مشروع قانون "الأمن الشامل" في فرنسا وخطره على الحريات
مشروع القانون يقوم على حماية الشرطة الفرنسية من الانكشاف أمام الإعلام والمجتمع المدني، والذي تجهد الأكثرية البرلمانية لإقراره، يأتي وسط أزمة فرنسيَّة عميقة تحت عنوان "حرية التعبير".
يناقش البرلمان الفرنسي مشروع قانون بعنوان "الأمن الشامل"، قدَّمته الأكثرية النيابية التابعة لحزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام". المشروع يتضمّن إجراءات أمنية عديدة، لكن أهم ما يثير الخلاف فيه هو المادة التي تتعلَّق بمنع تصوير قوى الأمن خلال عملها، ما يفرض ستاراً على عمل الشرطة في الميدان، ويؤمّن لها الحرية التامّة لفعل ما تريد بعيداً من الإعلام ومحاسبة وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا المشروع ليس وليد اليوم، فقد تمَّ التحضير له قبل سنتين، حين فضحت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وحشية الشرطة وقمعها المحتجين في شوارع فرنسا، متسببةً بسقوط قتلى وجرحى ومشوَّهين بين المواطنين.
وكانت حركة "العدالة لأداما"، بمطالبتها بمحاسبة أفراد الأمن الذين تسبَّبوا بمقتل أداما تراوري، وهو شاب فرنسي من أصل أفريقي، مثّلت ضغطاً كبيراً على وزارة الداخلية ونقابات الشرطة، بعد أن وصلت حركتها الاحتجاجية إلى مستوى واسع، وأيّدتها قطاعات واسعة من الفرنسيين، تحت عنوان وقف عنف الشرطة، وهو عنف رصدته الكاميرات وهواتف المشاركين في الاحتجاجات، ومثّل إدانة دامغة للكثير من رجال الأمن.
مشروع القانون الذي يقوم على حماية الشرطة من الانكشاف أمام الإعلام والمجتمع المدني، والذي تجهد الأكثرية البرلمانية لإقراره، يأتي وسط أزمة فرنسيَّة عميقة تحت عنوان "حرية التعبير". لقد أرادت إدارة ماكرون هذا العنوان مسوغاً لاستمرار نهج رسومات مجلة "شارلي إيبدو" المسيئة إلى النبي محمد، التي تسببت بعمليات انتقامية أدت إلى قلاقل واحتجاجات وصدامات استغلها فريق الرئيس ماكرون واليمين المتطرف لشنِّ ما وُصفَت بأنها حرب على المسلمين في فرنسا، تحت ذريعة الدفاع عن قيم الجمهورية وصون حرية الرأي والتعبير.
اليوم، وخلافاً للشعارات التي ترفعها الحكومة دفاعاً عن حرية التعبير، تناقض وزارة الداخلية، بتوجيه من ماكرون، سياسة الحكومة المعلنة حول الحرية، وتريد أن تفرض قانوناً يحاصر الإعلام والمواطن.
مناهضو مشروع قانون "الأمن الشامل" يتّهمون الحكومة بأنّها تسعى إلى تقييد الحريات وتأمين تغطية شاملة لقوى الأمن، بالتصرّف وفق ما تقتضيه أوامر السلطات، وذلك في مرحلة حسَّاسة تعلن فرنسا فيها أنها في حرب مع الإرهاب الإسلاميّ!
قيادة حملة الرفض تتولاها حركة "فرنسا غير الخاضعة"، عبر زعيمها جان لوك ميلونشون، وغيرها من الأحزاب المعارضة للحكومة، باستثناء اليمين المتطرف. وقد قدَّم ميلونشون مطالعة سياسية قانونية إنسانية في البرلمان، فنّد فيها المشروع المطروح، واعتبره طعنة للحريات في فرنسا. وتُرصد حركة احتجاجات في الشارع تنذر بتصعيد المواجهة ضد القانون، الذي يعتبره صحافيون ووسائل إعلام محاولة "لإزالة مصدر أدلة مهم" يدين قمع الشرطة، بل ويسمح لها "بإخفاء ارتكابها القمع"، ولا سيّما بعد تسجيل اعتقالات بحق مراسلين كانوا يغطون بعض المواجهات بين محتجين والشرطة.
ونظراً إلى مخاطر القانون المقترح على عموم الفرنسين، فقد اتسعت حركة المعارضة لتشمل الاتحاد الوطني للقضاء الفرنسي، الذي رأى أن الشرطة ستكون الجهة الوحيدة التي يحقّ لها أن "تهرب من شرف الكاميرا، فيما كان لافتاً تحذير منظمة العفو الدولية من أن إقرار القانون سيضع الحكومة الفرنسية في إطار انتهاك ميثاق الأمم المتحدة الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966، الذي يحمي حرية التعبير.