إقالة إسبر.. لنعرف الهدف علينا معرفة السبب!
طال النقاش والأخذ والردّ بين دونالد ترامب وجو بايدن في سابقةٍ لم تحدث إلاّ نادراً في تاريخ الولايات المتحدة، مما أدّى إلى انقسامٍ حادٍّ وعاموديٍّ في الشارع الأميركي بين "الديمقراطيين" و"الجمهوريين".
بعد أيامٍ من إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، شهدت الساحة الأميركية الكثير من اللّغط والنّقاش حول نزاهة الانتخابات وعمليّة التصويت، حيث فرض وباء كورونا طريقةً جديدةً وغير مألوفة سابقاً تمثّلت بالتصويت عبر البريد، وهو أسلوبٌ دعمه "الديمقراطيّون" واحتج عليه الحزب الجمهوري، فقام ملايين الأميركيين بالتصويت عبر البريد، أغلبهم من الحزب الديمقراطي، وقبل موعد الانتخابات في 3 تشرين الثاني/نوفمبر.
بدأت المشكلة مع بدء فرز الأصوات حيث تفوّق ترامب في فرز أصوات الناخبين يوم الانتخابات وسارع حينها إلى إعلان تفوّقه واحتمالية فوزه دون احتساب الأصوات التي أُرسلت عبر البريد.
أصوات البريد كانت كفيلةً بقلب الموازين في العديد من الولايات الحاسمة والمتأرجحة أهمها بينسيلفانيا وجورجيا وميشيغان وويسكونسين. كان ترامب متقدّماً في هذه الولايات على خصمه بايدن إلاّ أن احتساب أصوات البريد قلبت النتائج لصالح المرشح "الديمقراطي" مع فارقٍ بسيطٍ في غالبيتها، مما دفع بايدن إلى إعلان فوزه بشكل أوليّ.
هذا الإعلان لم يعجب ترامب الذي سارع إلى التشكيك به معتبراً أنه "نصرٌ مزيّفٌ". ذهب الرئيس الأميركي إلى أبعد من ذلك في التشكيك بنزاهة الانتخابات والطعن بنتائجها متّهماً بعض الولايات بالمشاركة بالتزوير عبر احتساب أصواتٍ غير قانونية، حسب زعمه.
طال النقاش والأخذ والردّ بين المرشّحَين في سابقةٍ لم تحدث إلاّ نادراً في تاريخ الولايات المتحدة، مما أدّى إلى انقسامٍ حادٍّ وعاموديٍّ في الشارع الأميركي بين "الديمقراطيين" و"الجمهوريين".
لم يقتصر هذا الانقسام على الشارع بل شمل أيضاً الكونغرس والقضاء الأميركي لنشهد على مرحلة جديدة في أميركا لن ينتهي فيها هذا النقاش مع دخول بايدن البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير ولا حتى مع بقاء ترامب لولايةٍ ثانية في حال أعلن القضاء الأميركي زيف ادعاءات بايدن بالنصر، بل سيمتدّ إلى وقت طويل على غرار ما حدث بعد انتخابات 2016 حين اتُّهمت روسيا بـ"التدخل بالعملية الانتخابية" بطلبٍ من ترامب نفسه.
بين 7 تشرين الثاني/نوفمبر و 20 كانون الثاني/يناير مرحلةٌ انتقاليةٌ قد يستخدم فيها ترامب آخر أوراقه المحلية والخارجية بما في ذلك احتمالية عملٍ عسكريٍّ ما في الشرق الأوسط ضد إيران وحلافائها. هذا الاحتمال عزّزه قيام ترامب منذ أيام بمروحة تغييرات في مناصبَ حساسةٍ أغلبها ذو طابعٍ عسكريٍّ وأمنيّ، أهمها إقالة مارك إسبر وزير الدفاع، وتعيين كريستوفير ميلير، بدلاً عنه.
إذا أردنا أن نعرف هدف الرئيس ترامب من إقالة مارك اسبر، علينا أن نعرف سبب الإقالة أولاً.
في صيف هذا العام، شهدت أميركا الكثير من المظاهرات المناهضة لترامب بعد مقتل مواطنٍ أميركي من أصول أفريقية على يد أحد رجال الشرطة. حينها، لوّح إسبر بالاستقالة احتجاجاً ورفضاً لرغبة ترامب بإقحام الجيش الأميركي في قمع المتظاهرين والتصدي لهم. كما أن الصحافة الأميركية ذكرت أكثر من مرّة نيّة إسبر بالاستقالة بسبب احتمالية قيام ترامب بضرب مواقع إيرانية مختلفة، للضغط عليها ومن أجل أن تقدّم تنازلات في الملف النووي بعدما أثبتت العقوبات فشلها في إرغام طهران الجلوس على طاولة مفاوضات جديدة مع أميركا قبل الاستحقاق الانتخابي.
إذن هذه هي أسباب الإقالة على ما يبدو، لنستنتج منها أن ترامب أراد خلال هذه المرحلة الانتقالية أن يأتي بوزيرٍ للدفاع ينفّذ ما يُطلب منه دون اعتراض، فالأوامر التي قد يصدرها ترامب استناداً إلى تحليل أسباب الإقالة تتمثّل في تصعيد الملف الإيراني واحتمالية استخدام الجيش الأميركي في الداخل رغم استبعاد الكثير من المحللين الأميركيين لهذا السيناريو.
بدأ ترامب مؤخراً التصعيد في وجه إيران عبر فرض المزيد من العقوبات عليها مستغلاً آخر أيامه في البيت الأبيض لإغراق إيران في العقوبات الاقتصادية بهدف دفعها إلى عمل عسكري في مياه الخليج. حينها، ستشتعل المنطقة وتُسلّم لبايدن في الـ20 من كانون الثاني/يناير ملفات ساخنة من الصعب أن يحقق فيها إنجازات خلال ولايته. وبالتالي ترتفع حظوظ ترامب في الفوز في الانتخابات القادمة في خريف 2024 إذا أراد أن يترشح كما هو متوقّع.