استراتيجيّةٌ جديدة لتلقّي لقاح "كوفيد-19"
من المؤكّد أنّ القسم الأكبر من أبناء المجتمع، وإن لم يتعاطوا اللّقاح ووفقاً لهذه الخطة، سينتقل إليهم الفيروس كورونا المستجد، ونادراً ما ستؤدي هذه العدوى إلى الوفاة، في صفوف بعض أفراد هذه المجموعة الشابة والسليمة.
بدأت شعوب العالم تتلقّى اللّقاحات، فيما يأمل آخرون استلامها قريباً لاحتواء "كوفيد-19"، وقد أُعطيت الأولويّة لمن هم أكثر حاجةً إليها، كالعجزة والعاملين في المستشفيات والمصابين بالأمراض المزمنة والوراثية. ومن ثم في الأشهر القادمة، سيتمّ توزيعها على كلّ من يرغب أخذ اللقاح، على أن تتوافق حالته مع شروط الشركات المصنِّعة والمعايير الصادرة عن الجهات التي سمحت باستخدام اللقاح المعني في البلاد.
ستزداد الأمور تحدياً لشعور البعض بالخوف من تعاطي اللقاحات، وستزداد غموضاً بحدوث الطفرات الفيروسية المستمرة كالطفرة الإنكليزية التي تُدعى "بي 7.1.1" والتي أُعلن عنها مؤخراً بأنها خرجت عن السيطرة لسرعة انتشارها. أما طفرة "SARS- COV-2 Virus" أو ما يُسمّى حالياً "501.V2 Variant" التي اكتُشفت مؤخراً في جنوب أفريقيا، فهي لا تترافق بدلائل تثبت أنها السلالة الأخيرة الأكثر انتشاراً أو ضرراً مقارنةً بطفرة ال "B.1.1.7".
وفي هذا الشأن، أعلنت شركة "بيونتيك" المصمّمة للّقاح و"فايزر"، المشاركة في تصنيعه، بأنّ احتمالية فشل اللّقاح في حماية المرضى من آثار السلالات الجديدة هو افتراضٌ ضئيل. وأضاف مدير الشركة قائلاً: "في تسجيل أي قصورٍ في الحماية، علينا فقط الانتظار بضع أسابيع لتكملة الدراسات وتعديل اللقاح إذا لزم للمحافظة على فعاليّته".
من الواضح أيضاً أن فيروس كورونا المستجدّ لا يؤثر على الجميع بالفعاليّة نفسها، ويصيب بشكلٍ خاص المسنّين وبظروفٍ معينة. ولا شكّ في أنّ بعض السلالات أكثر شراسةً من غيرها، وفق ما أوردت الأكاديمية الصينية للعلوم ونسبةً لما نُشر أيضاً على موقع جامعة أكسفورد. أما الحالات المستعصية، فنجدها لدى مرضى "كوفيد-19" الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً والذين يعانون من حلاتٍ مزمنة كأمراض الجهاز التنفسي والقلب والسكّري ونقص المناعة وغيرها، وهم غالباً ما يتمّ متابعتهم في غرف العناية المركّزة. هذا، إضافةً إلى عوامل وراثية عدّة متداخلة وفق ما جاء مؤخراً في جريدة "نيتشر" العلمية. من الجدير ذكره أنّ 98% من الذين تُوفّوا بسبب كورونا تزيد أعمارهم عن 60 عاماً.
لمعالجة هذه الأمور، هنالك استراتيجيةٌ فعّالة لإنهاء الجائحة بأقلّ التكاليف. تدعو هذه الخطة إلى إعطاء اللّقاح، ليس للجميع، بل لمن هم في حاجةٍ ماسّةٍ إليه، كما هو مبيّنٌ أعلاه، وترك حرية الاختيار للآخرين. هذا ما أدلى به الأستاذ البلجيكي في الطب الداخلي والأمراض المُعدية، الدكتور يورون فان دير هلست، حيث أردف قائلاً: "إذا بدأنا إعطاء اللقاح لهذه الفئة في بداية عام 2021، سينتهي الأمر في أواخر الربيع".
وأكمل الأستاذ مؤكداً: "بهذه الطريقة، سنتمكّن بعد بضعة أشهر، من العودة إلى حياتنا الطبيعية دون عراقيل، لخدمة المجتمع عامةً، مع عودة الحياة الترفيهية كإقامة الحفلات والنشاطات الرياضية والمهرجانات وغيرها من متطلّبات الحياة الاجتماعية، وذلك ابتداءً من الصيف القادم."
