بندقيّة ترامب الموجّهة ضدّ إيران خالية من الرّصاص

إذا نجح ترامب فرضاً في تفعيل آلية الزناد وإعادة جميع العقوبات، فلن يحدث شيء جديد، لأنه فعل كل ما في وسعه سابقاً.

  • الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
    الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

عانت الولايات المتّحدة من انتكاسة كبيرة في محاولتها تمديد "حظر الأسلحة" على إيران، وتعارض أوروبا وروسيا والصين السياسات الأميركية بشأن ما هو أبعد من حظر الأسلحة، أي آلية الضغط على الزناد.

وإذا اتّخذت واشنطن أيّ خطوة ضد إيران، فستكون غير شرعية وغير قانونية وغير مقبولة، وآلية الضغط على الزناد الأميركيّة ستكون مجرّد صدى، ومسدس العقوبات سيكون فارغاً من الرصاص.

ترامب فعل كل ما في وسعه لتركيع إيران، لكن في النهاية وجد نفسه أمام مأزق سياسيّ ناتج من حساباته الخاطئة، وضعه في زاوية بات فيها مضطراً إلى الرجوع إلى الاتفاق الذي انسحب منه، وهو ما لا يمكن حصوله، ويعتبر سابقة خطيرة على مستوى العلاقات الدولية، إلى درجة استفزت حلفاء واشنطن الأوروبيين، ودفعتهم إلى رفض مشروع تفعيل آلية الزناد المرتبطة بالاتفاق النووي، والمتعلقة بإبقاء الحظر على بيع الأسلحة وشرائها من إيران.

من الواضح أنَّ ضجيج ترامب يبعث على اليأس، وأنه لم يعد يجد أمامه أية أوراق يلعبها، كما أن حلفاءه أبعدوا أنفسهم عن مغامراته في استهداف إيران. إضافةً إلى ذلك، كما أكَّد علي أكبر صالحي، رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، لم ينجح ترامب في عملية التحريض على إيران، ولم يعد لدى الوكالة الدولية أي مطالب أو مواقع تريد زيارتها، والعلاقة بينها وبين الوكالة للطاقة الذرية تخطَّت المشاكل.

إذا نجح ترامب فرضاً في تفعيل آلية الزناد وإعادة جميع العقوبات، فلن يحدث شيء جديد، لأنه فعل كل ما في وسعه سابقاً، ويمكن القول إن تفعيل آلية الزناد عملياً لن يكون إنجازاً جديداً لترامب، ولا سيَّما في الفترة التي تسبق الانتخابات.

خلال السنوات الماضية، كانت كل حسابات ترامب وصنّاع السياسة ضد إيران في البيت الأبيض خاطئة. آلية الزناد تأتي وتذهب مع ظهور العديد من السياسات الأميركية بشأن إيران، وأعتقد أنّ الأخيرة لن تقبل بعودة ترامب إلى الاتفاق، ولن تتفاوض معه، إلا إذا دفع أولاً ثمن استشهاد الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، بخروج الأميركيين من المنطقة، وثانياً بأن يعوض جميع جرائمه السابقة ضدنا.

وفي موضوع خروج الأميركيين من المنطقة، لا بدَّ من أن أذكر بأنه أمر ضروري، وبأن إيران تبذل قصارى جهدها لتحقيق هذا الهدف.

حالياً، وضع الأميركيين في العراق ليس جيداً. وقد تشكَّلت في الأشهر الأخيرة عدة فصائل مقاومة من أبناء الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وأعلنت عن وجودها بهدف طرد القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وشنّت جولة جديدة من الهجمات ضدهم. ولم تقتصر هجمات فصائل المقاومة العراقية على القواعد، ولم تفلت الأرتال العسكرية لقوات الإرهاب الأميركية منها، واستُهدفت في عدة عمليات.

الأميركيون الّذين فوجئوا ولم يعرفوا من أين یتعرّضون للضرب، حجبوا في البداية تفاصيل الأخبار المتعلقة بضربات المقاومة، لمنع الهزائم من الظهور علناً في العراق، ولتخفيف الضغط إلى حد ما، ولكن لم تكن السرية الأميركية ستستمر حتى النهاية، حيث جرّت مجموعات المقاومة المتزامنة ساحة المعركة إلى وسائل الإعلام، وبثّت صور الهجمات، فوجهت ضربة أخرى إلى واشنطن لم يعد من الممكن إنكارها.

الأميركيون المرتبكون قرروا الهروب من الكارثة وعدم تشويه سمعتهم بعد الآن. أظهر انسحاب قوات التحالف الأميركية من قاعدة التاجي العسكرية شمال بغداد، يوم الأحد 2 أيلول/سبتمبر، بوضوح، أن البيت الأبيض لم يعد بإمكانه تحمّل الضربات من قبل مجموعات المقاومة العراقية، ولا يمكنه الردّ.

وكانت التاجي إحدى القواعد الأساسية لقوات التحالف، وخصوصاً القوات الأميركية، وهي ترتبط بمحافظة ديالى من المحور الشرقي ومن المحور الشمالي الشرقي إلى مناطق مهمّة وغير آمنة، مثل "الطارمية".

يبدو أن الأميركيين يعتزمون الاستمرار في عملية سحب قواتهم من بعض القواعد العسكرية، ونقلها إلى قواعد أكبر وأكثر أماناً، من أجل الحد من الهجمات والبقاء في أمان، إلا أنَّ فصائل المقاومة العراقية، ومنها حركة النجباء ذو الفقار، جنود سليماني، وعصبة الثائرين، ورفاق الكهف، وغيرهم، يطالبون بالانسحاب الكامل للجيش الإرهابي الأميركي.

كان لدى ما يسمى التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، تحت ذريعة محاربة الإرهابيين، 18 قاعدة عسكرية، وعدد من معسكرات التدريب والمستشارين، وقواعد سرية في العراق، ولكن في الأشهر الأخيرة، تم إفراغ 9 قواعد ومعسكرات (التاجي، بسماية، القائم، K1، وتم إخلاء القيارة، ونينوى، والحبانية، وأبو غريب، والرمان) كلياً أو جزئياً.

وتتواجد حالياً القوات الأميركية وقوات التحالف في 9 قواعد عسكرية عراقية، منها عين الأسد والرطبة والنصر وبلد وأطرش وبشار وأربيل والحرير ومخمور، ولم يتم الإعلان عن أيّ إخلاء.

وفي الكلمة الأخيرة، إذا أردنا أن نعرف أين تقف الولايات المتحدة، فلن نرى سوى الهزيمة والصراخ الذي يصدرونه، وهو هواء في شبك، وبندقية ترامب الموجهة ضد إيران خالية من الرصاص.