الوحدة الفلسطينيّة ضرورة وواجب وطنيّ
إذا كانت هناك فرصة في الأفق لأن يكون العمل وحدوياً، من أي طرف كان، فهذه الفرصة لا تعوَّض، وخصوصاً في ظل التراجع العربي الخطير.
أمام محدوديّة الخيارات لدى الفصائل الفلسطينية، وقلة تأثير تصريحاتها، وعدم استجابة الكثير من الدول لها، أصبح الخيار الوطني سبيلاً أوحد. وعليه، إن تنازل الفصائل لبعضها البعض على المستوى الوطني والداخلي هو الخيار الأوفر حظاً والأفضل والأقل ضرراً، فخيار الوحدة الصادق والصحيح سياسياً هو الدخول تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن يتم تطويرها وتفعيلها، فمن الممكن أن تكون المنظمة إطاراً جامعاً للكل الفلسطيني، بل من المهم أن تكون كذلك، وكذلك توحيد العمل الجماهيري ضمن لجنة القيادة الموحّدة للمقاومة، فهذه اللجنة قد تشكّل طوق نجاة للمشروع الوطني كلّه، كما كانت الانتفاضة الأولى طوق نجاة للفلسطينيين. ويمكن لهذه اللجنة قيادة انتفاضة جديدة تمثّل جدار صدّ منيعاً للفلسطينيين أمام المشروع الصّهيونيّ والانهيار العربيّ.
لا شكَّ في أنَّ الانهيار العربي موجود تاريخياً، لكن هذا المشهد الذي نراه، وقطار التطبيع الذي يسير سريعاً ليشمل العديد من الدول، وحصار محور المقاومة، والتضييق على قوى المقاومة الجادة في الداخل والخارج وأينما ذهبت، يجعل السؤال حاضراً وبقوة: كيف يمكن مواجهة تلك التحديات؟
وللإجابة على هذا السؤال، نقول: لا تتم مواجهة تلك التحديات إلا بالوحدة. ولصعوبة الأمر، لا توجد أمامنا مساحة للمناورة: هل نتبنى الوحدة أم لا! بل هي ضرورة لمواجهة العدو والتحديات التي تواجه الموقف الفلسطيني، فوحدة الموقف الفلسطيني السياسية والتنظيمية، ووحدة الرواية الفلسطينية، ووحدة العمل الشعبي والعسكري، يجب أن تحضر جميعها، فالعدو الصهيوني يدخل بقوة، راكباً قطار التطبيع، وفارضاً الحلول الصهيونية لإشكاليات خلقها وجوده، وحصاره للفلسطيني يشتد، وحتى ما نسميه الدعم القطري المالي للفلسطينيين سيصل إلى مرحلة "الباي باي"، لكون الموقف القطري لا يمكن التعويل عليه، مع ملاحظة أن قطر أصلاً هي عرابة التطبيع، وهي أول من بدأ العلاقات التجارية مع العدو الصهيوني، ناهيك بالتطبيع الإعلامي، والفقير والمحتاج عادة يقوده عوزه وحاجته إلى ما يسد رمقه، غاضاً الطرف عن أخلاق المحسن، لئيم الطبع كان أم كريماً، فصاحب الحاجة أرعن، كما تقول العرب.
تركيا أيضاً لديها علاقات تجارية وعسكرية مع "إسرائيل"، ولديها العديد من الملفات التي تشغلها، كالملف السوري والليبي والعراقي والمصري والقطري والأوروبي، كما أن الملف الفلسطيني أحد هذه الملفات، فالتركي لا ينام ويستيقظ ويحلم بحل مشكلة الفلسطينيين.
في السياسة، ليس المطلوب أن يكون موقفك معادياً للجميع، وأن تقول للعالم: فلتذهب للجحيم! من الممكن أن تقول هذا الكلام في حالة واحدة فقط، وهي عندما تسير بخطوات واضحة وثابتة نحو تحرير الأرض، ويكون لديك تحالفات فعّالة خطوطها مفتوحة بنسبة 100%. عندها، بإمكانك إن تقول للعالم: فلتذهب إلى الجحيم! لكن الفلسطيني الآن بحاحة إلى كل جهد، وأول جهد هو الكلّ الفلسطيني. أمَّا الرغبة في تفجير الضفة وغزة ضد العدو، من دون إجماع وطني ووحدة وطنية، فتلك أضغاث أحلام.
التنظيمات الفلسطينية بحاجة إلى بعضها البعض، والتنظيم الذي يدَّعي أنه يأخذ على عاتقه المعركة للنهايات، هو تنظيم مُدَّعٍ. وإذا كانت هناك فرصة في الأفق لأن يكون العمل وحدوياً، من أي طرف كان، فهذه الفرصة لا تعوَّض، وخصوصاً في ظل التراجع العربي الخطير. وعليه، فالوحدة فريضة دينية ووطنية لا مندوحة عنها.