لماذا نهتم بمؤتمر عودة اللاّجئين؟
انعقاد المؤتمر في دمشق هو تفصيل هام قد يبدو للبعض أمراً ثانوياً، إلا أنه يعطي جملةً من الرسائل السياسيّة والدبلوماسية عن قدرة هذا البلد في الصمود رغم الصعاب، وعن استمرار عمل الدولة والمؤسسات بالرغم من محاولات تفكيكها وإفشالها بسبب العقوبات.
لطالما حمل موضوع اللاّجئين أبعاداً عديدةً، بُعدٌ إنسانيٌّ بالنسبة للمهتمّين، وبُعدٌ أخلاقيٌّ ووطنيٌّ بالنسبة للسوريين، ولكن هناك أيضاً بُعدٌ سياسيٌّ سيء الذِّكر تتبنّاه الدول الضالعة بإشعال الأزمة السوريّة واستمرارها؛ فاللاّجئون عند تُجّار السياسية والانسانية والدين يتحوّلون إلى مجرد ورقة ضغط، لا أكثر ولا أقل، وما احتجاز السورييّن في بعض المخيّمات إلا خير دليل على ذلك.
إن انعقاد المؤتمر في دمشق هو تفصيل هام قد يبدو للبعض أمراً ثانوياً، إلا أنه يعطي جملةً من الرسائل السياسيّة والدبلوماسية عن قدرة هذا البلد في الصمود رغم الصعاب، وعن استمرار عمل الدولة والمؤسسات بالرغم من محاولات تفكيكها وإفشالها بسبب العقوبات، ويدحض أساطير المعارضات التي تتحدث في كل مرة عن النوايا الانتقامية للحكومة السوريّة.
الهامّ في المؤتمر، ناهيك من أهمية موضوعه و إيلائه الدعم السياسي المقبول، أنه كرّس مزاجاً وتوجهاً سورياً، رسمياً وشعبياً، بأن اللاجئين قضيةٌ سوريّةٌ بصرف النظر عن التوجّهات والآراء السياسيّة. إن انعقاد المؤتمر في دمشق يُشكّل تحركاً سياسياً ودبلوماسياً، علّه يجلب تحركات إيجابية أخرى تستفيد منها سوريا والمنطقة، تحركاتٌ يجب أن تحظى بالقدر الكافي من الدعم الدولي لحل أزمات اللجوء كافة، ودحر خطر الإرهاب، ودعم الاستقرار، وما شاكل. إن بعض التفاصيل وإن بدت شأناً سورياً، أو شرق اوسطي، إلا أن حلّها بالكامل يحتاج إلى أطراف ودول أخرى.
قد لا تبدو الأوضاع الحاليّة في سورية نموذجية، فالأضرار بالجملة والعقوبات الأميركية تتعمّد تضييق الخناق، وتحتاج قرى وبلدات بأكملها إلى إعادة الإعمار، إلاّ أنها تتعثّر بفعل هذه السياسات، ولكن مهما بلغت الأوضاع سوءاً، لن تكون أسوأ من خيم اللّجوء في الشتاء، ومهما كانت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ضاغطة في الداخل، فأضرارها، مهما بلغت فداحتها، لن تساوي ضرر تسرّب جيلٍ كاملٍ من المدارس. لدينا الآن تحدٍّ عالمي يتعلق بوباء كورونا وانعكاساته في ظلّ ظروف اللجوء القاسية واتساع رقعة المخيمات والأوضاع المتردّية فيها، وبناءً عليه، فعلى من يستغرب انعقاد هذا المؤتمر أن يقوم بمراجعة هادئة لأوضاع اللاجئين في المخيمات، وليس لأوضاع المغتربين في بعض العواصم الأوروبية. لا يزال البعض حتى اليوم يخلط بين المغترب واللاجئ، والحقيقة أنه ثمة فرق كبير، وإذا تمكن المؤتمر من إنهاء هذه المخيمات فقط، دون عودة جميع اللاجئين السورييّن المنتشرين في كافة دول العالم، فسيكون حينها قد أحرز نجاحاً باهراً حتى وإن تغيّبت عنه دول عديدة أو منظمات معنيّة.
قد تكون الطريق طويلة لإعادة كافة الأمور السوريّة إلى نصابها، ولكن ذلك لا يمنع من القيام ببعض الخطوات الممكنة حالياً، كموضوع اللاجئين ومؤتمر اليوم، ولا فرق بين أن تكون أولوية بعض الدول المشاركة في المؤتمر أخلاقية أو إنسانية أو اقتصادية، المهم أن ألا تكون النيّات السيئة مُبيّتة، والأهم ألاّ يكون السوري خاسراً، وهذا هو واقع المؤتمر بصورة عامة
نتطلّع بلهفةٍ إلى نتائج المؤتمر وننتظر أن تحمل توصياته ومخرجاته جداول زمنية محددة وخطوات واضحة وعملية، فجميعنا مُتلهّف لعودة الأهالي إلى قراها وبلداتها، وحفظ حياتهم وكرامتهم ومستقبل أطفالهم.