أبعاد الاتفاق العسكري السوري الإيراني
إنّ الإعلان عن هذا الاتفاق العسكري الإيراني السوري يدلّ على أن محور المقاومة اتخذ قراراً استراتيجياً حاسماً بمواجهة الطائرات الإسرائيلية التي تخترق الأجواء السورية.
وقَّعت إيران اتفاقاً عسكرياً شاملاً مع سوريا، يقضي بتعزيز القدرات العسكرية للدولة السورية ومساندتها في مواجهة الاعتداءات الخارجية وتحرير الأراضي السورية من القوات الأجنبية غير الشرعية، وخصوصاً القوات الأميركية والتركية، فما هي أبعاد هذا الاتفاق العسكري الشامل بين إيران وسوريا؟
إنّ الإعلان عن هذا الاتفاق العسكري الإيراني السوري، والتصريح بأنه سيشمل تعزيز قدرات الدفاع الجوي لدى الدولة السورية، يدلّان على أن محور المقاومة اتخذ قراراً استراتيجياً حاسماً بمواجهة الطائرات الإسرائيلية التي تخترق الأجواء السورية، وتقوم بقصف أهداف مدنية وعسكرية تابعة لمحور المقاومة داخل الجغرافيا السورية، فإذا قامت إيران بتزويد سوريا بمنظومة "خرداد 3" الإيرانية للدفاع الجوي، فستتمكن من إسقاط الطائرات الإسرائيلية التي تخترق الأجواء السورية، ذلك أن هذه المنظومة أثبتت نجاعتها وفاعليتها العسكرية والردعية بعد أن أسقطت طائرة الاستطلاع الأميركية الشديدة التطور "أر كيو جلوبال هوك".
ومن ناحية الفاعلية، إن تلك المنظومة الإيرانية قادرة على تمكين سوريا من إسقاط الطائرات العسكرية الإسرائيلية، ما سيمكّنها من ردع "إسرائيل" عن مهاجمتها مجدداً، وهو تطور نوعي في الصراع بين محور المقاومة و"إسرائيل"، ففي تلك الحالة، سيثبت محور المقاومة قواعد اشتباك جديدة تقلّل قدرة "إسرائيل" العسكرية الجوية على استهداف المحور، وهو ما يقلل تأثيرها العسكري في صراعات المنطقة، وخصوصاً أنها تعتمد بشكل رئيسي في صراعاتها العسكرية على سلاح الجو.
تتحدّى إيران أميركا من خلال هذا الاتفاق العسكري، فهي من جانب تؤكّد أنّ العقوبات الاقتصادية الأميركية القاسية المفروضة عليها لم تنجح في الضّغط عليها وليّ ذراعها وابتزازها، وجعلها تتوقّف عن دعم دول وحركات محور المقاومة التي تهدد "إسرائيل" وجودياً. وهذا العامل هو أحد أهم أسباب العداء الأميركي لإيران، ذلك أنَّ إيران وحلفاءها في الوطن العربي يشكلون تهديداً وجودياً لـ"إسرائيل"، وهي ذراع الإمبريالية الأميركية ويدها الباطشة في الشرق الأوسط.
كما أنّ إيران تتحدّى أميركا و"إسرائيل" عبر هذا الاتفاق، وترسل إليهما رسالة مفادها أنّ الانفجارات المتتالية التي حدثت فيها، والتي أوقعت خسائر بشرية، وأدت إلى خسائر على مستوى منظومة عمل تلك المواقع المستهدفة، مثل مفاعل نطنز النووي، والتي حازت دعماً من الإعلام المقرب من أميركا و"إسرائيل"، لن تنجح في جعلها تنشغل بالدفاع عن نفسها فقط من داخل العمق الإيراني والجغرافيا الإيرانية، فهي تدرك أن استهداف سوريا مقدمة لاستهدافها، وأن انشغالها بأمنها فقط، دون أمن حلفائها، هو خطأ استراتيجي، لأنَّ سقوط حلفائها في المنطقة سيؤدي حتماً إلى إسقاطها عسكرياً بعد تجريدها من مصادر قوتها والأدوات اللازمة التي تمتلكها لتحقيق توازن الردع العسكري مع أميركا و"إسرائيل".
لذلك، أرسلت إيران إلى أميركا و"إسرائيل" رسالة واضحة بأنها مستمرَّة في الحضور داخل الساحة السورية، بموافقة الدولة السورية، بل إن هذا الحضور سيتمّ تطويره، فبعد أن كان يقتصر على الدعم الشامل للجيش السوري في مواجهة الإرهابيين، تطور الآن من خلال تطوير القدرات العسكرية للجيش السوري، وجعله قادراً على مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي من خلال قدراته الذاتية.
هذا الاتفاق العسكري الإيراني السوري يؤكّد عمق التحالف الاستراتيجي بين إيران وسوريا، ويظهر أنّ تحسّن علاقات سوريا مع بعض دول الخليج التي تعادي إيران، ليس على حساب التحالف الإيراني السوري، كما أن هذا الاتفاق مرحلة جديدة من الصراع بين محور المقاومة و"إسرائيل"، عبر سعي المحور من خلاله إلى مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي وردعه، ومنع "إسرائيل" من اختراق الأجواء السورية ومهاجمتها مجدداً.
هذا الاتفاق هو رسالة واضحة من محور المقاومة لأميركا و"إسرائيل"، بأنَّ العقوبات الاقتصادية والتفجيرات الإرهابية في إيران لن تنجح في ليّ ذراع المحور وإجباره على تغيير موقفه المبدئي من القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.