خارطة طريق إبراهيم رئيسي داخلياً وخارجياً
يعتبر الرئيس الإيراني المنتخب أن التواصل الهادف مع جميع القوى الكبيرة والصغيرة شرط أساسي لدبلوماسية قادرة على تحقيق إنجازات ملموسة وواسعة
مع انتهاء مرحلة الانتخابات الرئاسية في إيران بسلاسة وهدوء، وانتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً ثامناً للجمهورية الإسلامية في إيران، والذي تحمل حكومته اسم "حكومة الشعب"، تتجه الأنظار نحو مرحلة ما بعد هذه الانتخابات، وتحديداً نحو برنامج عمل الرئيس المنتخب والوعود التي قدمها للشعب الإيراني خلال حملته الانتخابية، فما الذي جاء في برنامج عمل رئيسي على الصعيدين الداخلي والخارجي؟ وكيف قسّم برنامجه في السياسات الخارجية؟ وعلى أيّ أسس؟
يمكن تقسيم برنامجه الانتخابي إلى قسمين؛ الأول داخلي، ويتضمن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والآخر خارجيّ، يتعلق بسياسة إيران الخارجية، وفيه عدة أقسام.
البرنامج الداخلي
بالنسبة إلى البرنامج في بعده الداخلي، ركّز رئيسي على مسألتين أساسيتين جعلهما العمدة التي سيبني عليها للنهوض بباقي أجزاء برنامجه، وهما مكافحة الفساد، وفي ذلك استكمال لإنجازاته على رأس السلطة القضائية، والنهوض بالاقتصاد ككلّ، من خلال عدة خطوات شدد عليها، وهي كالتالي:
· تشكيل فريق اقتصادي متجانس.
· دعم الإنتاج الداخلي وجعله أولوية، والقيام ببرامج تجذب الرساميل والاستثمارات باتجاه هذا القطاع.
· تكريس مبدأ الشفافية والصدق في مجالي اتخاذ القرار والتنفيذ.
· تفعيل المساحة غير المستثمرة في الاقتصاد الإيراني، والتي تبلغ 70% من حجم هذا الاقتصاد، وتأمين أكثر من مليون فرصة عمل.
· تنفيذ برنامج لخفض نسبة التضخم إلى رقم أحادي.
· خفض كلفة الاستشفاء بنسبة 50%.
· العمل على معالجة قضية التهريب من جذورها، لأن الحلول الأمنية والقضائية لم تكن مجدية في حلّ هذه المشكلة، التي لا بد أن تصلح بمعالجة جذورها داخل الدولة، لأن حجم العملة الصعبة والاستثمارات في التهريب كبير. إن تصويب هذا الأمر يمكن أن يساهم في دفع عجلة الاقتصاد الإيراني.
· أموال الصادرات التي تبقى في الخارج قضيَّة أخرى وضعها رئيسي في برنامجه، باعتبار أن مبالغ كبيرة من الأموال التي تُدفع مقابل الصادرات الإيرانية لا تعود إلى الداخل. وفي ذلك استنزاف وخلل. ولفریق عمل رئيسي برنامج يتمثل بمأسسة ومكننة التواصل بين البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والموانئ والجمارك، للرقابة على حركة خروج السلع والتبادل المالي المتعلق بها.
من ناحية الأولوية أو الترتيب، اعتبر رئيسي أن مشكلة السّكن، وخصوصاً المشكلة المتعلقة بالشباب والأزواج الجدد، هي أكثر الأمور التي تشغل فكره، وسيعمل فور توليه سدّة الرئاسة على معالجتها، لأنها المانع الأول والأساسي أمام زواج الشباب، وذلك ببدء بناء 4 ملايين وحدة سكنية تنتهي خلال 4 سنوات.
في المرتبة الثانية في أولويات برنامج رئيسي، جاءت مسألة إنهاء الفساد والريعية في البلاد، بالإصلاح والقضاء على جميع آليات الفساد والريعية وأسسهما، وذلك من خلال تكريس مبدأ الشفافية ومكننة المؤسسات والسير نحو خلق ما وصفه بـ"حكومة إلكترونية"، من خلال بناء وتأمين الإمكانيات والبنى التحتية اللازمة لهذا الموضوع. وهنا، أكّد رئيسي امتعاضه من موضوع الواسطة في التسهيلات والقروض البنكية السائدة حالياً، والتي فتح لها ملفات عدة أثناء رئاسته السلطة القضائية.
