هل تساوم الإمارات حكومة هادي مقابل التطبيع مع "إسرائيل"؟
اليمنيون في الجنوب أو في الشمال، وجميع العرب، بل وجميع المراقبين والمحللين السياسيين، يعون ويعرفون أن الإمارات هي التي تسيطر على الوضع، بواسطة المليشيات التي أنشأتها في عدن.
سأتطرق إلى موضوع خطير على الصعيد اليمني من وجهة نظري، قد يحصل أو قد تعمل المطابخ الإماراتية لتحقيقه في اليمن، مستغلةً ضعف الدولة اليمنية وغيابها عما يحصل في البلد، كهدف خفي سيظهر لاحقاً، وأتمنّى بالطبع كيمني ألا يحصل ذلك مطلقاً.
لقد تابع الجميع شكل تطبيع الإمارات مع العدو الصهيوني ومساره ومبرراته وحججه. حقيقةً، لم يكن ذلك غريباً، إذ كان التطبيع يسير بشكل خفيّ وسرّي، والمشكلة التي ظهرت أخيراً هنا، وفاجأت بسطاء الناس من الشعوب العربية، ليس التطبيع بحد ذاته مع العدو الصهيوني، فخطواتهم كانت ملموسة بالنسبة إلى المراقب، بل ومتوقعة، لكن الهرولة المجنونة نحو تطبيع التطبيع، والسعي إلى جرجرة أكبر عدد ممكن من الدول نحوه، هو الذي لفت نظر النقاد.
وكان تبرير تطبيع الإمارات وبشكل بجح، استخفّ بعقلية مئات الملايين من العرب والمسلمين، حين زعم الإماراتيون كذباً وجوراً حينها أنَّ "التطبيع هدفه وقف عملية الضم والاستيطان"، وقد كذبهم وكذب حججهم في يوم التطبيع نفسه العدو الإسرائيلي بلسان قادته، تلك الحجة التي بررتها الإمارات، وأثبتت بعد ذلك، وفي تسارع مجنون للتطبيع، أن ما زعموه إنما هو خدعة للتضليل الإعلامي، والحقيقة أنهم كانوا يخططون له منذ فترة ليست قصيرة، وأنهم يؤدون دوراً خدماتياً للصهاينة في المنطقة أكثر مما يحلم به الإسرائيليون أنفسهم، فقد أصبحوا اليوم صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم في عداوتهم للإسلام والقدس وفلسطين، حيث أشكال التطبيع التجاري، ورحلات الطيران، وشراء أسهم في أشهر نادٍ عنصري يكره العرب والمسلمين، وشراء العقارات في القدس المحتلة وبيعها لليهود، ما يوحي للمراقب بأنَّ الإمارات كان فيها قبل مئات السنين مئات الآلاف من اليهود الذين هاجروا إلى "إسرائيل" عند تأسيسها، مثلهم مثل اليهود العراقيين والمغاربة واليمنيين. واليوم، يريدون زيارة مناطق ولدوا فيها وتربى فيها آباؤهم، وذلك لا ينطبق على الإمارات بتاتاً.
هكذا تصرفت الإمارات مع التطبيع بكل تسارع وتضاد وعناد لكل القيم العربية والاتفاقيات والمصلحة القومية التي يتذرع بها أحياناً إعلامها وكتابها تمثيلاً وزوراً وبهتاناً.
وأكاد أجزم هنا أنَّ دور الإمارات كان بتنسيق وترتيب مع عدوّ قضيّة العرب والمسلمين الأولى فلسطين وعاصمتها القدس، الرئيس الأميركي ترامب وعصابته اليهودية كوشنر وبومبيدو، بل أظنّ أنّ مسألة فتح الإمارات قنصلية في مدينة العيون في الصحراء المتنازع عليها قبل أسابيع، كانت طعماً بلعته المغرب في ما بعد، بالدخول في طابور التطبيع الذي اتضح تماماً أن الإمارات تقوده من دون حياء من تاريخ مؤسس دولتها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
أكاد أشكّ في أنّ الإمارات خطّطت لأميركا الطريقة التي تستطيع فيها جذب المغرب إلى قائمة المطبعين، مقابل أن تعترف بمغربية الصحراء، إذ لم تهتم بالمسألة الصحراوية، فما الذي جعل الأميركيين يتنبّهون إليها هذه الأيام، ما لم يكن في مقابلها صفقة وقرار يلهث خلفه ترامب في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، بأن تفتح دول أفريقية مجاورة للمغرب والصحراء الغربية قنصليات لها، فهو إلى حد ما مبرر من ناحية مصالح رعايا تلك الدول المتجاورة، حيث من الطبيعي تداخل المجتمعات وتنقلاتها، لكن أن تقوم الإمارات كدولة عربية وحيدة بذلك التصرف، بدلاً من فتح قنصليات في مدن مغربية أخرى كمراكش، فيبدو أنَّ وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك صفقة تحضرها بمشاركة دول أخرى. في نهايتها، تكون النتيجة تطبيع "إسرائيل" مع المغرب، وهي الضريبة التي دفعتها الأخيرة في إعلان التطبيع.
