التحدّيات الحقيقية التي تواجه السعودية وولي عهدها
يبدو أنّ ولي العهد السّعودي محمد بن سلمان، لا يقرأ المشهد السياسي بشكل جيّد هذه الأيام. ولعل آخر تحرّك لبايدن شكل صاعقة مهمّة قد تجعل مسؤولي المملكة يستفيقون من سباتهم العميق.
بعد تبدّد مشروع رؤية محمد بن سلمان للعام 2030، إثر انخفاض عائدات النفط وتوجه السعودية نحو مغامرات عسكرية في اليمن، يبدو أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يتحرك نحو مقاربات أخرى لتحسين سمعته المحلية والدولية، بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، التي أشار تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى تورّطه فيها.
هذه المشاريع، على سبيل المثال، هي عملية تشجير واسعة النطاق، وهي لا تقتصر على زراعة 10 مليارات شجرة في السعودية، إذ إن ولي العهد يسعى إلى ضم بلدان الشرق الأوسط إليه، لينتج من مخططه تشجير نحو 50 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط، بهدف خفض انبعاثات الكربون وتأمين مستقبل للأجيال القادمة وبيئة مستدامة ونظيفة.
من الناحية النظريَّة، هذا المشروع حيوي ومهم للغاية، في ظل الثورة التكنولوجية التي نعيشها، ووسط توقعات بفقدان النفط أهميته الاستراتيجية خلال السنوات العشر القادمة، إلا أن الواقع العملي يقف عائقاً أمام هذه الرؤى، كما وقف حائلاً أمام رؤية 2030، إذ إن مصادر الماء في السعودية لا تستطيع تلبية احتياجاتها من الزراعة والاستخدام الشخصي، كما أنها تعتمد في تأمين مياهها على تحلية المياه بنسبة 60%، بحسب تقرير لوكالة "دي دبليو"، وهو ما يكلّفها الكثير، ناهيك بعجز الموازنة وتراجع عائدات النفط نتيجة جائحة كورونا والركود الاقتصادي الذي تعانيه.
لم يكن ولي العهد ليحتاج إلى كلّ هذه المشاريع المكلفة لو تمتّع ببعض الحكمة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستشاريه، وكان حرياً بهم الامتناع عن قتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، إذ إنه، أولاً وقبل كل شيء، لم يعتبر يوماً ممن يؤيدون تغيير النظام السعودي، ولم يذكر ذلك أبداً، وهو من الصحافيين الداعين إلى الإصلاح، ولكن كل هذه السنوات والتجارب لم تُكسب ولي العهد الحكمة اللازمة للتعامل مع قضايا مصيرية ومهمة حتى بعد قتل خاشقجي.
ها هو مستشار ولي العهد السعودي سعود القحطاني، يعود مجدداً إلى الساحة، ويوجه تهديداته إلى أنييس كالامار، مبعوثة الأمم المتحدة المسؤولة عن ملف قتل خاشقجي، إذ أكَّدت أنها تعرّضت للتهديد المباشر من قبل مسؤول رفيع المستوى في السعودية مرتين.
ولا يبدو أنَّ هذه القضيّة ستختفي يوماً، إذ رفعت منظمة "مراسلون بلا حدود" دعوى قضائيَّة ضد ابن سلمان أمام القضاء الألماني على خلفيتها، وقالت إنها "تقدّمت بشكوى ضد ولي العهد السعودي أمام النائب العام في محكمة العدل الفيدرالية في مدينة كارلسروهي الألمانية، لاختصاصها القضائي في النظر في الجرائم الدولية الأساسية".
وأوضحت أنَّ الدعوى تشمل 4 مسؤولين آخرين، إضافةً إلى ولي العهد، وهم مستشاره السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد عسيري، والقنصل العام السابق في إسطنبول محمد العتيبي، وضابط المخابرات ماهر المطرب.
وبعيداً من قضية قتل خاشقجي، يبدو أنّ ولي العهد السّعودي لا يقرأ المشهد السياسي بشكل جيّد هذه الأيام. لعل آخر تحرّك لبايدن شكل صاعقة مهمّة قد تجعل مسؤولي المملكة يستفيقون من سباتهم العميق، إذ قام بسحب مجموعة من القوات والعتاد العسكري من السعودية ومنطقة الشرق الأوسط، ناهيك باحتمال الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية على عودة متزامنة إلى الاتفاق النوويّ الإيرانيّ.
أخيراً، لا يبدو أنَّ ثمة نهاية قريبة لقضيَّة خاشقجي، على الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها ولي العهد. ولعلَّ الأخير مطالب بتحرّك جديّ نحو عملية سلام حقيقيّة في اليمن، كما أنّه مطالب بإيقاف ذبابه الإلكتروني الّذي شوّه سمعته أكثر مما حسّنها.