رسالة الوحدة في ذكرى مولد الرسول
نرى دائماً وباستمرار في كتاب الله وسيرة الأنبياء وحديث خاتم النبيين تأكيداً على الوحدة بين المسلمين مهما اختلفت لغاتهم وألوانهم وطوائفهم.
في أسبوع ولادة النور حبيب الله محمد بن عبدالله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، خير المرسلين وسيّد الوصيّين، نعودُ لنجدّدَ العهد. إننا اليومَ في مناسبة مؤتمر الوحدة الإسلامية الرابع والثلاثين، في شكلِه وظروفِه الطارئة والحديثة بفعلِ الوباء العالميّ، نلتقي لنتذكّر ميثاقَ الوفاء والقرب والاتحاد، لنطرحَ على بعضِنا البعض وعلى أنفسنا، سؤالَ ما إذا كنّا لا نزالُ ثابتينَ على العهدِ ورسالة الوحدة التي كانت منذ نزول الوحيِ على سيّد المرسلينَ بمثابة الشرطِ اللازم لإحقاقِ الأصل الأوّل من أصولِ دينِنا الإسلاميّ؛ التوحيد.
في كلّ عامٍ بهذه المناسبة، نستعرضُ تاريخِ الوحدة بينَنا، تاريخ الوحدة الإسلامية والأمّة الواحدة منذ فجر الثورات الإصلاحية والنهضويةِ والإسلامية، منذ فجرِ تشكّلِ الملامحِ الأولى لمفهوم "الأمّة الواحدة" التي اعتبرها رموزُ الإصلاحِ والصحوة ملاذاً آمناً وسلاحاً فاعلاً في وجه الغزو الفكري والإستعمار السياسي والثقافي والأيديولوجي على حدٍّ سواء.
هذا المفهوم الذي نلمسُ معانيه بين الفلاسفة كلاً حسبَ رؤيتِه من ابن سينا والغزالي وآخرين، تجلّى أيضاً في حركات الإصلاح في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، مثال جمال الدين الأسد آبادي، محمد عبده، حسن البنّا وكثيرين آخرين، بدءاً من مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية وانطلاق الحركات النهضوية التي كانت تتطلّعُ إلى الإصلاح والعودة إلى الدين المحمدي الأصيل في ما يتعلق بالأخلاق وإقامة الدين وكتاب الله واحترام عقائد الآخرين والابتعاد عن التنازع والفرقة والاعتصام بحبل الله جميعا.
هذه الثوابت والأصول التي اندرجت تحت عنوان الدعوة إلى الوحدة الإسلامية امتدّت ليرفعَ شعارها رموز الثورة الإسلامية الإيرانية ما قبل الانتصارِ وبعده، مثال السيد هادي خسروشاهي، الدكتورعلي شريعتي، الإمام موسى الصدر ودور الإمام الخميني (قده) الريادي في رسم ملامح الوحدة الإسلامية والتقريب والذي كان على رأس من صاغوا هذه الرسالة، وقائد الثورة الإمام الخامنئي دام ظله الذي استلم الرسالة ومضى في تنفيذ خطوتِها الثانية ما بعد الانتصار.
الرسالة التي حملتها الوحدة الإسلامية كانت رسالةً تبليغيةً تحملُ أصول الدين بما يخدمُ مفهوم الأمة الواحدة. وخيرُ من أدّى هذا الدورَ الرياديّ كان المرحوم آية الله الشيخ محمد علي التسخيري رحمه الله، والذي نستشعرُ اليومَ بعمقٍ غيابَه عنّا في هذه المناسبة على وجه الخصوص. فهذه المناسبةُ لطالما كانت بمثابة العيدِ له، وهذه الأيامُ كانت ساحةَ جهادِه وميدانَ عملِه.
لقد صار التقريبُ ما بعد انتصار الثورة الإسلامية أكثر عملانيةً، فازدهرت هذه الحركات مثل دار التقريب في مصر، ندوة علماء الهند ومجمع الفقه في جدّة. تقول الآية الكريمة: "وإنّ هذه أمّتُكم أمةٌ واحدةٌ وأنا ربُّكم فاعبدون". ويقول نبي الله محمد (ص): "المؤمنونَ كَيَدٍ واحدة".
نرى دائماً وباستمرار في كتاب الله وسيرة الأنبياء وحديث خاتم النبيين تأكيداً على الوحدة بين المسلمين مهما اختلفت لغاتهم وألوانهم وطوائفهم. فالوحدةُ نقطةُ القوةِ الأنجع، التي نجابهُ بها المساعي الحثيثةَ لإيجاد التفرقة والتنازع والعصبيات بين المسلمين على يد التكفيريين الذين لا دين لهم في الحقيقة. فإنّ محمّد رسول الله أخبرَنا بأنه جاء ليتمّمَ مكارمَ الأخلاقِ فينا، فنكونَ خيرَ أمةٍ بين الأمم.
واليوم أصبحَ يشاركُ في مؤتمر الوحدة رموزُ المذاهب والطوائف والأديان وكبار رجالات مجامع التقريب والحوار والوحدة والإتحاد، حتى قامت بين الدول الإسلامية أواصرُ متجذّرة منذ انبعاثِ محمّدٍ (ص) وحتى اليوم وعلى امتداد الدهر، لأنها رسالةٌ خالدة تبقى أقوى من مساعي بثّ الفتنة وإحداث الفرقةِ والانشقاق، ونشر ثقافة الكراهية باسم الديمقراطية وحرية التعبير والفوضى الخلّاقة وادعاء الذّود عن حقوق الإنسان.
كل مولد نبوي والجميع بألف خير.