وهم التنوّع العرقيّ في الغرب
على الرّغم من أنّ عنوان المقال هو وهم التنوع العرقي، ولكن وجب عليّ البدء بالتحدث عن وهم آخر أسّس لأوهام مثل وهم التنوع العرقي في المجتمعات الغربية، إنه وهم الديموقراطية في الغرب.
إنّ الديموقراطية حالياً في الغرب هي ديموقراطية إجرائية شكلية وغير واقعية، ولا تعبر عن إرادة القطاع العريض من الشعوب الغربية. هي ديموقراطية نخبوية من حزبين أو أكثر، كلهم يمثلون مجموعة من الأثرياء، ويعملون من أجل مصالحهم، بمعزل عن المصالح القومية الواسعة والتخطيط لمستقبل الشعوب.
وخير مثال على ذلك الحزبان الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة، اللذان لا يمثلان إلا مجموعة من العائلات الثرية من أصول أوروبية مسيحية، كعائلة بوش وكلينتون وآل جور وغيرهم.
وفي بريطانيا، حزب المحافظين النخبوي منذ المنشأ، وحزب العمال الذي انعزل تماماً عن نبض الطبقة العاملة ومصالحها (توني بلير، مثلاً، الإمبريالي الّذي شارك في حرب العراق، والداعم الأصيل لـ"إسرائيل"، هو أحد رموز حزب العمال المعاصرين)...
ويستطيع القارئ، من خلال بحث بسيط، أن يستنتج زيف هذه الديموقراطيات التي ينحصر الناخب العادي في بلدانها بين مجموعة من الأحزاب والمرشحين المعادين له، بسبب تعارض المصالح الطبقيّة بينهم وبين هذا الناخب العادي.
إن مسألة إدارة الهجرة في الغرب في العقود الأخيرة هي أحد تعابير هذا الشقاق الجذري بين النخب الحاكمة في الغرب والقطاع الشعبي العريض فيه، فهذه النخب الرأسمالية تريد استجلاب أفضل العقول من البلاد الفقيرة للعمل وإنعاش اقتصادها، إما لتعويض نقص في بعض المهارات أو لاستغلال هؤلاء الوافدين لقاء بدل مالي أقل مما يتقاضاه ابن البلد الأصلي ذو المعايير المعيشية المرتفعة نسبياً.
هذه النخب لها مصلحة في ذلك. أما المواطن العادي، فهو بطبيعة الحال معادٍ للهجرة، لأنها تجلب له من ينافسه على رزقه لقاء مردود أقل، فإن كانت هذه البلاد ديموقراطيات حقيقية تعبر عن إرادة القطاع العريض من الشعوب، لكانت معدلات الهجرة كسوراً بسيطة مما شهدناه في العقود الأخيرة، ولكن لأنَّها ديموقراطيات زائفة، وفي الحقيقة هي أنظمة أوليغارشية نخبوية، يتم ضرب مصالح هذه الشعوب بعرض الحائط، ويتم تبنّي إدارة للهجرة تضر بالقطاع العريض من الشعب الغربي.
إننا نرى الآن في الغرب أن بعض المسلمين والمحجبات تقلّدوا مناصب سياسية "رفيعة"، كوزير أو نائب برلماني، من مثل إلهان عمر، عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية منيسوتا، وهادية تاجيق وزيرة الثقافة في النرويج، والعديد من أعضاء البرلمان من أصول مهاجرة في كندا، وغيرهم.
على المشاهد ألا ينخدع بهذه المعلومات، فهي مظاهر منافقة وزائفة، وهي أيضاً دعايات وبروباغندا لتحسين صورة الغرب كواحة للتعايش المشترك والتنوع العرقي، وإظهار أنّ كلّ فرد يأخذ فرصة متساوية، من أجل جذب العمالة واستجلابها، للأسباب التي ذكرتها في الفقرة السابقة، ولكنَّ الواقع غير ذلك!
صحيح أنَّ هناك تنوعاً عرقياً على المستوي الديموغرافي، ولكن ليس على مستوى السلطة السياسية والمكانة الاجتماعية، فالمهاجر غير الأوروبي يذهب إلى هذه البلدان تحت تأثير البروباغندا، ليجد نفسه مهمشاً ومنبوذاً ومستعدياً من القطاع العريض في الشعب. هذه هي الصورة الواقعية التي يحاول الإعلام الغربي النخبويّ تصدير صورة مغايرة لها، من أجل تصدير الحلم الغربي الزائف لاستجلاب العمالة الرخيصة.
إن أراد المشاهد أن يتعرف جيداً إلى وضع المهاجرين غير الأوروبيين في هذه البلاد المنافقة، فليبحث وليقرأ عن الأوضاع المأساوية للمغاربة في هولندا وبلجيكا، والأتراك في تركيا وهولندا، والجزائريين في فرنسا، والمكسيكيين في الولايات المتحدة، وغيرهم من المهاجرين الذين يعانون الإقصاء والتهميش والحرب النفسية المستمرة عليهم، لأن القطاع العريض من شعوب هذه البلاد يرفضهم كمنافسين من درجة ثانية.
القطاع العريض من شعوب البلاد الغربية يرى أنَّ هذه البلاد لمواطنيها الأصليين، كما هو الحال في أي بلد آخر في العالم. إنها طبيعة بشرية لا يمكن تجاوزها.