاستخباراتية الرباعية (الروسية ـ الإيرانية ـ السورية ـ العراقية).
في فيينا 1 بدا وكأن
التوافق الروسي الأميركي يقترب من تصميم ملامح تسوية: محاربة داعش والنصرة، وتمكين
"المسلحين المعتدلين" من المشاركة في العملية السياسية، وفق أجندة تتضمن
وقف إطلاق النار والمفاوضات وتشكيل حكومة وطنية وإقرار دستور جديد وانتخابات بإشراف
دولي؛ مسار مفتوح لا تعرقله سوى مسألة واحدة تتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد؛
أيظلّ رئيساً وهل يتاح له حق المنافسة في انتخابات رئاسية؟ سؤال جرى تأجيل تأجيل البحث
في الإجابة عليه، وفق نظرية التمرحل الروسية.
هنا، وجه الإرهابيون
ضربة موجعة لروسيا بإسقاط طائرتها المدنية في سيناء. وهي محاولة صريحة لممارسة الضغط
الأمني وإشعال معارضة داخلية في روسيا. لكن النتائج كانت خسارة صافية لواشنطن وحلفائها
الإقليميين؛ فقد ارتفعت شعبية الرئيس الروسي وتصاعدت وتيرة العمليات الحربية في سوريا،
وتوطدت العلاقات الروسية ـ المصرية أكثر، وتحوّل بوتين إلى نجم قمة العشرين، وبطل الشعوب
الأوروبية المرعوبة من الإرهاب، خصوصاً بعد غزوة داعش في باريس؛ حتى الرئيس الفرنسي
هولاند، الداعية السعودي ضد سوريا، بدا وكأنه على مقربة من التحالف مع موسكو.
هذا على السطح، لكن،
في العمق، ولّد مسار فيينا صراعاً حدّ كسر العظم؛ فالجدول الروسي للقضاء على الإرهاب
وإحلال الأمن في الأراضي السورية، يحرم الأميركيين وحلفاءهم الإقليميين، واقعياً، من
عناصر القوة للتفاوض على المرحلة اللاحقة؛ فمن دون الجماعات الإرهابية لا تتوفّر لدى
واشنطن وأنقرة والرياض والدوحة، أي أوراق على مائدة المفاوضات، ليس بشأن سوريا فقط،
إنما، أيضاً، بشأن العراق.
منذ سنتين، كانت
الخطة "ب"، بالنسبة للأميركيين، تقوم على مقايضة العراق بسوريا: تفاهم أميركي
ـ إيراني هنا، معزز بنجاح الاتفاق النووي، وتفاهم روسي ـ سعودي هناك، معزز بالمصالح
الاقتصادية المشتركة؛ غير أن الخطة "ب" سقطت في اللقاء التاريخي بين مرشد
الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، والرئيس الذي قدم من المطار حاملاً معه،
بالإضافة إلى منظومة الدفاع الجوي "أس 300" المعدلة، نسخة ثمينة جداً من
مصحف مخطوط بالغ القدم ( يعبّر عن ثراء تراث الإسلام في روسيا)؛ كأنما ليقسم الزعيمان
على تحالف استراتيجي لا يقوم فقط على المصالح، وإنما، بخلاف ما هو متبع في السياسة
الدولية، على الأخلاق أيضاً.
خامنئي وبوتين قالا
بصوت واحد: لا نخون حليفنا الأسد، وقررا تعميق التنسيق الأمني والعسكري على الأرض؛
لكن الأهم أن لقاء القرآن ذاك، أفهم الأميركيين أن جائزة الاتفاق النووي الذي استثمر
فيه الرئيس باراك أوباما، كل رصيده، ذهبت إلى الروس؛ فبينما كان خامنئي يحسم مع التيارات
الليبرالية الداخلية نهائياً بالإعلان أنه لا مفاوضات مع الولايات المتحدة بعد
"النووي"، كال المدائح لصدقيّة ضيفه ودور بلاده الكبير في مكافحة الإرهاب،
أما الضيف، ونظيره الإيراني الرئيس حسن روحاني، فأشرفا على توقيع اتفاقات اقتصادية
ثنائية بالجملة، معلنين أن أي خلافات بينهما تُحَلّ، فقط، بالمشاورات.
التطوّر النوعي في
العلاقات الروسية الإيرانية، وضع واشنطن أمام احتمال وحيد هو إزالة الشوائب العالقة
في التحالف مع تركيا؛ فمن دون الجماعات المسلحة
الإرهابية و"المعتدلة" ومنها المليشيا التركمانية، وكلها يديرها الأتراك،
مدعومين من السعودية وقطر، لن يتمكن الأميركيون من مواجهة روسيا في الشرق الأوسط؛ لذا
جاءت الإشارة للأتراك لضرب الروس تحت الحزام؛ ضربة وصفها بوتين بأنها جاءت من قبل
"المتعاونيين مع الإرهابيين"، مشيراً، بوضوح، إلى تركيا التي أعلن أنها تتاجر
بالنفط مع داعش، وتقدم له، مع دول أخرى، الدعم الذي يمكّن الدواعش من ارتكاب الفظائع. عواقب
الغدر ستكون "وخيمة"، قالها الزعيم الروسي الذي لا يعرف التسامح إزاء مَن
يتحدى روسيا ومصالحها.