"النيروز".. مهرجان الطّبيعة في عيد المحبّة

تروي صفحات التاريخ أنَّ الخلفاء والسلاطين والأمراء كانوا يقيمون الاحتفالات الرسمية في هذه المواسم، ويعتبرونها أعياداً مباركة لا تتنافى مع مفاهيم الدين الحنيف.

  • وافقت منظمة الأمم المتحدة على تسمية يوم الحادي والعشرين من آذار/مارس من كل عام
    وافقت منظمة الأمم المتحدة على تسمية يوم الحادي والعشرين من آذار/مارس من كل عام "يوم النيروز العالمي"

يعتبرُ عيد الربيع أو "النوروز" ("النيروز" تقابلها كلمة "نيسان" بالعربية) عيد المحبة والإخاء والتسامح؛ عيد إظهار العبودية لله تعالى، وفرصة لنقل قيم الثقافة الشرقية وسننها وعادات أقوامها إلى العالم الغربي، إذ يحمل هذا العيد أعمق معاني التكاتف والألفة التي تعكسها دلاليًا النسائم الأولى للربيع، وهو عيد تحتفل به بلدانٌ وشعوب عدّة في المنطقة، هي إيران وتركيا وأفغانستان وأوزبكستان وطاجيسكتان وقرغيزيا وأذربيجان والعراق والقبائل الكردية، منذ 4 آلاف عام. يجسد هذا العيد أعظم معاني التسامح والسعادة والبهجة، وهو رمز للأخوة والثقافة المشتركة التي تجمع بين شعوب أوراسيا.

هذا العيد الَّذي تحتفي به كلّ هذه البلدان بمسمياتٍ مختلفة ومتعددة، مثل عيد الشجرة وعيد الأسرة وعيد شم النسيم وغيره، يبشّر ببداية فصل الربيع وتفتح الأزهار واخضرار الأشجار، إذ تستفيق من سباتها الشتوي، وتزهر مبشرة بولادة متجدّدة، كما يرمز إلى ديمومة الحياة وتجدد الإنسان وتحرره من العبودية، فـ"النيروز" إذاً هو عيد الطبيعة، والطبيعة في هذا الفصل تكشف حجابها، وتظهر محاسن وجهها، وهو يوم المحبّة ولقاء الأحبة، وهو اليوم الذي تتصافى فيه القلوب، وتسود المحبة بين الناس، فيتبادلون أجمل الهدايا التي تزيد العيد بهجة وحبوراً.

وقد وافقت منظمة الأمم المتحدة على تسمية يوم الحادي والعشرين من آذار/مارس من كل عام "يوم النيروز العالمي"، باعتباره عيداً للتآخي والتعايش السلمي، ودليلاً على أن هذه المناسبات التاريخية قادرة على تحقيق ما تعجز عنه العديد من الخطط والأطروحات السياسية المتداولة في عالمنا المعاصر.

تروي صفحات التاريخ أنَّ الخلفاء والسلاطين والأمراء كانوا يقيمون الاحتفالات الرسمية في هذه المواسم، ويعتبرونها أعياداً مباركة لا تتنافى مع مفاهيم الدين الحنيف، بل تصبّ في إطارها، لكونها ترمز إلى الخير وتدعو إلى التسامح والحوار والوفاق.

و"النيروز" كلمة مركّبة من لفظين، أولهما "نو"، أي الجديد، وثانيهما "روز"، أي اليوم، فكلمة "نيروز" تعني "اليوم الجديد". وقد استعملت هذه الكلمة في اللغة العربية ‌بصيغتها الفارسية، كما عُرّبت إلى "نيروز"، إذ اشتقّ العرب منها فعل "نَوْرَزَ"، واستعمل في النثر والشعر. 

يقول أحد الشعراء ‌العرب:

نَوْرَزَ الناس ونَوْرَزْتُ

ولكن بدموعي

وزكت نارهم والنار

ما بين ضلوعي

كما استعمل "النوروز" بصيغته الفارسيّة، إذ قال البحتري في وصف الربيع:

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً

من الحُسن حتى كاد أن يتكلّما

وقد نَبّه النوروز في غلس الدُجى

أوائل ورد كنّ بالأمس نوَما

وجعل أبو تمام "النوروز" رمزاً لشفاء الخلق والنفوس، إذ يقول:

وسيقت إلى الخلق في النيروز عافية

بها شفاهم جديد الدهر من خلقه

وقد أثار "النوروز" مشاعر أبي ‌نواس وعواطفه، فقال:

يباكرنا النوروز في غلس الدجى

بنور من الأغصان كالأنجم الزهر

يلوح كأعلام المطاف وشيه

من الصفر فوق البيض والخضر والحمر

واليوم، بإمكان شعوبنا أن تستعيد هذه الذكريات، ليكون "النوروز" عيد المحبة والتواصل والتسامح الإنساني، وليمثل فرصة للتلاقي والتعايش السلمي ونبذ العنف والتطرف، حاملًا تباشير الربيع وأمطار الخير والرحمة التي تطهر القلوب من كل حقد وحسد وأنانية، وتبشّر بانطلاقة جديدة نحو التعايش السلمي والإخاء الإنساني.