لماذا ترنّح الاتفاق النووي الإيراني من جديد بعد فوز رئيسي؟
يظلّ الاتفاق النووي الإيراني مترنحاً خلال هذه الفترة الفاصلة بين تسليم روحاني الحكم وتسلّم رئيسي منصب الرئاسة في إيران.
بعد فوز إبراهيم رئيسي بمنصب الرئاسة في إيران، توجّست الولايات المتحدة الأميركية خِيفة من مواقف الرجل المعروف بأنه محافظ، والذي تتَّهمه أميركا و"إسرائيل" بأنه من منتهكي حقوق الإنسان في إيران، رغم أنهما لا يملكان الدليل على ذلك.
ورغم أن رئيسي نفسه أعلن وعبّر عن موقفه من الاتفاق النووي والمفاوضات التي تجري الآن حوله في فيينا، وذكر أنه يدعم الحراك الإيراني بقوة في هذا المجال، فإنَّ أميركا استبقت الحدث، ورأت أنَّ الرئيس الجديد قد يحمل مواقف متشددة من كل القضايا التي تتعلَّق بالاتفاق النووي، وخصوصاً الحديث عن الصواريخ البالستية التي ترفض إيران الحديث عنها بأيّ شكلٍ من الأشكال.
لذلك، أصدرت تصريحات مُريبة هذه الأيام، تبيّن فيها أن أميركا لن ترفع جميع العقوبات التي تريد إيران رفعها قبل الحديث عن أيّ اتفاق نووي، وأنها مستعدة للانسحاب من المفاوضات الجارية في فيينا إذا رأت تصلّباً من إيران في موقفها المتعلق من رفع العقوبات الأميركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وفي ظلِّ هذه التجاذبات الأميركية الإيرانية حول نقاط الاختلاف والاتفاق المتعلقة بالاتفاق المبدئي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، أعتقد أنَّ أميركا تمارس اليوم سياسة الازدواجية في التعامل مع الملف الإيراني وعلاقاتها الخارجية بكلّ من "إسرائيل" وإيران، وتحاول في الوقت نفسه ابتزاز الوفد الإيراني حتى لا يحصل كل ما يريد، رغم أنها تحاول الحصول على كل ما تريد، فالوفد الإيراني المفاوض ليس بالخبِّ، ولا الخبُّ يخدعه، إنما يرى مصلحة إيران من هذا الاتفاق الذي يمكن أن يُبرم بين الطرفين، ولكنه يحتاج، كما قلت من قبل، إلى وقت طويل، رغم أن الأطراف المتنازعة ترغب في الوصول إلى اتفاق قبل نهاية ولاية الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، إلا أن ذلك يبدو عسيراً، بعد أن كشفت الانتخابات الإيرانية أن المحافظين سيطروا على دواليب الحكم في إيران رئاسةً وبرلماناً، وبالتالي يمثل ذلك نقطة سوداء في المفاوضات عند الأميركيين.
بناء على ذلك، إن الوفد الأميركي يعمل الآن على إرضاء "إسرائيل" المتخوفة أصلاً من الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وتعتبره من المتطرفين المتشددين الذين يؤمنون بزوالها وإنهاء وجودها من الخريطة، وبالتالي إن فزعها من هذا الفوز سيزداد كلَّما تعمَّقت المشكلة وبانت أهداف الرئيس الجديد، وخصوصاً في تعامله مع الملف اللبناني والفلسطيني والسوري واليمني.
كما يعمل الوفد الأميركي على إثارة المخاوف الأميركية والعالمية من برنامج إيران البالستي، بعد أن زعم أن هذا البرنامج خطير ومدمّر، ويمكن أن يحدث فارقاً في الصناعة العسكرية الإيرانية، والهدف طبعاً محاولة الضغط على إيران حتى تستجيب للشروط الأميركية المتعلقة بهذا الجانب.
من هذا المنطلق، يظلّ الاتفاق النووي الإيراني مترنحاً خلال هذه الفترة الفاصلة بين تسليم روحاني الحكم وتسلّم رئيسي منصب الرئاسة في إيران، ولا يمكن لأميركا وإيران، بحسب رأيي، أن تعقدا اتفاقاً في ظلِّ هذه الشكوك المتواصلة والمتفاقمة يوماً بعد يوم، وعدم بناء الثقة بين الطرفين.
لذلك، لجأت الولايات المتحدة الأميركية إلى التصريحات المشكّكة والمحبطة التي من شأنها أن تنسف الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه خلال الفترات الماضية، وحتى تبثّ في الوفد الإيراني نوعاً من اليأس والإحباط في الوصول إلى نتيجة إيجابية في تلك الجولات المتعاقبة في فيينا، وتترك المجال للمناقشة والمفاوضات عبر ما يُسمّى بالحديث الداخلي مع الحكومة الجديدة التي ستستلم المهام في شهر آب/أغسطس القادم، وتعبّر تلك الحكومة عن استعدادها للالتزام بما تم الاتفاق عليه في محادثات فيينا.
ولأنّ أميركا، وإن وافقت مبدئياً على الحوار غير المباشر مع إيران، تريد أن تصل إلى هدف معين، وهو إخضاع إيران للمراقبة الدولية، والحد من تسلّحها في المجال العسكري، وتبديد المخاوف الإسرائيلية المتنامية تجاهها، لأننا نعلم أن "إسرائيل" لا تسمح لإيران بأن تُنتج سلاحاً نووياً، لا في القريب العاجل، ولا في البعيد الآجل.
ودرءاً لهذه المشكلة التي يمكن أن تقع في الشرق الأوسط وتدمّر كل مصالح أميركا في المنطقة، تعمل الأخيرة حثيثاً من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران يمكن من خلاله أن تحقّق المستوى الأمني المنشود، فتُلزم إيران ببرنامج معين يكون تحت إشراف دولي ومتعاقب ومتتالٍ، وتهدأ بعدها المنطقة برمّتها، من خلال إيجاد وسيلة للضغط على "أنصار الله" في اليمن وتهدئة الأوضاع في سوريا ولبنان وفلسطين، وهو ما من شأنه أيضاً أن يجعل "إسرائيل" تبدّد جميع مخاوفها، لكن يبقى السؤال دائماً: هل تستطيع أميركا أن تقنع إيران بتوقيع اتفاق جديد معها وفق المواصفات الأميركية؟ وفي المقابل، هل سترضخ الأخيرة للشروط الأميركية وتتنازل عن شرطها الأساس رفع جميع العقوبات الأميركية؟