السياسة الخارجية
أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فوضع رئيسي برنامج عمل مطولاً، تحدّه 3 محاور ترتكز على المبادئ الثلاثة التي رسمها المرشد الأعلى للثورة، وهي "العزّة والحكمة والمصلحة". وقد جاءت كالتالي:
1- الأمن من موقع القوة والاقتدار.
2- السلام من موقع القوة والقدرة.
3- التفاوض والدبلوماسية من موقع العزّة والمصلحة.
في هذا الإطار العام، يضع رئيسي 4 عناوين أساسية تتعلق بالسياسات الخارجية لإيران في برنامجه الرئاسي، مع تفصيل لكل منها، والتي جاءت كالتالي:
الاتفاق النووي
في ما يتعلق بالاتفاق النووي، يعتبر رئيسي أن الطريقة السابقة في التفاوض مع الغرب لم تكن مجدية، ولم تحقق المصالح الوطنية للبلاد، وخصوصاً في ما يتعلق باختبار صدقية الغرب في تنفيذ وعوده. لذا، إن استمرار هذا الاتفاق يعتمد بالدرجة الأولى على الالتزام والخطوات العملية.
ويعتبر أن الغرب لم يكتفِ بعدم اعترافه بحقوق الشعب الإيراني بالتكنولوجيا الحديثة، بل أراد شلّ يد إيران وتحميلها أعباء ومطالب إضافية وغير مشروعة. لذا، تعهّد بملاحقة كل من خالف روحية الاتفاقيات الدولية ونصوصها في ما يتعلق بالاتفاق النووي والعقوبات، واعتبر أنه غير ملزم بأيّ اتفاقيات إضافية زيدت على الاتفاق النووي خلال فترة الحكم الحالية، المكتوب منها أو غير المكتوب، وعليه:
1. سيعيد تنفيذ الاتفاق النووي إلى مساره الحقيقي.
2. لن يسمح بجعل الاتفاق النووي وسيلة للضغط وتحقيق مكاسب إضافية على حساب الشعب الإيراني.
3. سيجعل تنفيذ تعهدات إيران بالاتفاق النووي متساوياً مع نيل حقوق الشعب الإيراني.
4. سيحمل الأطراف التي تنقض أياً من بنود الاتفاق أعباء تعويضية.
5. لن يسمح لأعداء إيران بتطبيق سياسة الضغط والتفاوض في آنٍ معاً.
6. سيغيّر طريقة تنفيذ الاتفاق النووي، فلن تكون بالفرض والإجبار على حساب حقوق الشعب الإيراني.
7. سينهي سياسة تقديم التنازلات من طرف واحد، والتي تهدف إلى التمكين السياسي، وتتعارض مع روحية العزة في الثورة الإسلامية.
الإقليم
يعتبر رئيسي في برنامجه أن قوة إيران الإقليمية تمثّل مرآة للثورة الإسلامية الساعية للعدالة، والتي تقوم على الروابط القوية والقيم الروحية والثقافية والدينية المشتركة بين دول المنطقة. هذا التأثير المعنوي والسياسي يحافظ على الأمن القومي والعلاقات الطيبة في منطقتنا الإسلامية، وخصوصاً عند الشعوب التي تعرّضت للاضطهاد من إرهاب الكيان الصهيوني والتكفيري. وعليه، يعتبر رئيسي أن:
1- نفوذ إيران الإقليمي هو الضامن لأمن البلاد وأمن شعبها ورفاهه، وتضحيات أبناء هذه الأمة العابر للحدود هدفها استقرار البلاد وراحتها اليوم وفي المستقبل.
2- قوة الردع الإيرانية (بما في ذلك الصواريخ) غير قابلة للتفاوض.
3- السلام والاستقرار والتعايش الدائم في منطقتنا يتحقق بتماسك شعبنا وقوة قواتنا المسلحة.
4 - في السنوات التي سبقت الاتفاق النووي، كانت إنجازات الدفاع في حرب الثماني سنوات، التي تمثلت بالردع والحضور الفعّال في المنطقة، الرادع أمام التهديدات الخارجية، والسبب وراء جلب الولايات المتحدة والغرب إلى طاولة المفاوضات.
5- بالحضور الشعبي وقوة إيران ونفوذها في المنطقة أُزيح شبح الحرب عن الشعب الإيراني لسنوات عديدة، وأبعد العدو عن الأراضي الإيرانية. واليوم، هذا التوسع في التأثير الروحي والسياسي التعاوني في المنطقة هو الذي حافظ على السلام والاستقرار في مواجهة هجوم الغرب والصهيونية الذي لا هوادة فيه.
