لبنان.. التهدئة فرصة لقطع الطريق أمام فرض المشاريع الخارجية

الخطورة التي نعيشها الآن في ظل الجائحة المالية والاقتصادية والمعيشية، تتمثل في أن هذه الجائحة من شأنها أن تضعف المناعة الوطنية، بحيث تجعل المجتمع أكثر استعداداً لتلقي المشاريع الخارجية.

  • ثمة علاقة تفاعلية بين اشتداد الأزمة وارتفاع منسوب الاستجابة للمشاريع الخارجية
    ثمة علاقة تفاعلية بين اشتداد الأزمة وارتفاع منسوب الاستجابة للمشاريع الخارجية

لطالما خضع لبنان لمشاريع خارجيّة تتصل بالمعادلات والمشاريع السياسية المطلوب فرضها وترويجها في المنطقة .ولا شك في أن فرض هذه المشاريع كان يخضع دائماً لموازين القوى الدولية والإقليمية، وأن سهولة الاستجابة لها أو صعوبتها تتحدد استناداً إلى هذه الموازين.

وقد عانينا في لبنان ضعف المناعة الوطنية التي تضعف قدرتنا على مواجهة المشاريع التي لا تتسم بمصلحة وطنية، كما عانينا غالباً وجود أدوات داخلية لديها ضعف في المناعة الوطنية، وبالتالي استعداد لتقبل المشاريع الخارجية، وصولاً إلى تبنّيها والعمل على إنجاحها، رغم المعرفة والإدراك بأنها لا تخدم الوطن، وربما بعضها يدمره.

الخطورة التي نعيشها الآن في ظل الجائحة المالية والاقتصادية والمعيشية، تتمثل في أن هذه الجائحة من شأنها أن تضعف المناعة الوطنية، بحيث تجعل المجتمع أكثر استعداداً لتلقي المشاريع الخارجية وتقبلها، نتيجة الوهن الذي أصابه، وتحت تأثير الحاجات المعيشية للمواطن، بحيث تختلط عليه الأمور، ولا يعود قادراً على التمييز بين ما يضر الوطن وما يفيده، لأن جل اهتمامه ينصب على رفع غائلة الجوع عن أسرته .

الوضع الذي عاشه لبنان مؤخراً، وخصوصاً الارتفاع المريب للدولار، وما خلَّفه من هلع وإشكاليات شهدتها الشوارع والساحات ومحال بيع المواد الغذائية ومحطات المحروقات، بدأ يشي بمستوى ضعف المناعة المجتمعيّة ومدى القابلية لتلقي المشاريع الخارجية، مهما كانت، تحت ضغط الحاجة من جهة، والخوف والهلع على المستقبل القادم من جهة أخرى.

ثمة علاقة تفاعلية بين اشتداد الأزمة وارتفاع منسوب الاستجابة للمشاريع الخارجية، ولو كانت مدمرة، فقدرة التمييز لدى المواطن تتضاءل مع تضاؤل قدراته على تأمين حاجات عائلته، وغالباً ما يستثمر الخارج هذا الضعف المناعي في المجتمعات ليفرض مشاريعه. هذا ما حصل في لبنان إبان اشتداد الأزمة منذ أيام، بحيث ترتفع أصوات التدويل والتطبيع والتحييد والاستجابة للشروط التي يعمل عليها الأميركي والعدو الإسرائيلي معاً، لفرضها كواقع موضوعي وفقاً لموازين القوى من جهة، وضعف المناعة المجتمعية من جهة أخرى.

كان تدخل سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وإرساله الرسائل في محلّه تماماً، وكان تدخلاً حميداً يحد من تصاعد الأزمة ومن فرص فرض الأجندات الخارجية ووضع ضوابط الحدود الدنيا لها على الأقل .

فرص الاستجابة للمشاريع الخارجيّة باتت أقل نسبياً مع تدخل الأمين العام لحزب الله، لكن هذا التدخل سرعان ما ينتهي مفعوله ما لم يقترن بخطوات وإجراءات ملموسة وميدانية، على الأقل في تشكيل الحكومة، وضبط انفلات سعر صرف الليرة، ومنع قطع الطرقات وإعاقة حياة الناس، والعمل على ضبط الأسعار، سواء في المحروقات أو الأدوية أو المواد الغذائية المتفلتة من عقالها، والتي تخضع لعمليات احتكار بهدف ابتزاز المواطن .

أظنّ أنّ الأسابيع القادمة سيشكلان اختباراً جدياً لمدى وجود نية لتهدئة الأوضاع ومنع انفلاتها. وبغير ذلك، سنكون في الطريق إلى قعر جهنم. سيبقى الأمل معلقاً على ما لم يُعلَن من خطة سماحة السيد نصرالله، وهو الشق الذي ألمح إليه، في حال تعذرت الحلول، منعاً لانفلات الوضع. لننتظر ونرَ .