إحاطةٌ قانونيّة عن الانتهاكات التركية ومياه الشرب في الحسكة

كل ما تقوم به تركيا في أيّ منطقةٍ أو محافظةٍ سوريّة هو احتلال؛ تحت سلطتها أو سلطة بعض الجماعات التابعة لها والتمواجدة في بعض المناطق.

  • قطع المياه في الحسكة يخالف القواعد الرئيسية للقانون الدولي
    قطع المياه في الحسكة يخالف القواعد الرئيسية للقانون الدولي

خلال عامٍ، قطعت تركيا المياه عشرات المرات عن محافظة الحسكة السوريّة التي يزيد عدد سكانها عن المليون نسمة، ضاربةً بعرض الحائط حقوق الإنسان وكافة المواثيق والاتفاقيات التي أكّدت بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر على حقّ الفرد في المياه، متجاهلةً حقيقة أنّ المياه عنصرٌ أساسيٌّ للاستمرار وأنّها عاملٌ حيويٌّ للتمتع بكافة الحقوق الأخرى التي نصت عليها القوانيين والمعاهدات. 

وعلى الرغم من أنّه لا أثر يُذكر للقانون الدولي والمنظمات والهيئات الدولية بسبب التسييس الكبير لدورهم ومهامهم وسيطرة بعض الدول عليهم، وبالرغم من عدم وجود رأيٍ عامٍ عالميٍّ متعاطفٍ مع القضايا المحقّة والإنسانية  من دون توظيفٍ أو تصويبٍ سياسي، إلاّ أنّه لا بدّ من ذكر الجانب القانونيّ لهذه الانتهاكات التركية الجسيمة، من أجل الحقّ والحقيقة والمعرفة.

إنّ وصف السياسات التركية في سوريا وغيرها بالاحتلال، ليس وصفاً سياسياً وإنما قانونياً أيضاً، فالمادة 42 من لائحة لاهاي عام 1907 حدّدت وعرّفت ما هو الاحتلال، وغنياً عن التفصيل، فإنّ كل ما تقوم به تركيا في أيّ منطقةٍ أو محافظةٍ سوريّة هو احتلال؛ تحت سلطتها أو سلطة بعض الجماعات التابعة لها والمتواجدة في بعض المناطق، ولها على الأرض السوريّة نقاطٌ وآليّاتٌ عسكرية بدون أيّ تنسيق مع الدولة السوريّة، فهي بهذه السلوكيات والانتهاكات تكون قد استوفت كافّة الشروط المعتمدة حتى تصبح في عداد المحتلّين.

علاوةً على ذلك، فإن قطع المياه في الحسكة يخالف القواعد الرئيسية للقانون الدولي، فتركيا تُخالف فتحتلّ، ثم تُخالف مرة ثانية القواعد القانونيّة الدولية التي ألزمتها كدولة احتلال، بعدم القيام بأي عقابٍ جماعي، ومع كلّ ذلك، لا تزال مستمرةً في ذلك مقترفةً جريمةٌ كبيرة موجهةً ضد المدنيين السورييّن، ولابد هنا من التنويه إلى أن كلّ جريمة موجهةٌ ضد المدنيين هي نوعٌ من أنواع جرائم الحرب من وجهة النظر القانونيّة، عدا عن أنّ قطع المياه جريمةٌ ضد الإنسانية، أيضاً استوفت وصفها من حيث أنها ممنهجةٌ وموجّهةٌ ومتعمِّدةً إضرار الأهالي من النساء والأطفال وكبار السن.

في معرض الإحاطة القانونية حول هذه الجريمة التركية، لا بدّ من أن نذكّر أيضاً بأنّ هذه الجريمة الموصوفة تخالف اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية 1948 والتي منعت بموجب الفقرة (ب) من المادة 2، إلحاق الأذى، ومنعت أيّ فعلٍ من شأنه أن يُحدث تدميراً كلياً أو جزئياً، فعاقبت بموجب المادة 3 المرتكِب والمتآمِر والمحرِّض والمحاوِل والمشترِك أمام المحاكم المحليّة المختصّة أو الدولية المعتمدة.

وأما إذا أردنا أن نذهب بإحاطتنا حول الجريمة التركية اتجاه المحكمة الجنائية الدولية، نجد أنّ نظامها الأساسي المعتمد في روما 1998 اعتبر في المادة 6 أنّ قتل الأفراد أو إلحاق الضرر بهم أو إخضاعهم لأحوالٍ معيشيّةٍ بقصد الإهلاك هو إبادةٌ جماعيّةٌ، واعتبر في المادة 7 أنّ كلّ فعلٍ موجّهٍ ضد مجموعةٍ من السكان المدنيين هو إبادة، وأما في المادة /8/ فيُعدّ تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين من جرائم الحرب. 

يمكن للقارئ وبنظرةٍ سريعة على كل ذلك، وعلى كافة القوانيين والمعاهدات والمواد السابقة المذكورة في هذه الإحاطة المختصرة، إسقاط جريمة قطع المياه في الحسكة عليها، فلم يبقَ نصٌّ أو معاهدةٌ أو ميثاقٌ أو قانونٌ إلاّ وخالفته تركيا في معرض تنفيذها لهذه الانتهاكات، ويبقى الأمل معقودٌ على تحرّكٍ سياسيٍّ وشعبي، عربيٍّ وعالميٍّ ضاغط، لإيقاف كل هذه الانتهاكات بحق أهالي الحسكة، ولإيقاف كل جهدٍ تركيٍّ مشابهٍ في سوريا وغيرها وبشكلٍ عاجل، يحدّ من أطماعها ويمنعها من تسييس كلّ شيء لخدمة أجنداتها السياسيّة، غير مكترثةٍ بالآثار والتّبعات الإنسانية.