الانتخابات الرئاسية السورية: جولة أخرى لمصلحة الدولة والمؤسّسات

تكتسب المشاركة في الانتخابات السورية أهمية كبيرة تفرضها ضرورة احترام الدستور، بوصفه وثيقة سامية تفوق أي اعتبار أو رأي أو موقف سياسيّ.

  • يكتسب إجراء الانتخابات في موعدها طابعاً معنوياً، إضافةً إلى أنه يحمل رسائل سياسيّة واضحة
    يكتسب إجراء الانتخابات في موعدها طابعاً معنوياً، إضافةً إلى أنه يحمل رسائل سياسيّة واضحة

اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا، والتي تم تحديدها في الداخل والخارج، كما تم تحديد أسماء المرشحين النهائيين فيها، وهي الانتخابات التي شغلت بال الكثيرين منذ أكثر من عام، حيث توجّهت آلات الإعلام لمواجهتها، وصيغت قوانين أميركية وعقوبات أوروبية ضاغطة بغية التأثير فيها، واستنفر مسؤولون غربيون وسفارات أجنبية للتعليق عليها، وتم التشكيك في نتائجها حتى قبل أن يُعلن موعد إجرائها.

كلّ هذه الجهود تُبذل، بالطبع، باسم كلّ الشعب ونيابة عنه. بالنسبة إلى المعارضات وأغلب السفارات وبعض الإعلام، يحمل الشعب السوري كله رأياً واحداً وخطاً سياسياً واحداً، ويرفض الانتخابات ولا يعترف بها، وليس له أي رأي فيها، ولن يشارك فيها. في الحقيقة، إنّه تيه سياسي واضح. هذه القراءة تجافي المنطق تماماً، ولا تمتّ إلى الواقع بأية صلة.

في الواقع، تبرز أهمية مضاعفة للانتخابات الرئاسية في سوريا؛ فإلى جانب كونها استحقاقاً دستورياً، تتضح أهميّتها من الجهد الذي بُذل للتأثير فيها بغية إفشالها أو تأجيلها في الحد الأدنى، ولكن إذا كانت ثمة جهة في العالم لا تعتقد بأهمية هذه الانتخابات وتجزم بعدم شرعيتها، لمَ كل هذا الجهد لمواجهتها؟ وإذا كانت الانتخابات لا تُعبر عن شيء، من وجهة نظرهم، سواء السيادة أو استقلال القرار السياسيّ، كما نعتقد، لمَ تنطلق الدعوات لمقاطعتها؟  

في الحقيقة، لا يمكن التشكيك في صحة الإعلان عن الانتخابات القادمة وشرعيته، وفي إجرائها في موعدها، فهي استحقاق مستوفٍ للشروط، ويجب أن يُحترم في الداخل السوري والخارج، وعلى جميع المستويات، كما أنها ستجري عملاً بأحكام دستور نافذ، وستنظمها نصوص قانونيّة معمولٌ ومعترفٌ بها. وفي ما يتعلّق بنتيجتها والإجراءات المرافقة لها، فقد وجه مجلس الشعب السوري دعوة لعدة برلمانات، وستكون حاضرة خلالها، وستراقب العملية. وعلى من لا يثق بنا، أن يسمع من غيرنا، فالأمر واحد!

يكتسب إجراء الانتخابات في موعدها طابعاً معنوياً، إضافةً إلى أنه يحمل رسائل سياسيّة واضحة. إن إجراء الانتخابات في موعدها يُعبّر عن وجود الدولة، وهو المفهوم الذي يجب أن يتم توعية الناس به دوماً. إنّ مفهوم الدولة والمؤسسات يختلف عن مفهوم الحكومة التي تتشكّل وتستقيل وتخطئ وتصيب.

من هنا، تأتي أهمية إجراء الانتخابات في موعدها، لكونها رسالة تفيد بوجود دولة قوية ومؤسسات قوية لطالما تركزت جهود كبيرة، على مدار سنوات، من أجل إضعافها وتفكيكها. إنّ إنجاز الاستحقاقات الدستورية في موعدها لا يمكن أن يتحقّق لولا وجود دولة قوية ومؤسسات قادرة ومتمكّنة.

في نظرة تفصيليّة أكثر، لا بدَّ من الإشارة إلى أن سوريا دولة ذات نظام جمهوري. من هنا، يكتسب منصب رئيس الجمهورية أهمية كبيرة، وتقع على عاتق رئيس الجمهورية مهام جسيمة تختلف عن مهام الرئيس في باقي الأنظمة. لذلك، كانت الجهود مُسلَّطة على مقام الرئاسة بشكل دائم، لأن التأثير فيها يعدّ مدخلاً لإضعاف الدولة والمؤسسات. وعلى الرغم من أهمية الانتخابات التشريعية وانتخابات مجالس الإدارة المحلية، والتي جرت في موعدها، فإنّ الانتخابات الرئاسية تبدو استحقاقاً مهماً، واختيار المرشح المناسب يكتسب أهمية وقيمة كبيرة، نظراً إلى أن نظام الحكم جمهوري، ولأن مهام رئيس الجمهورية ومسؤولياته متعددة أيضاً.

تكتسب المشاركة في الانتخابات أهمية كبيرة تفرضها ضرورة احترام الدستور، بوصفه وثيقة سامية تفوق أي اعتبار أو رأي أو موقف سياسيّ. ويبقى لكل ناخب اعتباراته ومعاييره في اختيار مرشحه، بحسب رؤيته وتقديره للأمور. وفضلاً عن أهمية اختيار المرشح الأنسب، تبرز في الانتخابات، أي انتخابات، أهمية المشاركة كمشاركة، وهي أمر مهم جداً بوصفها إجراء عملياً يعكس التمسّك بمفهوم الدولة والدفاع عنه.

بعد 10 سنوات من عمر الأزمة السورية، بدأت دمشق تتنفس الصعداء بعد أن حققت الانتصار على المجموعات المسلحة وأعادت السيطرة على غالبية الجغرافيا السورية، لتبدأ مرحلة جديدة من البناء وإعادة الإعمار مع الانتخابات الرئاسية.