إلى أين يتّجه لبنان بعد استقالة حكومة دياب؟
زيارة ماكرون جاءت تحمل معها أوامر على شكل اقتراحات وتوصيات بتغيير النظام والقيام بإصلاحات حتى يتم تقديم المساعدات الأممية وهو ما يطرح تساؤلات حول استقالة الحكومة.
لا يختلف اثنان من المتتبّعين للشأن اللبناني والعارفين بتاريخه السياسي المعاصر على أنّ النظام السياسي القائم في لبنان، "نظام الطوائف والمحاصصة"، هو تركة من مخلّفات الاستعمار الفرنسي؛ هذا الشّكل من النّظم الذي يصعب معه أن يتشكّل استقرارٌ سياسي في أي دولة تحمله.
على هذا الأساس التاريخي، جاءت حكومة الرئيس حسان دياب قبل أربعة أشهر، والتي رأى فيها اللبنانيون بارقة أمل في تشكيل الاستقرار المنشود، لتنتهي أمس على وقع صدمة الاستقالة الجماعيّة، الأمر الذي دفع المتتبّعين إلى قراءة المشهد الإجمالي والخوض في الأسباب التي أدّت إلى استقالة كهذه.
ما هي أهم الأسباب التي أدّت إلى استقالة الحكومة؟
للإجابة على هذا التساؤل، لا بدَّ من العودة إلى بداية استقدام حسان دياب على رأس الحكومة، إذ نسجّل أنّه كان يعد بتعيين حكومة تكنوقراط (تعيين وزراء تقنيين لا ينتمون إلى أي جهة سياسية أو حزبية)، الأمر الَّذي لم نلمسه على أرض الواقع، إذ سرعان ما استسلم لنظام الإرث الاستعماري" المحاصصة"، وهو ما دفع كثيرين إلى اعتباره كاذباً، وبالتالي فقدان الثقة به.
قد يطرح البعض فكرة أنّ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي كان السبب المباشر في قرار الاستقالة الجماعية، بحكم أنّه لم يكن يحبذ فكرة تعيين دياب على رأس الحكومة، كما أنه أصرّ على مساءلة الحكومة يوم الخميس على خلفية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وبالتالي إنّ كارثة الاستقالة وما قد يتبعها من اللااستقرار، سببها الرئيسي بحسب هذه القراءة هو رئيس مجلس النواب. وهنا نقول:
- ربما تكون عدم موافقة نبيه بري على تعيين حسّان دياب متأتّيةً من الخصائص الضعيفة التي تسجّل على دياب في ما يخص تكوينه السياسي، فالرّجل لا يتمتع بأيّ خبرة سياسية، فهو خرّيج دكتوراه في هندسة الكومبيوتر، وأستاذ لسنوات طويلة في الجامعات الأميركيّة.
لا أدافع عن شخص برّي، ولكني أنطلق من إمكانية تصوّره لفشل حكومة دياب، في ظلّ الفترة الحرجة التي جاء فيها، نظراً إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي، والسّعي الصّهيو-أميركي بمعيّة دول الخليج لإسقاط حزب الله، ناهيك بالانفلات في الشارع وموجة التظاهرات الاحتجاجيّة، وهو ما ظهرت بوادره سريعاً، حين وجد دياب نفسه في مواجهة الثلاثي الصعب:
- رفض الشّارع السنّي له، والذي لا يرضى بغير سعد الحريري.
- الخليج الَّذي يعدّ أداة تابعة للأجندات والسياسات الأميركية وعدم الرضا عنه.
- أميركا، ومن خلفها "إسرائيل"، التي تعتبره نتاجاً لحزب الله، وبالتالي جاءت الضغوط الكبيرة من طرف خصوم الحزب لإفشاله وجعله خارج دائرة الحسابات.
ثمة سببٌ آخر جعل حكومة دياب تستقيل، وهو عدم نجاحه في تحقيق إنجازات عملية. وهنا، لا بدّ من إنصاف الرّجل، إذ إنه جاء في فترة جائحة كورونا. وقد كان أداء حكومته جيداً إلى حدّ مرضٍ، ولكن لا يمكن إقناع الناس الفقراء أو المتضررين بحجج كهذه، فالناس لا يميّزون الألوان عند الأزمات.
أين يتّجه لبنان بعد الاستقالة؟
رأى الجميع مسارعة رئيس فرنسا ماكرون، بما يمثله من غطاء غربي، إلى الإمساك بمسؤولية إدارة الملف اللبناني على خلفية انفجار المرفأ والحاجة إلى المساعدات الفورية. والملاحظ أنه كان يتصرّف على قاعدة أنه الحاكم الفعلي للبنان، إذ شاهدنا تجوّله وسط أحياء بيروت، وخطاباته وسط جموع المواطنين، مطمئناً إياهم إلى أنه سيأتي بالمساعدات، ولن يجعلها تقع في أيدي الفاسدين، فمن يقصد بذلك؟
هذه الزيارة المفاجئة جاءت تحمل معها أوامر على شكل اقتراحات، وتوصيات بتغيير النظام، والقيام بإصلاحات، حتى يتم جمع المساعدات الأممية اللازمة وتقديمها، وهو ما يطرح تساؤلات حول الاستقالة، فهل كانت الزيارة ضمن الضغوط على شخص حسان دياب ليستقيل، بعد أن شعر بقرب التضحية به، واستبدال حكومة وحدة وطنية به؟! هذا إذا كان الغرب يسعى فعلاً إلى إنتاج حكومة وحدة وطنية.
إذا كانت الاستقالة موجَّهة ضد المقاومة، فهذا يعني موجة احتجاجات جديدة، واقتحام مؤسسات، وإحراق ملفات، ناهيك بحكومة تصريف أعمال لزمن طويل. أما إذا كانت عكس ذلك، أي أنها لا تضر بالحزب (وخصوصاً إذا لاحظنا اجتماع ماكرون بالنائب محمد رعد، وما قد يصحبه من طرح تنازل حكومي، في مقابل عدم السعي إلى تطويقه)، فإنّ ذلك يعني إمكانية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وربما إعادة الانفتاح الاقتصادي على لبنان، ولكن الأمر يبقى مجرد احتمال ضعيف، لأنّ الاحتمال الأرجح في ظلِّ المؤشرات هو الضغط أكثر باتجاه استهداف سلاح الحزب وتحجيمه، وما حركة الشارع اليوم وشعاراته إلا في هذا الاتجاه.
إنّ حكومة حسان دياب فشلت، كما فشل دياب نفسه في تحمّل الضّغط لمدة قصيرة، ليثبت أنه غير ناضج سياسياً، وخصوصاً مع دعوته إلى انتخابات نيابية مبكرة بشكل علني أمام الإعلام، من دون استشارة الرئيس ومجلس النواب، وهذا الأمر مرفوض سياسياً في الأعراف اللبنانية.