من المؤكّد أنّ القسم الأكبر من أبناء المجتمع، وإن لم يتعاطوا اللّقاح ووفقاً لهذه الخطة، سينتقل إليهم الفيروس كورونا المستجد، ونادراً ما ستؤدي هذه العدوى إلى الوفاة، في صفوف بعض أفراد هذه المجموعة الشابة والسليمة، وفق ما جاء في المجلات العلمية، لا سيما مجلة "أخبار الصحة" الفرنسية لشهر آذار/ مارس المنصرم. إنّهم سيكوّنون، بمدّةٍ وجيزة، الجدار المناعي، ما يُسمّى أحياناً بمناعة القطيع. وبذلك، لن تتوقّف العجلة الاقتصادية. فلو تابعنا، على سبيل المثال حوادث السير وما ينتج عنها يومياً من جرحى وقتلى، فهل هنالك من يطالب بإلغاء المواصلات والاستغناء عن ركوب السيارات لتجنب الحوادث ونتائجها المؤلمة؟
من المؤسف أنّ نقطة الضعف لهذه الاستراتيجية، تكمن في غياب الأدوية الفعالة في حالات الكورونا المستجدة على مختلف أنواعها، لا سيما الشرسة منها. فما هي التدابير التي يجدر اتخاذها من أجل حماية أولئك الذين لا يمكن إنقاذهم باستخدام اللقاحات، مثال مرضى السرطان أو الذين يعانون من اضطراباتٍ مناعيّة وذوي الأمراض المزمنة والوراثية؟ إنّ عدم توفّر العلاج لهم، إضافةً إلى تواجدهم في محيطٍ يحمل الفيروس، سيزيد من احتماليّة اصابتهم.
أعتقد أنّنا سنحصل على نتيجةٍ آمنة ومُرضية إن قمنا بعزل هذه المجموعة، ضمن مهلةٍ كافية لحمايتها، إلى أن يتمّ تطهير المحيط من الفيروس، وإسناد العلاج الفعّال لمن يُصاب بهذا الوباء. أمّا أولئك المسنّون وغيرهم ممن يتجاوبون مع اللقاح، فيجب متابعتهم باستمرار سواءٌ طبياً أو مخبرياً من خلال استقصاء أساسيّات الحصانة لمعرفة مدّة فعالية اللقاح وتجديده إن تطلّب الأمر.
أمّا العوامل التي ستزيد من احتمالية نجاح هذه الخطة، تتمثّل في مواصلة الأبحاث للحصول على الأدوية الفعالة، على الرغم من الأرباح الضئيلة التي ستجنيها صناعة الأدوية هذه، مقارنةً بالأرباح الطائلة التي ستجلبها صناعة اللقاحات لبعض الدول والشركات.
لقد تبيّن منذ وقتٍ قريب بأنّ إعطاء المصابين "أجساماً حيويةً أحادية النسيلة"، كما جاء في مقالٍ كتبه سيزار ميلشتين، في مجلة "نيتشر"، والتي استُخلصت مؤخراً وطبيعياً من مصل المرضى الذين تعافوا من "كوفيد-19"، وفق ما بيّنته صحيفتا "نيتشر" و"سل"، أو من خلال المصول التي صُنعت بطرقٍ بيوتكنولوجية، وقد تساهم جدياً هذه الطرق في وقاية المرضى المعنيين وشفائهم.
إنّ الاستعانة بهذه الأجسام الأحادية النسيلة ستكون بالتأكيد أفضل من اللقاحات وأكثر فعاليةً منها، من ناحية الاستجابة. ستُعطى تلك الجزيئيات لهذه الفئة من المرضى بقدر مدّة فعاليتها، أي مرّةً كل شهرين. لا أدري إن كانت هذه الأجسام المضادة قد حصلت على براءةٍ طبيّة ولست أكيداً من توفّرها حالياً في الأسواق وبتكلفة معقولة؛ غير أنّه من المؤكد أنّ إعطاء البراءة في الحالات المناعيّة، لها تأثيرٌ سلبيٌّ على إنتاج الشركات المنتجة للقاحات وأرباحها، مما سيزيد من تعارضها ومع الصناعات البيوتكنولوجية، وبالتأكيد أيضاً مع أي إستراتيجيةٍ من شأنها أن تقلّل من حجم استخدام اللقاحات.
ويا حبذا لو أنّ هذه الشركات والمؤسسات العلمية، المعنية بتطوير التكنولوجيا الطبيّة لاحتواء هذه الجائحة، وحّدت جهودها وتبادلت المعلومات والمعرفة والتقنية للإسراع في إنتاج العقاقير المطلوبة وتوزيعها على الجميع، بدلاً من إقصاء بعض البلدان ومؤسساتها وفرض العقوبات على غيرها.
وفي الختام، أتساءل متى ستحصل الطفرة المنتظرة لفيروسنا هذا، على أن تكون سريعة الانتشار ومعدومة الفعاليّة، ليتخلّص العالم من هذا الوباء ولقاحاته؟