6 – حضور إيران ونفوذها الإقليمي هو العامل الأهم في سحق الإرهاب التكفيري وتحرير المدن الكبرى، مثل حلب والموصل، والتي لطالما حظيت بترحيب ودعم الجيران ودول المنطقة.
7- تؤدي القدرات الإقليمية الأساسية لإيران دورها الكمّي في التعاون والترتيبات الجماعية للأمن الإقليمي. في الوقت نفسه، تشكل حاجزاً منيعاً في مقابل الأعمال والتحالفات الاستراتيجية العدائية.
8 - ينهي رئيسي هذا الشق بترحيبه الحار بأي يد تمدّ من أجل التعاون الإقليمي والأمن الجماعي لإحلال السلام والاستقرار الإقليميين.
الدبلوماسية الاقتصادية
يعتبر رئيسي أنّ وجود دبلوماسية نشطة وديناميكية ضروري لحل المشكلات الاقتصادية في إيران. ويجب أن تكون الدبلوماسية الاقتصادية من خلال توسيع العلاقات المتوازنة مع جميع البلدان ذات القدرات التقنية والتجارية والاقتصادية والعلمية، لتصبح ذراع الاقتصاد المقاوم بمحوريته الإنتاجية، بهدف زيادة الصادرات الوطنية، وخصوصاً في القطاع الخاص.
ويعتبر أن إعطاء الأولوية لدول الجوار والأطراف، وخصوصاً في آسيا، هو من ضرورات تنشيط القطاع الاقتصادي للبلاد والحركة الشاملة للخروج من الركود والبطالة والتضخم. كما يعتبر أن تحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية والتجارية مع أوروبا وآسيا، وخصوصاً العلاقات مع الأقطاب الآسيوية، مثل كوريا واليابان والصين وروسيا والهند، أمر بالغ الأهميّة. وفي تفصيل هذه السياسة، يضع بضع نقاط جاءت كالتالي:
1- يعتبر رئيسي أن عدم وجود أجندة اقتصادية واضحة ومنسجمة للحكومة في السنوات الأخيرة لحل مشاكل الشعب، ترك السياسة الخارجية والعلاقات الاقتصادية الخارجية في فراغ، وخلق علاقات غير متوازنة وغير متكافئة للبلاد.
2- إنَّ الافتقار إلى خطة عمل اقتصادية ودبلوماسية اقتصادية فعّالة، ترك الساحة عملياً للحرب المالية والاقتصادية للولايات المتحدة وشركائها ضد الشعب الإيراني وحياتهم اليومية، إلى جانب تكثيف عمليات تسلل الأعداء.
3- في الوقت الحاضر، تم إهمال جزء كبير من المساحة الاقتصادية والتجارية مع دول عدّة، وتركت علاقات إيران الاقتصادية مع دول العالم بشكل غير متوازن.
4 - يعتبر رئيسي أن التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الجارة في المنطقة لا يشكل عاملاً لإرساء السلام والاستقرار الجماعي فقط، بل يؤدي أيضاً دوراً مهماً في القضاء على الركود والبطالة والتضخم وتحسين الوضع المعيشي للناس في الداخل.
5 - من خلال توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري الذي يحمل طابع المصالح المتبادلة مع القوى الاقتصادية الآسيوية، يعتبر رئيسي أن بالإمكان إخراج العلاقات الاقتصادية للبلاد من حالة العزلة والسرّية (اتفاقيات سرّية)، التي تكون عادة في مصلحة الدولة الأخرى.
6 - الدبلوماسية الاقتصادية النشطة ضرورية لاقتصاد مرن وموجه نحو الإنتاج والتصدير؛ دبلوماسية يمكنها أن تضع مصالح إيران بعين الاعتبار.
7- الاتفاقيات الاقتصادية الممكنة، وخصوصاً مع جيراننا ومع الدول الآسيوية وأميركا اللاتينية وأفريقيا، تمثل فرصة لوضعنا الحالي، وتشكل عائقاً أمام الحرب الاقتصادية والعقوبات الحالية والمستقبلية للولايات المتحدة وحلفائها ضد إيران.
8 - عدم تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، وإهمال العمل مع عدد كبير من اللاعبين، وإضاعة وقت البلاد بإنشغالات زائفة، كالاتفاق النووي، أدى إلى علاقات خارجية غير متوازنة، وإلى تفاقم العديد من مشاكل المعيشة والرفاهية التي يواجهها الشعب الإيراني.
