قانون قيصر واحتجاجات لبنان.. الهدف منع الانتفاضة الثالثة
لقانون "سيزر" هدفٌ أساس يتمثل في الضغط عبر تجويع البطون، من أجل الذهاب باتجاه تسويات كبرى لعدة ملفات، أهمها تمرير خطوة ضم الأغوار، كجزء ممّا يعرف بـ"صفقة القرن".
تستعدّ الولايات المتحدة الأميركية لتفعيل "قانون قيصر" ضد سوريا، والقاضي بشنّ عقوبات على كلّ الأفراد والشركات، من مثل البنك المركزي السوري والشركات النفطية وشركات التشييد والبناء، وكذلك على البلدان المجاورة التي توفّر الدعم الاقتصادي لدمشق.
هذا القانون يبدأ تنفيذه الشهر الحالي، تحت شعار "حماية المدنيين"، فيما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة لا تجد من يخفّف منها أو يساعد على حلّها، في ظلّ جائحة كورونا التي تسببت بأزمة اقتصادية عالمية، وكذلك حسابات التوازنات الاستراتيجية بين الفواعل الإقليمية والدولية على امتداد ساحات التجاذب في المنطقة، ناهيك بتظاهرات يحضر فيها التحريض الطائفي، وليس بعيداً منها ما تعمّدت إبرازه بعض وسائل الإعلام اللبنانية والعربية من سبّ لأم المؤمنين عائشة، حتى تستفز مشاعر سنّة لبنان وتحدث المواجهات وتكبر.
يتزامن ذلك مع استعداد "إسرائيل" أمنيّاً وإعلامياً لخطوة سنّ قانون فرض سيادتها على جميع التجمّعات السكنية اليهودية في الضّفة الغربية، والتي ستنطلق إجراءاتها بدايةً من شهر تموز/يوليو القادم، كما صرّح رئيس الائتلاف الحكومي في "إسرائيل"، ميكي زوهار. ويفترض أنها ستمتدّ إلى أسابيع بعد عرضها على الكنيست للتصويت عليها. يأتي ذلك في ظلّ تحذيرات أوروبية من ردود الفعل المتوقعة، وأهمها إمكانية قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة.
فما الذي يحصل؟ وما سرّ الترابط بين ما يحدث في سوريا ولبنان بفلسطين؟
الولايات المتحدة الأميركية التي تعدّ حليفاً وراعياً استراتيجياً لـ"إسرائيل"، لا تفعل شيئاً خارج إطار مصالح الكيان المحتل، وهذا ما يعنيه قانون قيصر، الذي يلمّح ترامب إلى إمكانية رفع أحكامه في حال اتخاذ دمشق خطوات ملموسة وإجراءات جادّة في إطار "احترام حقوق الإنسان"، مع أولوية سلامة المدنيين وأمنهم، إضافةً إلى التفاهم مع الجوار (وهو يقصد "إسرائيل")، بحسب قوله.
ترامب الذي يعلم مسبقاً بكذبة عدم احترام الدولة السورية لحقوق الإنسان وسلامة المدنيين، إنما يقول ذلك للهروب من سؤال السّبب الحقيقي وراء تفعيل هذا القانون القاسي، وخصوصاً أنّ الواقع التحليلي يؤكد أنّ تجويع الشعب السوري ومنع عجلة اقتصاده من استعادة توازنها ودورانها، يأتي في إطار الضّغط على دمشق وإلهائها عن قضيّة ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، حتى لا يحصل الدعم اللازم من أجل التنسيق لقيام انتفاضة ثالثة، باعتبارها داعماً أساسياً لقضية الشعب الفلسطيني، وهو ما يسمى باستراتيجية الإلهاء، لكن ذلك ليس الهدف الوحيد من القانون.
بالعودة إلى التاريخ، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، قدّمت الولايات المتحدة الأميركية مشروع مارشال الأوروبي، لتقديم قروض وهبات لإعادة إعمار الدول الأوروبية التي دمرتها الحرب. وكان المبلغ الذي قُدِّم نحو 13 مليار دولار أميركي. وقد كانت الفوائد المرجوّة تدور حول:
1- الاستفادة من عوائد فوائد القروض اقتصادياً.
