الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية
شهدت إيران 12 انتخابات رئاسية منذ العام 1979، أسفرت عن 7 رؤساء جمهورية، و11 انتخابات لمجلس الشورى (البرلمان)، ومثلها انتخابات مجالس محلية (بلديات)، كما شهدت 5 انتخابات لمجلس خبراء القيادة.
منذ اليوم الأول لتأسيسه في العام 1979، استند نظام الجمهورية الإسلامية إلى شرعية الناس في المقام الأول. وعلى الرغم من أنّ ثورة شعبية ملايينية عارمة هي التي أتت بالقائد الإمام الخميني (رحمه الله) إلى الحكم، فإنّ من أول قراراته كان إجراء استفتاء شعبي على النظام الجديد الذي ستُحكمُ إيران على أساسه.
بالفعل، لم يكن قد مضى سوى شهرين على نجاح الثورة، حتى كان الإيرانيون يصوتون على الدستور الجديد للنظام الجديد الذي سيقوم على أنقاض نظام الشاه. الإقبالُ على التصويت كان مذهلاً، إذ شهد مشاركة نحو 98% ممن يحق لهم الاقتراع، وجاءت النتيجة أيضاً مذهلة، بحصول الدستور المقترح على نسبة 99% من أصوات المقترعين.
وفي فورة الحماسة الشعبية للثورة وقائدها، لا يمكن التشكيك في مصداقية النتيجة والأرقام أو نزاهتهما، نظراً إلى أن الثوار لم يكونوا مسيطرين إدارياً وتنظيمياً على البلد في تلك الفترة المضطربة، ولم يكن التزوير ممكناً.
وعلى الرغم من أن نظام الجمهورية الإسلامية يقوم على مبدأ "ولاية الفقيه"، فإن الدستور الإيراني ربط بشكلٍ ما بين "الوليّ الفقيه" وإرادة الناس من خلال آلية اختياره، عبر "مجلس خبراء القيادة" الذي يعد هيئة منتخبة من الشعب، تتكون من 88 فقيهاً، وتتمثل وظيفتها في اختيار مرشد الجمهورية الإسلامية في حال شغور المنصب بسبب الوفاة أو العجز، أي أن "الوليّ الفقيه" يُنتخب من قبل مجلس منتخب مباشرة من الشعب. وهكذا، إن شرعيته ترجع في نهاية المطاف إلى الناس، وليست قائمة على أساس ثيوقراطي أو وراثي.
لقد غدت الانتخابات معلماً رئيسياً لنظام الجمهورية الإسلامية، وهي تحصل بشكل مستمر، وعلى كل المستويات، بل إن تكرار الانتخابات في إيران يكاد يفوق معظم دول العالم، بما فيها الغربية/ الديمقراطية. وخلال 42 عاماً من عمر نظام الثورة الإسلامية، جرت 40 انتخابات شعبية، بمعدلٍ يكاد يصل إلى مرةٍ في السنة! وحتى لا يكون الكلام إنشائياً، نذكر بعض التفاصيل.
شهدت إيران 12 انتخابات رئاسية منذ العام 1979، أسفرت عن 7 رؤساء جمهورية، و11 انتخابات لمجلس الشورى (البرلمان)، ومثلها انتخابات مجالس محلية (بلديات)، كما شهدت 5 انتخابات لمجلس خبراء القيادة. إذاً، جرت 39 عملية انتخابية خلال عهد الثورة. وإذا أُضيف إليها الاستفتاء الشعبي على الدستور، تصبح 40 عملية انتخابية، وهو عدد كبير في كل المعايير، ومؤشر على مدى أهمية الناس وكلمة الشعب.
