مجاعة اليمن المنسية.. لحظة من فضلكم!
تطرق المجاعة أبواب اليمن من جديد، تتفشى في شوارعه، وتتنقل من محافظة إلى أخرى لحصد مزيد من الأرواح. في بلد يعيش حرباً سعودية شرسة لا ترحم، ووباء قاتل.
ماذا كانت وجبة فطورك لهذا اليوم؟ هل جرّبت البقاء بلا طعام لأسبوع كامل؟ هل اختبرت شعور الجوع القاتل؟ هل نمت يوماً على أمعاء خاوية، أو استيقظت ذات صباح فلم تجد في منزلك طعاماً؟
تخيل أن طفلك جاءك يوماً ليقول لك: " أنا جائع"، فنظرت من حولك فلم تجد كسرة خبز تسد بها جوعه، بماذا ستشعر؟
أسئلة مؤلمة، لا يعرف مذاق أجوبتها المر إلا الشعب اليمني، ومهما أطلقنا العنان لمخيلتنا، فلن تسعفنا في تقدير حجم الكارثة التي يعيشها ملايين اليمنيين، ولن ننجح في تصور موقف كهذا، أليس كذلك؟
دقت الساعة.. واقتربت الكارثة
تطرق المجاعة أبواب اليمن من جديد، تتفشى في شوارعه، وتتنقل من محافظة إلى أخرى لحصد مزيد من الأرواح، فلا يوجد شبر في اليمن سلم من بطش الجوع والفاقة.
بلغة الأرقام، فإن 80% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، وهم بحاجة مُلحّة إلى المساعدات، وأكثر من 20 مليون يمني يعانون من الجوع المزمن، ويفتقرون للخدمات الصحية، بينما يعاني مليون طفل من سوء التغذية الحاد، كذلك يشتبه بإصابة أكثر من مليوني شخص بالكوليرا، وتحتاج ربع مليون سيّدة حامل ومرضعة إلى علاج من سوء التغذية، يضاف إلى هذه الأرقام وجود 3.6 ملايين نازح جراء الحرب، ونحو 6 ملايين نازح بلا مأوى.
ست سنوات من حرب لا مثيل لها، 270 ألف غارة شنها التحالف السعودي منذ انطلاق حملته العسكرية. دمار، خراب، ويلات متتالية، أمراض، وعداد موت سجل استشهاد 12 ألف يمني وجرح 112 ألف آخرين، كذلك كبّدت هذه الحرب اليمن، البلد العربي الأكثر فقراً، خسائر اقتصادية تجاوزت 80 مليار دولار بحسب تقارير حكومية.
المنظمات.. "سماسرة" الأزمات
أمام هذا الخطر الداهم، دق برنامج الغذاء العالمي ناقوس الخطر، وقال إن كارثة مقبلة ستضع حياة جيل بأكمله من أطفال اليمن على المحك، وأكد في تقريره أن سوء التغذية الحاد لدى الأطفال وصل إلى أعلى مستوياته.. محذراً من أنه في حال لم يتدارك المجتمع الدولي الأمر، فإن البلاد ستقع في شرك مجاعة مدمرة خلال أشهر قليلة.
ممثل منظمة اليونيسف في اليمن فيليب دوميل، طالب بدوره المجتمع الدولي بمزيد من التمويل والدعم المالي، فخلال الآونة الأخيرة، توقفت العديد من المشاريع الإغاثية، بما في ذلك المساعدات الغذائية الطارئة وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، بسبب نقص التمويل، كذلك دخلت برامج علاج سوء التغذية أيضاً دائرة الخطر بسبب قلة الموارد والأموال.
في المقابل، تتهم أوساط يمنية المنظمات الدولية بالفساد والمتاجرة بمعاناة اليمنيين وهدر التبرعات لسد نفقاتها إلإدارية. صحيفة الوطن العدنية كشفت قبل أيام عن فضيحة جديدة لبرنامج الغذاء العالمي تمثلت بوصول شحنة دقيق تالفة "مسوس" السبت الماضي على متن باخرة إلى ميناء المعلا في عدن، وتؤكد الصحيفة نقلاً عن مصادرها بأن هيئة المواصفات وضبط الجودة اليمنية حجزت على الباخرة لإتلاف الحمولة الفاسدة.
كورونا.. "حرب" فوق الحرب
المصائب لا تأتي فرادى، مقولة يدرك معناها اليمنيون الصامدون منذ عام 2015 في وجه آلة الحرب والحصار، وكأن هذا الشعب لا يكفيه ما حل به من ويلات بفعل التحالف السعودي والتآمر الغربي والصمت الدولي عن الكارثة، حتى جاء فيروس كورونا ليقضي على ما تبقى ويدفع الوضع المتدهور باتجاه الهاوية في بلد دمرت الحرب 70% من قطاعه الصحي.
في الأشهر الأولى لظهور الجائحة ظل اليمن محصناً من انتشارها بفعل الحصار المفروض عليه، لكنها كانت مسألة وقت لا أكثر، حيث أعلن عن تسجيل أول إصابة بالوباء في التاسع من شهر نيسان/ أبريل الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، وعدوى كورونا تضرب في طول البلاد وعرضها، مسجلة أعلى نسب للإصابات والوفيات في العالم.
الارتفاع الجنوني للإصابات يقابله انهيار للقطاع الصحي، وحصار يمنع دخول المساعدات الطبية، وفحوص مخبرية خاطئة، ونقص في الأدوية ومستلزمات الوقاية للحد من انتشار الوباء، كل ما سلف ذكره، يفتح على اليمن حرباً جديدة ويثقل كاهله ويفاقم مأساة شعبه الذي تفتك به أوبئة أخرى، ومنها الكوليرا والدفتيريا والملاريا وحمّى الضنك، وغيرها من أمراض أصابت نحو مليون يمني، وراح ضحيتها أكثر من أربعة آلاف مصاب.
بايدن.. نهاية الحرب
قبل ساعات من اليوم، قالت مجلة فورين بوليسي "Foreign Policy" إن البيت الأبيض يستعد لإدراج حركة أنصار الله على قائمة الإرهاب.. ولفتت إلى أن ذلك سيعرقل عمل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن في المستقبل، مشيرة إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو يسعى إلى تسريع هذا المسار، باعتباره جزءاً من سياسة "الأرض المحروقة" التي يتبناها البيت الأبيض حالياً.
وكما بات معلوماً للجميع، فإن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب غرقت في وحول هذه الحرب من رأسها حتى أخمص قدميها، حيث كشفت تقارير غربية عن حجم التورط الأميركي في دعم التحالف السعودي، وإبرام صفقات السلاح معه، وتمويل التنظيمات الإرهابية في اليمن، وغض الطرف عن المجارز والانتهاكات بحق شعب أعزل.
ملفات ساخنة تنتظر جو بايدن، على رأسها الملف اليمني المشتعل. وعود كثيرة أطلقها الرجل خلال حملته الانتخابية من بينها إنهاء الدعم الأميركي للحرب، ووضع حد لها وإعادة تقييم العلاقة بين بلاده والرياض، فهل يفي بايدن بهذه الوعود، أم أنه كأسلافه سينقضها بعد دخول البيت الأبيض؟