رداً على التطبيع مع العدو.. الجنون مطلوب أحياناً

الآن في السياسة، لا يوجد آفاق، بل يوجد انغلاق، والمقاومة بالنسبة إلى العدو جنون، وهي بالنسبة إلى المطبِّعين أيضاً جنون.

  • رداً على التطبيع مع العدو.. الجنون مطلوب أحياناً
    المجنون الحقيقي هو من يراهن على التطبيع مع العدو

إما التطبيع مع العدو وإما مقاومته، فالخيارات محدودة، والتوصيف أيضاً محدود لكل من يتبنى أحد الخيارين، فإما مجنون وإما عقلاني وإما عبقري، فمن هو المجنون؟ ومن هو العقلاني؟ ومن هو العبقري؟

العبقرية هي تبنّي واتخاذ الخيار الصحيح والمنطقي، والمتمثّل في أن "إسرائيل هي العدو الحقيقي"، ثم التركيز جيداً على هذا الخيار، والعمل على تصويب الجهود لخدمته... لأن الخيارات الأخرى البديلة هي إما تسوية مع العدو الصهيوني وإما المراهنة عليه، ومثل هذه الخيارات تعتبر خيارات غير عقلانية وغير منطقية، وقد أثبت التاريخ فشلها، وكما يقول المثل باللهجة العامية "اللي بيجرب المجرب عقله مخرَّب". لذلك، إن الخيار العبقري هو أن يتم اختيار خيار مقاومة العدو، وهذا ديدن كل حركات التحرر التي تخلّصت من احتلال أوطانها عبر التاريخ.

هناك شعرة بين العبقرية والجنون، كما يُقال، فالعبقري عبقري بتبنيه خيار المقاومة، واستعداده للتضحية في صراعه مع العدو، والذهاب في قتاله إلى حد الجنون، فالجنون مطلوب في بعض الأحيان بمعنى "عدم الحسابات"، وهنا المقصود هو الحسابات المثبِّطة.

نحن الفلسطينيون إما نكون مقاتلين لـ"إسرائيل" وإما نكون عمّالاً لديها، وإما نعيش سعداء وإما نموت شهداء. هذا هو الجنون الذي يصِفه العدو ومَن يستسلم لإرادته. أما العقلانية في توصيفهم وتوصيف الإدارة الأميركية ومحمياتها الطبيعية من الدول المطبِّعة، فهي التعاطي مع "إسرائيل" ككيان مفروض وموجود، والاستسلام لإرادتها.

لذلك، المطلوب في مراحل نضالية معيَّنة كهذه التي نحياها، عدم الرهان كثيراً على المُعطى السياسي، وعدم انتظار الجحافل حتى تأتي من الخارج لتحرير فلسطين. الآن في السياسة، لا يوجد آفاق، بل يوجد انغلاق، والمقاومة بالنسبة إلى العدو جنون، وهي بالنسبة إلى المطبِّعين أيضاً جنون.

العقلانية الآن، كما في أي وقت، هي مقاومة العدو، والعبقرية هي أن ينام ويستيقظ عقل ووعي المقاوِم وسلوكه وهو يقاوم، والخيار التطبيعي هو الجنون الحقيقي الفاقد للأهلية والعقلانية، الجنون الحقيقي هو ألا تقاوم وبجنون وسط هذا الانغلاق وانسداد الأفق، وقمة الموضوعية والعقلانية والمنطق أن تواجه المشروع الصهيوني بجنون المقاومة.

أما المجنون الحقيقي، فهو من يراهن على التطبيع مع العدو، المجنون الحقيقي هو من يراهن على المفاوضات مع العدو، المجنون الحقيقي هو من يبيع دينه وتراثه وإرثه مقابل وعود صهيونية من سراب... هذا هو المجنون الحقيقي الذي يعدّ مكانه مستشفى الأمراض العقلية. أما من يتبنى مشروع المقاومة ضد الاحتلال فهو عقلاني إلى درجة كبيرة من العبقرية.

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.