والانتخابات في إيران ليست شكلية على الإطلاق، بل تكتسب قيمة كبيرة، وتترك تأثيراً حقيقياً. ولولا ذلك، لما كانت نسب المشاركة الشعبية فيها مرتفعة. تكفي الإشارة إلى أن نسبة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الـ5 الأخيرة التي جرت بعد العام 2000، تراوحت بين 63% و85% ممن يحق لهم التصويت، أي أكثر من نسب التصويت في الانتخابات التشريعية البريطانية والرئاسية الأميركية! وحدها الانتخابات التشريعية في العام 2020 شهدت نسبة مشاركة منخفضة نسبياً (43%)، وذلك لظروف استثنائية تتعلق بالمشاكل الاقتصادية ونوع من الإحباط الشعبي، بسبب نتائج الحصار والعقوبات وقرارات رفع الأسعار.
يكتسب منصب رئيس الجمهورية أهمية فائقة في إيران، على الرغم من وجود "الوليّ الفقيه"، صاحب الصلاحيات الأعلى في النظام، فرئيس الجمهورية هو المسؤول عن إدارة البلد بالكامل من النواحي الاقتصادية والجهاز الحكومي، وحتى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
ورغم أن المرشد يتولى وضع السياسات العامة للبلد والقيادة العليا للقوات المسلحة وتعيين رئيس السلطة القضائية، فإنه لا يتدخل عادة في عمل الرئيس والحكومة، ويترك لهم الفرصة الكاملة لتنفيذ سياستهم وتطبيق قراراتهم، ما دامت ضمن إطار دستور الجمهورية الإسلامية، وهو ما يترك هامشاً كبيراً لرئيس الجمهورية ليقود البلد في الاتجاه الذي يراه صحيحاً، داخلياً وخارجياً، وينفذ البرنامج الذي انتخب على أساسه، والمثال الأبرز على ذلك هو المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي الذي أبرمته حكومة الرئيس روحاني، فالسيد خامنئي كان من البداية متحفظاً ومشككاً في نيات الأميركيين، ودعا الحكومة إلى "عدم الثقة بأميركا" بدءاً من المراحل الأولى للمفاوضات.
على الرغم من ذلك، لم يحبط عمل الحكومة، وتركها تواصل مفاوضاتها من دون معوقات حتى أنجزت الاتفاق، أي أنه احترم إرادة الحكومة المنتخبة وعملها، وأعطاها الفرصة الكاملة للعمل على تحسين أوضاع البلد وأحوال الناس الاقتصادية من خلال الاتفاق النووي، رغم تحفظاته وملاحظاته.
ولو عدنا بالزمن إلى الوراء أكثر، إلى فترة التسعينيات من القرن الماضي، حين انتخب محمد خاتمي رئيساً، لوجدنا حالة مشابهة، إذ منحه المرشد الفرصة لمحاولة إصلاح العلاقات مع أميركا ودول الغرب، وتركه يخطو في ذلك الاتجاه.
وفي الحالتين المذكورتين، نجد أن إحباط عمل الرئيس وحكومته لم يأتِ من المرشد، بل من الطرف الآخر: أميركا! فقد أحبط جورج بوش الإبن مجهود الرئيس خاتمي، حين أدرج إيران ضمن "محور الشر" في خطابه المشهور، كما أحبط دونالد ترامب عمل الرئيس روحاني حين انسحب من الاتفاق النووي من جانب واحد.
تأتي انتخابات الرئاسة المقررة في وقت لاحق هذا الشهر في وقتٍ تراجعت كثيراً فرص الإصلاحيين وتيارهم بعد الضربة التي وجهها إليهم ترامب حين انسحب من الاتفاق النووي، وأتبع ذلك باغتيال القائد قاسم سليماني. وكما حصل في العام 2005، حين نجح أحمدي نجاد، الأصولي المتشدد، كردٍ شعبيّ على فشل سياسات الإصلاحي خاتمي، من المتوقع أن تصل إلى الرئاسة في العام 2021 شخصية أكثر تشدداً مع الغرب وأميركا من الرئيس روحاني والوزير محمد جواد ظريف.