والصورة تعد في الظاهر سعياً أميركياً من أجل التطبيع مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية، وكأن ما حصل هو تخطيط إماراتي للأميركيين ليتصلوا بالمغاربة ويساوموهم على أرضهم، مقابل الاعتراف بـ"إسرائيل"، وهو ما حصل بالفعل.
ومروراً على السودان، فقد كان الضغط شديداً على السودانيين في سرعة التطبيع مع "إسرائيل"، في مقابل رفع اسم بلادهم من قائمة سوداء أميركية، على أن تدفع مبلغ 300 مليون دولار كتعويض لجريمة ألبسها الأميركيون للسودانيين. وبالتأكيد، في ظل الوضع الاقتصادي السوداني المتدهور، لا تستطيع حكومة السودان دفع ذلك المبلغ في ظل أزمة خانقة، فما على الوسيط إلا أن يدفع نيابة عن البلد، لكن بمقابل أن يطبّع، وعلى عجل، مع "دولة إسرائيل"، رغم أنه بلد "اللاءات الثلاثة" العربية، لكن الرحلات المكوكية للسودانيين إلى الإمارات فعلت فعلتها في نهاية الأمر بإعلان التطبيع.
من هنا، ومن خلال هذا السرد، ومن خلال ترابط بعض المواقف هنا وهناك، أكاد أتوجس من أن الإمارات لن تفوت فرصة تلوح أمامها في الأفق في استغلال ضعف اقتصادي لأية دولة عربية وإسلامية في حثها ودعمها للتطبيع مع "دولة إسرائيل" الصهيونية.
واليوم، ما دامت تبسط نفوذها على جزء مهم من اليمن، فلا أظنها ستفوت الفرصة، وخصوصاً أن اليمن يتموضع في موقع استراتيجي مهم يحلم باستغلاله الإسرائيليون منذ عشرات السنين إن أمكن، وفق عقود أو اتفاقيات أو تسهيلات وغير ذلك.
اليمنيون في الجنوب أو في الشمال، وجميع العرب، بل وجميع المراقبين والمحللين السياسيين، يعون ويعرفون أن الإمارات هي التي تسيطر على الوضع، بواسطة المليشيات التي أنشأتها في عدن وفي أجزاء أخرى من الجنوب اليمني، فهي تبسط نفوذها على ذلك الجزء من الجنوب اليمني، من خلال المليشيات التي أنشأتها. وبكل صلافة وعنجهية وتحدٍ للجميع، امتدت يدها إلى جزر آمنة مستقرة ولها موقع استراتيجي في بحر العرب، كجزيرة سقطرى اليمنية، وكذلك جزيرة ميون اليمنية عند مدخل باب المندب، ووصل بها الحال إلى أن تتصرف وكأنها دولة عظمى محتلة أو مالكة لتلك الجزر.
وفي السياق نفسه، يقال، والأخبار تتسرب، إنها سهلت لخبراء إسرائيليين زيارة الجزر. يبدو أنه مخطط خبيث تلعبه الإمارات على أرضنا اليمنية. وأيضاً، دعونا نزعم أن تماهي أو تساهل "التحالف" عن تصرفات الإمارات جعلها تسعى لتحقيق أجندة خاصة بها، أصبحت مكشوفة من بدايتها، في السعي لانفصال الجنوب اليمني، ومن ثم السيطرة على مقدراته، سواء بالقوة أو عبر اتفاقيات سيوقعها رغماً عنهم كل من ستجلبهم من خدمِها أو وكلائها الذين ستنصبهم من أهل الجنوب لإدارة الجنوب اليمني بعد انفصاله (إن نجحت في مخططها)، وهذا هو الحلم والمخطط الإماراتي الواضح للجميع، للسيطرة على الموانئ الرئيسية في اليمن من أجل استبعاد أي منافسة منها في المستقبل، تواجه موانئ دبي، حيث الموانئ اليمنية هي الأكثر منافسة في موقعها الاستراتيجي لدبي في حالة استقرار اليمن.
