سيناريو ذكي.. لكن بيروت ليست كييف

لنفترض أنَّ سيناريو اقتحام مجلس النواب في ساحة النجمة في بيروت قد نجح، فإننا سنكون أمام خيارين أحلاها مر.

  • سنرى في الساعات القادمة هجوماً معنوياً شرساً على الجيش اللبناني من قبل
    سنرى في الساعات القادمة هجوماً معنوياً شرساً على الجيش اللبناني من قبل "الثوار"

إنّ هدف من يطلقون على أنفسهم "الثوار" ومن يديرهم في لبنان اليوم، ليس الحكومة وإسقاطها، حتى إنّ استقالات بعض الوزراء هي استقالات فردية ربما ستخلق بعض البلبلة السياسية، ولكن سقوط الحكومة لا يلبّي طموحاتهم. الهدف هو إسقاط مجلس النواب، وهو ما لا يريدونه بالقانون، بل بالاقتحام الشعبي.

اقتحام المجلس شعبياً يعني إنهاء شرعيّته. وحينها، سيكون مقتحموه هم حكّامه الشرعيين الذين سيستدعون وصاية دولية لإدارة مرحلة انتقالية لبنانية لا نعرف كم ستمتدّ.

كل ما رأيناه من اقتحام "الثوار" لعدد من الوزارات اللبنانية، وإعلانها مراكز للثورة، ولو كانت خطوات شكلية رنّانة من دون نتائج عملية، هي بروڤا لاقتحام المجلس النيابي من جهة، وتشجيعٌ للناس المندفعين، وتنميةٌ للثقة في قلوبهم بأنهم يستطيعون السيطرة على مؤسسات الدولة من جهة ثانية، حتى الوصول إلى هدفهم "مجلس النواب".

لنفترض أنَّ سيناريو الاقتحام قد نجح، فإننا سنكون أمام خيارين أحلاها مر. في الخيار الأول، سيترك لهم حزب الله وحلفاؤه المجلس. وعندها، سيثبّتون سقوطه، وسيكون التدخّل والوصاية الدولية ضروريين لإدارة مرحلة انتقاليَّة في نظام برلمانيّ يعدّ مجلس النواب فيه مصدر السلطات.

في الخيار الثاني، سيضطرّ الحزب إلى مواجهتهم شعبياً لطردهم من المجلس، وهو ما سيجرّنا إلى خضّة أمنيّة خطيرة في الشارع، فإذا دفع الحزب مناصريه "لتحرير" المجلس، فسيلعب هؤلاء على الوتر المذهبي من جهة، والحاقد من جهة ثانية، وسينزل الدم، وسيستَخدَم السلاح، وسيُتَّهَم الحزب بقتل الناس، وسيستدعون تدخلاً دولياً.

لقد بنيتُ ما سبق على أساس أنَّ المجلس سقط، ولكن هل يمكن أن يسقط؟ 

سنرى الجيش اللبناني مدافعاً شرساً عن المجلس في الساعات القادمة، ولن يسمح أبداً لبعض المجموعات بالاقتراب من ساحة النجمة. وسنرى في الساعات القادمة، كما رأينا أمس، هجوماً معنوياً شرساً على الجيش اللبناني من قبل "الثوار" بشكل عام، ومن قبل عسكريين متقاعدين بشكل خاص، لإحراجه وإخراجه من هذه المعركة.

في النهاية، كان هؤلاء يحتاجون إلى دفعة شعبية عارمة، وهم الذين فقدوا زخمهم الشعبي على مدى الأشهر الماضية، وكان الانفجار هو الأمل الَّذي يمنون أنفسهم بأن يعيد إليهم هذا الزخم الشعبي العاطفي الذي ساهم في مشاركة بعض الناس المحسوبة على 8 آذار معهم أيضاً.

مهلتهم الزمنية ضئيلة. يجب أن يحقّقوا هدفهم خلال أيام قبل انخماد الاندفاعة الشعبية مرة جديدة. هم في سباق مع الوقت، وإعادة إعمار بيروت، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار بحزم وجديّة، وصبر شعبنا على الاستفزازات، هي سبل تحقيق النصر في هذه المعركة الآن. 

هذا هو السيناريو الأوكراني الذي لن يمرّ في لبنان بكلّ بساطة، فبيروت ليست كييڤ!

إنّ الدّعم الدولي الآن لإعادة الإعمار لا يهدف إلا إلى قطع طريق لبنان نحو الصين، فإذا تُرِك لبنان الآن، فسيُفتَح الباب للصين، ونحن نتكلَّم عن مرفأ بيروت المحوري... الحصار جُمِّد، ولكنه لم ينتهِ.

في الساعة السادسة و 6 دقائق من عصر يوم الرابع من آب/أغسطس هز انفجار ضخم العاصمة اللبنانية ووصل صداه إلى مناطق بعيدة. شحنةٌ من نترات الأمونيوم مخزنة منذ سنوات في مرفأ بيروت انفجرت وحولت المرفأ ومحيطه إلى أثر بعد عين.