حين عزف الجيش الجزائري النشيد الوطني الفلسطيني في قصر الصنوبر
تتحدث إحدى المصادر أن الرئيس الشاذلي، "حرص شخصياً على إقامة حفل إعلان الدولة الفلسطينية من أرض الجزائر، وجنّد كل المتطلبات السياسية واللوجيستية.
هي وثيقة إعلان الاستقلال لدولة فلسطين (للمرة الثانية) في تاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988، في مدينة الجزائر العاصمة، في قاعة قصر الصنوبر تحديداً؛ علماً بأن الإعلان الأوّل للاستقلال، كان قد تمّ في تشرين الأوّل/أكتوبر عام 1948، وأعلنته حكومة عموم فلسطين في غزة خلال انعقاد مؤتمر المجلس الوطني.
نصَّ الإعلان على تحقيق استقلال دولة فلسطين على أرض فلسطين وحدّد القدس عاصمةً أبديّةً لها. مع نهاية الإعلان، عزفت موسيق الجيش الجزائري النشيد الوطني الفلسطيني. قامت 105 دول بالاعتراف بهذا الاستقلال، وتمّ نشر ما يقارب 70 سفيراً فلسطينياً في عددٍ من الدول المعترِفة بالاستقلال. ويُذكر أن الشاعر محمود درويش، هو من كتب وثيقة الاستقلال، وبأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات هو من ألقاها.
هنا، يبرز دور الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، في تحرير الدبلوماسية الجزائرية من قبضة "الزواج الكاثوليكي" الذي كان يحكم علاقات الجزائر الخارجية سابقاً، والذي لم يخرج عن محور (الجزائر – موسكو). غير أن هذا الانفتاح لم يحُلْ دون تمسّك الجزائر بالقضايا المصيرية للأمة، وفي مقدّمها قضية فلسطين.
فتؤكّد الإنجازات التي حقّقتها الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الممتدة بين نهاية السبعينات ومطلع التسعينات، أن الرئيس الشاذلي، كان بحقّ "حمامةَ سلامٍ"، بفضل جهوده الكبيرة في إخماد بؤر النزاع والتوترات ونُصرة المظلوم في العالم والمنطقة العربية على وجه التحديد. ويذكر التاريخ، أن الجزائر في عهد الشاذلي، كانت الوحيدة من بين 23 دولةً عربيةً في ذلك الوقت، التي أظهرت شرف وشجاعة احتضان اجتماع إعلان استقلال دولة فلسطين، وكان ذلك بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988، في قصر الأمم، في "نادي الصنوبر"، وفي الوقت الذي مالت فيه الكثير من الدول العربية نحو إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع الدولة العبرية.
تتحدث إحدى المصادر أن الرئيس الشاذلي، "حرص شخصياً على إقامة حفل إعلان الدولة الفلسطينية من أرض الجزائر، وجنّد كل المتطلبات السياسية واللوجيستية، إيماناً منه بمركزية هذه القضية وثقلها لدى الشعوب العربية والإسلامية"، بالرغم من خطورة ما قد يترتّب على عملٍ من هذا القبيل، في وقتٍ زال فيه نظام القطبين.
ويقول المختصّون في الشؤون الدبلوماسية، إن القضية الوحيدة التي تبنّاها الشاذلي بن جديد، كما ورثها عن سلفه الراحل هواري بومدين، هي القضية الفلسطينية، مجسّداً بذلك العبارة الشهيرة "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة". وجاء هذا التوجّه، تتويجاً أخرجته الدبلوماسية التي قادته إلى عدد من الدول العربية، في ما عُرف بجبهة الصمود والتصدّي.
على غرار الشاذلي، حضر عرفات الذي رحل بعد 16 عاماً من هذا الإعلان، وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى). آنذاك، وبعد أن فُرض عليه الحصار الخانق وقام العدوّ بتحميله المسؤولية الكاملة عن تصاعد وتيرة الانتفاضة، رفض الرضوخ للأمر الواقع الذي حاولت حكومة الاحتلال تمريره من خلال جولات التفاوض في "كامب ديفيد" و"واي ريفر".
وما يبقى، هو يوم ذكرى الاستقلال الفلسطيني وإعلان قيام دولة فلسطين بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 بالعاصمة الجزائرية، حيث ألقى الراحل ياسر عرفات خطاب إعلان الدولة. يتم إحياء ذكرى إعلان الدولة الفلسطينية أو يوم الاستقلال الفلسطيني في اليوم ذاته من كل عام، حيث يُحيي الفلسطينيون ذكرى إعلان الاستقلال عن "إسرائيل"، وهو يوم عطلة رسمية في فلسطين. نتج عن إعلان الاستقلال الفلسطيني تثبيت إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة وأجزاءَ من الضفة الغربية، واعتراف عددٍ من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بدولة فلسطين.
وسط كل ذلك، يُلاحَظ على أرض الواقع تراجع الموقف الرسمي العربي تحت ضغط التوجّه الأميركي لحرف البوصلة عن مسارها. ولكن الشعب الفلسطيني أعاد تجديد الرهان على فرصة الخروج من أزمة الانقسام والتشرذم الداخلي والانطلاق مجدداً لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني والوحدة الوطنية وإجراء الانتخابات الشاملة لمؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية والاستعداد لمواجهة التحديات المصيرية التي تهدّد مستقبل المشروع الوطني والثوابت السياسية التي كرّستها وثيقة إعلان الاستقلال كحقيقةٍ راسخةٍ في الحياة الفلسطينية.
لقد حضر إعلان وثيقة الاستقلال كحقيقةٍ يمكن تقريب ساعة تجسيدها على الأرض ولا خيار آخر أمام الاحتلال الإسرائيلي سوى التسليم والرحيل عن الأرض الفلسطينية والعربية التي تُستحق الحياة عليها بمزيدٍ من التضحيات والمقاومة حتى تعزف الجيوش العربية والإسلامية النشيد الوطني الفلسطيني في القصور والميادين.