وسيطرة الإمارات اليوم على سقطرى، من خلال أذرع المليشيات التي جلبتها من خارج الجزيرة للجزيرة ودعمتها بقوه السلاح والمال، هي خير دليل على حقيقة ذلك الاستنتاج، وطمعها وخططها واضحة للعيان اليوم في التمكن من السيطرة على الجنوب اليمني بمفاصله الرئيسية، كالموانئ والمطارات ومصادر تصدير الثروة النفطية والغاز، كميناء بلحاف في محافظة شبوه.
ويبدو أن الرئيس هادي ممنوع عليه من قبل الإمارات أن يعود إلى بلده أو تعود حكومته. ومن المضحك أن تبقى تلك الحكومة ورئيسها كل تلك السنين في الخارج، وهناك مناطق "محررة" مثلما يدعون، والإماراتيون يتنقلون بصحبة من يريدون من جنسيات أخرى في اليابسة وفي الجزر وبكل حرية، فالإذن بدخول جنوب اليمن والعودة إليه أصبح منوطاً بالإمارات، واتضح أنه في أبو ظبي.
عندما لم يعد هادي إلى اليمن، ترك الإمارات تعبث بالبلد وتتسع سيطرتها على الأرض أكثر من اتساع سيطرة حكومته على الأرض، فقد تجاوزت مطالبها مسألة تحديد أسماء الحكومة ورئيسها، بل ووصلت إلى مشاركة مليشياتها في الحكم وفي وزارات تعتبر سيادية. ولا أستبعد أن تصل مطالب أبو ظبي إلى مسألة التنازل عن أراضٍ أو جزر بصورة اتفاقيات يوقعها وزراء تدخلهم الإمارات عنوة في الحكومة اليمنية الجديدة، وسيكون دورهم الأهم التوقيع على اتفاقيات ظاهرها التعاون والاستثمار وباطنها السيطرة والسيادة.
ومن هنا، إذا وصلنا إلى هذه المرحلة من الخذلان والاستسلام لكل مطالب الإمارات في الأرض اليمنية، فما على الإماراتيين إلا أن يجهزوا اتفاقية بنود التطبيع "اليمنية الجنوبية" مع "إسرائيل"، بعد أن ينجحوا في تفتيت اليمن كدولة واحدة.
هنا ستكون الإمارات أمام عرض مغرٍ ومضاعف يسيل له لعاب الصهاينة وداعميهم الأميركيين في دعم دولة انفصالية جنوبية، ومن خلالها يتم الاتفاق على سيطرة إماراتية على الجزر والموانئ اليمنية، حتى لا تقوم لها قائمة في منافسة ميناء دبي في عشرات السنين القادمة. وفي الإطار نفسه، تطبيع صهيوني مع هذه الدولة، وبالتأكيد سيقبل من تعينهم الإمارات ذلك بأيّ حجة، وبأي تبرير، وسيبيعون كل المبادئ التي طنطنوا رؤوسهم بها، وهو رد جميل مقابل كل ما خططت له ونفذته الإمارات لمصالحهم الشخصية فقط.
ترى هل تقدم الإمارات ذلك العرض وتساوم عودة هادي إلى عدن، في مقابل شروط متعددة من ضمنها تطبيع مع "إسرائيل"، وتدعمه بقوة، وتوهمه باعتراف ودعم أميركي في نهاية الأزمة؟ هل نرى في الأشهر القادمة الإيحاء بذلك لجسّ النبض أم يتحرك النصف الآخر من اليمن في صنعاء، ويبعثر كلّ الأوراق والخطط، ويقضي على الخطّة قبل أن تولد، ويحجّم الإمارات ويعيدها من حيث أتت بخفي حنين؟ الأيام القادمة حبلى بأحداث وتوقعات هنا قابلة للحدوث بعضها أو جميعها.