العلاقات الخارجية المستهدفة
يعتبر الرئيس المنتخب أن التواصل الهادف مع جميع القوى الكبيرة والصغيرة شرط أساسي لدبلوماسية قادرة على تحقيق إنجازات ملموسة وواسعة، وكذلك تعزيز الحوار المستمر مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية للوقاية من الأخطار والتهديدات، وما يصاحبه من استفادة من الفرص وتهيئة الظروف المؤاتية التي يمكن من خلالها، مصحوبة بالتدابير والاستراتيجيات الوقائية، تحصين الأمن القومي والمصالح وحقوق المواطنين الإيرانيين ورفاههم.
كما يعتبر أنَّ التقدم هو حاجة اليوم والغد للسياسة الخارجية للبلاد، وأن التعاون الوثيق والمتبادل المنفعة مع جميع الجيران، ووضع الأساس له على المدى الطويل، بهدف الحفاظ على الإنجازات وتعميق السلام والاستقرار الإقليميين، هو الأولوية الأولى.
وهنا، يشير رئيسي إلى أن العلاقات الخارجية المستهدفة على جميع مستويات العمل مع الدول التي لم يستطع الاتفاق النووي والتفاعل البناء مع الغرب القيام بها، وأدت إلى نتائج عكسية، يمكن أن تكون فعّالة في تأمين مصالح إيران في التعامل مع رهاب إيران والإسلاموفوبيا.
ويعتبر أنه في العلاقات الخارجية المستهدفة، لا ينبغي ولا يمكن استبعاد أي دولة، صغيرة كانت أم كبيرة، من جدول حسابات إيران، فلكل منها حصة متناسبة من التعامل المفيد. وتحت هذه المقدمة، يضع رئيسي وفريق عمله بضعة عناوين واستراتيجيات، هي:
1 . السياسة الخارجية من دون تخطيط استراتيجي وفهم لطبيعة السياسات الدولية جعلت نظام إيران السياسي معادلة تتأثر بمواقف الآخرين وإجراءاتهم وسياساتهم، إذ أصبحت البلاد في موقف رد الفعل أو الصمت، حتى تحافظ فقط على مظهر مبادئها على حساب الشعب الإيراني.
2. لا يمكن اعتبار مجرد الاتصال والمحادثة والابتسامة دبلوماسية فعّالة من دون فهم ظروف التعايش الدولي المتغيرة والالتزام باستراتيجية وطنية هادفة، فالدبلوماسية الفعّالة والمنتجة تُعرف بإنجازاتها الملموسة.
3. مع الحفاظ على علاقة إيران مع أوروبا والغرب، يجب القيام في الوقت نفسه بتوسيع علاقات إيران مع الدول والقوى الأخرى بشكل متوازن وفعّال.
4 . أولوية إيران الاستراتيجية هي العمل والتواصل مع جيرانها والدول الصديقة. لذا، يجب القيام بإعادة إحياء قدرات الجوار وتنشيطها، في واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية في العالم، لأن هذا النهج سيعود بالنفع على المصالح الأمنية والاقتصادية والتجارية لإيران.
5. لن تتأثر علاقة إيران الخارجية بأجندة الآخرين ودعايتهم، بل سترتكز على أولوية مصالحها الاقتصادية والأمنية.
6 . يجب مواصلة تفعيل التواصل السياسي ونسج ودعم القدرات الاقتصادية والتجارية مع المجموعات والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والآسيوية، مع متابعة جديّة لمسألة نقل مراكز صنع القرار العالمية من الغرب إلى الشرق، بهدف تعزيز المصالح الوطنية.
7 . يجب إعادة تشكيل علاقات إيران الخارجية وتعريفها، بهدف القضاء على سياسة كراهية إيران والإسلاموفوبيا، وهما نتيجة مؤامرة مشتركة بين الصهيونية والغرب المتطرف.
وأخيراً، في رأي رئيسي، ولّت الأيام التي تتخذ فيها الدول موقفاً عدائياً استراتيجياً ضد إيران، أو تقوم بشكل مباشر وغير مباشر بتغذية أجواء الخوف منها ومن الإسلاموفوبيا، وفي الوقت نفسه تستفيد من التعامل الاقتصادي معها، ويعتبر أن إيران لن تكون ظهراً يركبه الآخرون بالمجان.