عملية اغتيال فخري زادة.. الأهداف والتوقيت وخيارات الرّد الإيراني

فشل التوافق على شنّ ضرباتٍ محدودةٍ ضد إيران، هو ما دفع ب"إسرائيل" للتحرك نحو عملية اغتيال فرديّة.

  • عملية اغتيال فخري زادة.. الأهداف والتوقيت وخيارات الرّد الإيرانيلم يمضِ إلاّ بضع ساعاتٍ حتى قامت السلطات الإيرانية بتوجيه أصابع الاتهام إلى
    لم يمضِ إلاّ بضع ساعاتٍ حتى قامت السلطات الإيرانية بتوجيه أصابع الاتهام إلى "إسرائيل"

تشهد إيران حالةً من الإجماع على ضرورة الردّ المباشر على عملية اغتيال العالم الإيراني البارز محسن فخري زادة.

وهذا الإجماع ينطلق من الدائرة الحكومية الضيّقة من وزير الدفاع، إلى رئيس مجلس الشورى، إلى قائد حرس الثورة، ووزير الخارجية، إلى الدائرة الموسّعة من القواعد الشعبية والنخب الأكاديمية.

لم يمضِ إلاّ بضع ساعاتٍ حتى قامت السلطات الإيرانية بتوجيه أصابع الاتهام إلى "إسرائيل"، على لسان المستشار العسكري للمرشد السيد خامنئي حسين دهقان. وجاءت اتهامات المسؤولين الإيرانيين لـ"إسرائيل"، نظراً للمشهد الكلّي لهذه العملية المشابهة لعمليات الاغتيال التي ينفّذها "الموساد".

وعلى الرغم من امتناع بنيامين نتنياهو، عن الردّ بالنفي أو الإيجاب على تبنّي هذه العملية، إلاّ أن الرئيس الأميركي غرّد منفرداً هذه المرّة، وأشار بصورةٍ ضمنيّة إلى وقوف "الموساد" الإسرائيلي خلف عملية الإغتيال. وذلك من خلال إعادة تغريد تغريداتٍ بالإنكليزية والعبرية للصحافي الإسرائيلي يوسي ميلمان، قال فيها إن "العالِم الإيراني فخري زاده كان لعدّة سنوات مسؤولًا عن البرنامج العسكري السرّي لإيران، ومطلوباً للموساد"، ومقتله يُعدّ ضربةً "سيكولوجية ووظيفية لإيران"، حسب تعبيره. ناهيك من أن نتنياهو أظهر صورة العالِم الإيراني واسمه خلال مؤتمرٍ صحافيٍّ عام 2018، مما يشير إلى أهمية هذا العالِم بالنسبة لكلٍّ من "إسرائيل" والولايات المتحدة. 

لا بد من التذكير بأنّ عملية الاغتيال هذه جاءت ضمن تسلسل أحداثٍ مهمٍّ لا يمكن إغفاله خلال الـ10 أيام الماضية. حيث بدأت هذه الأحداث بتقريرٍ لوكالة الطاقة الذرية صرّحت من خلاله بأنّ إيران رفعت من منسوب تخصيب اليورانيوم إلى 13 ضعفاً. لتكشف بعد ذلك صحف أميركية على رأسها "نيويورك تايمز"، عن تفاصيل اجتماعٍ جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومجموعةٍ من المستشارين العسكريين في "البنتاغون" بحضور وزير خارجيته مايك بومبيو.

سأل ترامب هؤلاء القادة عن مقترحاتٍ لضرب منشآتٍ نوويةٍ وحيويةٍ محدّدة في الأراضي الإيرانية، بالطبع صُعق الجميع من هذا السؤال ولعلّهم أجمعوا في الجواب، بأنّ شنّ عملياتٍ في العمق الإيراني لن يقف عند هذا الحدّ أبداً وأن إيران سوف تتّجه نحو مواجهةٍ مفتوحة في منطقة الشرق الأوسط وستنال نيرانها "إسرائيل".

لقد كان الرفض بين هؤلاء القادة شديداً للغاية إلى درجة أن وزير خارجيته بومبيو (والذي يُعرف بأنه الرجل الذي لا يقول "لا" لترامب) رفض هذا المقترح كذلك. بعد ذلك، تابعنا جولةً مكوكيةً لوزير الخارجية الأميركية في أوروبا والشرق الأوسط، انتهت هذه الجولة بلقاءٍ ثلاثيٍّ بين ابن سلمان وبومبيو ونتنياهو في مدينة "نيوم" السعودية.

