العروبة مجدداً على شواطئ العرب.. هل من مُستثمر؟

قد يسأل عربي يحمل في قلبه من اليأس ما يكفي ويفيض: ما الذي يمكن فعله في ظل الواقع السلبي العربي - العربي المزمن؟

  • العروبة مجدداً على شواطئ العرب.. هل من مُستثمر؟
    بكثير من الحب والحزن، اندفع الجميع إلى التعاطف مع كارثة بيروت بالعروبة المتأصلة في النفوس

لم تنجح جميع المشاريع التي ترمي إلى تحويل العروبة في أذهان العالم إلى عار أو مادة للسخرية، فالعروبة والتضامن وغيرهما من المفاهيم والمبادئ، رست على مرفأ العرب مُجدداً بعد ساعات قليلة من وقوع الكارثة المفجعة التي حلَّت بالجميلة بيروت وبشعبها الأنيق.

بعد ساعات قليلة من وقوع الفاجعة، بدأت المراسلات الرسمية والاتصالات على المستويات كافة، إضافةً إلى النشاط العام في مواقع التواصل الاجتماعي.

بكثير من الحب والحزن، اندفع الجميع إلى التعاطف مع كارثة بيروت بالعروبة المتأصلة في النفوس والمبادئ الأصيلة المترسخة فينا كشعوب عربية، والتي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّها أقوى من أي ماكينة إعلامية أو سياسية أو ثقافية حاولت جاهدة، وخصوصاً خلال السنوات القليلة السابقة، أن تنسف العروبة، وتجهض أي مشاعر جماعية عربية، مُستبدلة الأعداء الحقيقيين بآخرين، لتخلط الأوراق، وتُحرّف الحقائق، وتروج للباطل، بغية التشتيت والتمهيد لما هو أكبر.

بعد هذا التعاطف مع بيروت، لا بد من استثمار هذه الحالة الإيجابية، فهل من مُستثمر؟ 

قد يسأل عربي يحمل في قلبه من اليأس ما يكفي ويفيض: ما الذي يمكن فعله في ظل الواقع السلبي العربي - العربي المزمن؟ ونحن نقول إن هذا التحدي جماعي، وإن السبيل لتغيير الواقع العربي لا يكون بترك الطريق الصحيح لقلة سالكيه، ولا بد للجيل الجديد من التمسك بالعروبة والتضامن وغيرهما من القيم أضعاف ما تمسك أجدادنا بها، لأن الجهود المبذولة الآن ضدنا مختلفة ونوعيّة ومتطورة، وتُستخدم فيها أساليب غير تقليدية.

ولأجل ذلك كلّه، لا بد لجيل الشباب من لبس ثوب العروبة مجدداً، من دون أن تنطلي عليه المشاريع الخدّاعة والعناوين البراقة والخطابات العاطفية، فما يلزم هو الكثير من الجهود الدبلوماسية والثقافية والإعلامية والتوعوية لجعل العربي يتابع نشرة الأخبار كاملة، وليس أخبار بلده فقط، وهذا مثال بسيط، فالمقصود هو أنّ على العربي أن يتعاطف بصورة جماعية مع القضايا العربية، ويتعاون معها، ومن ثم يُلزم حكوماته بانتهاج خط سياسي يحفظ كرامته، ويؤمن مستقبل أولاده، ويرعى مصالح بلاده التي لا يمكن الحصول عليها كاملةً إلا بروح الجماعة.

يجب أن يكون الجهد جدياً على كل المستويات والصعد، لإعادة العروبة والمفاهيم والمبادئ ذات الصلة بالعمل المشترك إلى مقعدها في وجدان الإنسان العربي، لخلق مزاج عام يُمهد لإجراءات وسياسات تُحقق المصالح. إننا نتفهَّم الموقف البائس للبعض من مسائل العروبة والتضامن، ولعلَّهم على حقّ في ذلك، على خلفية بعض العلاقات العربية - العربية وسياسات بعض الدول ضد البعض الآخر، ولكن الأمر يتعلق بوجوب القيام بما يلزم، وليس بما نرغب.

تكفينا كلّ هذه السنوات التي شهدنا فيها جهود أكثر الدول العربية لتحقيق مصالح الغير من دون الالتفات إلى مصالحها كدول وكأمة واحدة! تُرسم للمنطقة مخططات بخطوات سريعة، وبأهداف بعيدة الأجل، ورغم ذلك، لم تلقَ، مع الأسف، جهداً جماعياً مضاداً إلا من بعض الدول والأحزاب، في حين تتردد وتتخوف بعض وزارات الخارجية العربية من إصدار حتى البيانات المتعاطفة أو المنددة، وإن بالحد الأدنى من اللغة العربية واللغة الدبلوماسية.

إنّ الاستمرار على هذا المنوال من دون مشروع عربي متكامل يستند إلى نيات صادقة، لن يجلب إلا مزيداً من طمع التركي وقوة الإسرائيلي وهيمنة الأميركي. إن غياب العمل العربي المشترك وغياب التضامن قولاً وفعلاً، هو ما يجعل اليد الأميركية ومن يدور في فلكها تصل إلى الثروات وتعبث بالقدرات.

صحيح أنّ الشّعوب لا تقتات على التضامن، وأنه لا يُعمّر وحده مدرسة، ولا يبني مستوصفاً، ولا يُحسن الواقع المعيشي، ولكن غيابه بالصورة التي يُفترض أن يتواجد فيها هو من ساعد على وضع مقدساتنا وأراضينا في فلسطين موضع صفقات، وساعد على سرقة النفط السوريّ، وأطلق يد التركيّ في ليبيا، والأمثلة كثيرة.

كلّ ذلك وغيره أثّر، ولا يزال، في يوميات أبناء الدول العربية ومعيشتهم بطريقة أو بأخرى، ولا نعلم ماذا يخبئ الغد للمنطقة وللعرب!

وأخيراً، إن من الذكاء تحويل المحن إلى منح. وما بعد محنة بيروت من تعاطف، يجب أن يكون الانطلاق إلى مشروع عربي متكامل محفوف بصدق النيات، ويستند إلى مزاج عربي أثبت على الرغم من كل شيء أنه يرغب في ذلك... ولكن هل من مُستثمر؟