هذه نتيجة من يقبل بلعبة القانون الدولي ولا يملك مقوّمات القوة
ستبقى وتيرة القضم مستمرة لتحقيق "إسرائيل الكبرى"، والغريب أنَّ الكيان لم يخفِ هذا الهدف منذ لحظة وجوده، لكنَّ العتب على من لم يقرأ ما يقوله.
-
ما يحدث اليوم لا بدَّ من أن يرفع لدى الكثيرين مؤشر الخطر على دولهم
هل هناك فعلاً تأثير لقرار الضمّ المؤجّل تطبيقاً لصفقة القرن؟ إن الحديث عن تأثير، يتضمَّن الاعتراف بالكيان الصهيوني، مهما حاول من يتحدَّث أن يبيّن الوجه الوقح والبشع لهذا الكيان، فالضمّ لا يختلف عن الوضع القائم، وعن حال حيفا وعكا والناصرة. فلسطين محتلّة بالكامل من النهر إلى البحر، ولا بدَّ من أن يكون التحرير أيضاً من النهر إلى البحر.
أما لعبة القانون الدّوليّ، فهذه قصَّة... ففي كلّ مرة يقول العرب فيها إنَّهم سيوقفون الكيان من خلال المفاوضات، تتحوّل الأخيرة إلى ذريعة أخرى للكيان الصهيوني لتبرير روايته وتأكيدها، ويأخذ أكثر مما تسمح به المفاوضات.
لنتذكّر معاً: قرار التقسيم قدَّم 51% من أرض فلسطين للكيان الصهيوني، وكان ذلك الذريعة لقضم 78% من أرض فلسطين. مفاوضات أوسلو أعطت الكيان الشرعية فوق الفارق. تقديم طلب الانضمام إلى الأمم المتحدة على أساس أوسلو حوَّل الأرض الفلسطينيَّة إلى "دولة إسرائيل"، باعتراف "ممثّلي الشعب الفلسطيني".
إنّ الاعتراف بالقرار 242 كان الممهّد لما يقوم به الكيان اليوم، فحين يعترف المفاوض الفلسطيني بأن أقصى ما يطمح إليه هو حدود ما قبل 5 حزيران/يونيو 1967، يصبح القرار 242 أساس "الدولة الفلسطينية" المنشودة، ولكن ذلك يتضمَّن أيضاً الخلاف القانونيّ حول القرار بنصّيه العربي والإنجليزي: الحديث عن "الأراضي" أو عن "أراضٍ"... وتصبح اللعبة هي عينها التي يتقن الكيان الغاصب لعبها: "أنتم اعترفتم بالقرار 242، وما نقوم به هو تطبيق هذا القرار. وبما أنَّ النزاع حول أراضٍ محتلة، فلا ضير من تبادل الكيلومترات هنا أو هناك". هذا هو منطق من يقبل بلعبة القانون الدولي، ولا يملك مقومات القوة التي تفرض تفسيره للقانون.
الحل الأمثل يكون بالعودة إلى الموقف العربي العروبي: "ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة"، وفلسطين عربية ومحتلة بالكامل، ولا فرق بين الأجزاء التي احتلّت في العام 1948 وتلك التي احتلّت في العام 1967. ولا بدَّ من جهد عربي مشترك لتثبيت هذا الحق، لكننا ندرك أنَّنا لا نحيا في عالم مثالي.
ما يحدث اليوم لا بدَّ من أن يرفع لدى الكثيرين مؤشر الخطر على دولهم، فإذا لم يعد هؤلاء إلى تبنّي سياسة واضحة في التعامل مع الكيان الصهيوني، وإذا لم يتم تغيير سياسة التبعية للغطرسة الأميركية الداعمة للكيان، فستبقى وتيرة القضم مستمرة لتحقيق "إسرائيل الكبرى". والغريب أنَّ الكيان لم يخفِ هذا الهدف منذ لحظة وجوده، لكنَّ العتب على من لم يقرأ ما يقوله.
هناك فرصة ثمينة اليوم على مستوى الجغرافيا السياسية، وخصوصاً مع جملة التغيّرات العالمية. هذه الفرصة تتمثّل في التحالف مع القوى الدولية الناهضة التي تتبنّى مواقف أكثر قرباً إلى التصوّر العربي منها إلى الكيان الصهيونيّ.
هذه الفرصة مهمَّة، فالقطار سائر، ومن لا يرى أنَّ الهيمنة الأميركية على العالم تتزعزع يوماً بعد يوم، لم يقرأ حركة التاريخ جيداً، ومن يركب القطار أولاً يحصل على مكاسب أكبر. أما المهزومون من الداخل، فسيستمرون بالولولة من دون طائل.
السياسة لا تستجيب للصراخ؛ إنها تستجيب للأعمال، وهي تتضمّن: إلغاء معاهدة وادي عربة، وإلغاء معاهدة كامب ديفيد، والتراجع عن طلب الانضمام إلى الأمم المتحدة على أساس القرار 242، والالتفات نحو جمع ما تبقى من قوة عربية، وإيقاف النزف المستمر للدم العربي. وأي تحرك خارج هذه الأعمال يبقى في مجال الصراخ الذي لا طائل منه.