يُعتبر هذا اللقاء، نقطة تحوّلٍ تاريخيةٍ في العلاقات الإسرائيلية-السعودية. حيث تحدّثت تقارير عن أنّ الأطراف ناقشت الملف الإيراني بوصفه ملفاً رئيسياً على طاولة الإجتماع. ففي الوقت الذي أكدّ نتنياهو بأنّ موقفه من إيران لن يتغيّر بتغيّر الحكومة الأميركية، جاء الردّ السعودي بأن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام إيران. وجاءت عملية الاغتيال هذه ضمن هذا السياق وبعد أيام على اللقاء الذي جمع بين نتنياهو وابن سلمان. مما أثار شكوكاً حول توقيته وأهدافه.

الأهداف وتوقيت عملية الإغتيال

- إن فشل التوافق على شنّ ضرباتٍ محدودةٍ ضد إيران، هو ما دفع ب"إسرائيل" للتحرك نحو عملية اغتيال فرديّة يقتصر بموجبها الردّ الإيراني على "ردٍّ فرديّ بالمثل" وفق الرؤية الإسرائيلية، دون الانزلاق نحو حربٍ مفتوحة.

- أصبح واضحاً للعلن بأن العملية جرت بمعرفة الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي، إذ أنّ المؤشرات الأخيرة للتحركات الأميركية-السعودية-الإسرائيلية تشير إلى ذلك.

- يبدو بأن الثلاثي الأميركي-الإسرائيلي-السعودي متفقون تماماً على تعقيد الملف الإيراني أمام الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي أعلن خلال حملته الانتخابية بأنه سيعود للانضمام إلى الإتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذه العودة تعني تهميشاً لدور السعودية في المنطقة (التي وصفها الرئيس المنتخب بايدن بعد عملية اغتيال خاشقجي بأنها دولةٌ مارقة)، وقد يوقف التعّطش الإسرائيلي نحو حربٍ شاملة (تشترك فيها الولايات المتحدة) ضد إيران.

الخيارات الإيرانية للردّ

لا بدّ من التنويه إلى أنّ الموقف الإيراني يستند إلى مفهوم "الصّبر الاستراتيجي" والذي يُطلق عليه الإيرانيون "صبر راهبردي" والذي صل بالفعل إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ بوصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض.

لقد تحمّل الإيرانيون عقوباتٍ قاسيةً على مدى أكثر من سنتين نتيجة الانسحاب الأميركي الفردي من الاتفاق النووي الإيراني. وعليه، فإن الردّ الإيراني يجب أن يكون مدروساً للغاية، ليتجنّب الضّرر بالعلاقات المحتملة بين طهران وبايدن. وتتحدّد خيارات طهران في الردّ على هذه العملية بما يلي:

- الهجوم المباشر على "إسرائيل"، والدخول في مواجهةٍ مباشرة معها. هذا الخيار، وإن كنّا نعتقد بأنه مستبعدٌ، إلاّ أنه يبقى خياراً مطروحاً على الطاولة، وذلك لأن تعدّي "إسرائيل" على المصالح الإيرانية يزداد يوماً بعد يوم في سوريا، وتطوّرت هذه التعدّيات لتشمل الأراضي الإيرانية نفسها.

إن هذا الخيار لا يعني دخول إيران الحرب منفردة، وإنما سيدخل حلفاء إيران في المنطقة في حربٍ مفتوحةٍ ضد "الأعداء"، وستكون نتيجة هذا الخيار كارثيّةً للغاية ليس على المنطقة فحسب بل على العالم أجمع.

- ضرب المصالح الإسرائيلية في البلدان المجاورة، وهذا خيارٌ مطروحٌ بقوة. وذلك لأن إيران حذرّت من خطورة التواجد الإسرائيلي في المنطقة، وبأنها لا تقبل السماح لـ"إسرائيل" بالتواجد في محاذاة حدودها.

ختاماً، لا نرى أن إيران سوف تتخلى عن حقّها في الردّ على عمليّةٍ استهدفت أبرز علمائها واستهدفت الداخل الإيراني، ولكننا في الوقت نفسه نؤمن بأنّ الإيرانيين غير متسرعين بالردّ أبداً ولطالما قالوا بأنهم هم من يحدّدون الزمان والمكان المناسبين للردّ، ولعلّ في مَثَلِهم الشعبي توضيحٌ لمفهوم الانتقام لديهم حيث يقولون بأنّ: "الانتقام هو طعامٌ يجب أن يُقدّمَ بارداً".