2- محاصرة الشيوعية ومنعها من التمدّد باتجاه أوروبا الوسطى.
3- عقد تحالفات أوروبية - أميركية، انبثق عنها لاحقاً حلف شمال الأطلسي والتكتل الاقتصادي الأوروبي.
كذلك تفعل أميركا عبر سعي ترامب لوضع اليد على مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، والتي قد تتجاوز قيمتها 250 مليار دولار أميركي، مع بدء وضع المخطّطات لها، وخصوصاً أنه يعلم نيّة سوريا التوجه شرقاً، باتجاه نيل الدعم الروسي والصيني والإيراني من أجل تمويل المشاريع، ومنع أيّ دولة ساهمت في تدمير سوريا من عمليات إعادة الإعمار.
تسعى الإدارة الأميركية في أحد جوانب تطبيق هذا القانون، إلى إسقاط مشروع إبعادها من عمليات الاستثمار في البناء، ذلك أنّ ترامب يسعى إلى تعويم اقتصاد بلاده وإنتاجه الداخلي المصاب بالكساد عبر مشاريع لها عوائد ضخمة، من أجل استخدام ذلك كورقة رابحة تمهيداً لانتخابه لولاية ثانية.
لقانون "سيزر"، إذاً، هدفٌ أساس يتمثل في الضغط عبر تجويع البطون، من أجل الذهاب باتجاه تسويات كبرى لعدة ملفات، أهمها تمرير خطوة ضم الأغوار، كجزء ممّا يعرف بـ"صفقة القرن".
وفي السياق نفسه، تأتي أزمة لبنان الاقتصادية واحتجاجات شريحة جائعة من شعبه، وخصوصاً أنّ الإحصائيات تشير إلى وقوع نحو 400 ألف عائلة تحت خط الفقر والعوز، فلماذا لا نجد مساعدات تصل إلى هذا البلد لإنقاذه، إذا كان البعض فيه ممن يؤيدون سياسات أميركا، يرون أنّ الغرب لن يسمح بانهيار لبنان!؟
هذا الغرب الذي لم يمنع اجتياح "إسرائيل" للبنان مراراً، ولم يوقف تدهور أوضاعه، هل سيمنع انهياره الآن وهو يعتقد أنّ حزب الله يسيطر على البلاد، ويسعى من خلال الجوار الجغرافي مع فلسطين لدعم الحركات المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح! فكيف إذا تعلّق الأمر بدعم ترامب لنتنياهو في خطوة ضم الضفة الغربية، ألن يكون حزب الله داعماً أساسياً مع كل من إيران وسوريا لانتفاضة ثالثة من شأنها تهديد ما تسعى له أميركا و"إسرائيل"!
إن التظاهرات التي تخرج من الداخل اللبناني رافعةً شعار نزع سلاح حزب الله تدور في هذا الفلك، وتسعى للضغط وإلهاء الحزب حتى يتم تمرير خطوة ضم الأغوار، ويكون الجاران الملاصقان لفلسطين (سوريا ولبنان) منشغلين بملفات داخلية طارئة وكبيرة، كذلك تسخين الشارع عبر شعارات طائفية لا تميّز فيها الشعوب بين المؤامرة والحقيقة.
إنّ الإدارة الأميركية لا تهدف من خلال قانون "قيصر" أو احتجاجات لبنان لإسقاطهما، فهي تعلم يقيناً أنهما قادران على استخدام القوة اللازمة عند الحاجة لمنع أي تطوّر غير مرغوب، باعتبارهما يخرجان منتصرين من أكبر الحروب الدائرة - الحرب سورية - ولكنها تهدف إلى إشغالهما عما يجري التحضير له في "إسرائيل"، وهذا ما تؤيده الأحداث التاريخية، فكلما حدث شيء في لبنان يقع بالتزامن معه حدث كبير يتعلق بتكريس وجود "إسرائيل".
يؤكد ذلك تزامن التواريخ والاستحقاقات التاريخية الحديثة في المنطقة مع ما كان يحضّر له في فلسطين، ومن ذلك على سبيل المثال:
اندلاع الحرب الأهلية في لبنان (1974 – 1975)، لتأتي بعدها بسنوات اتفاقية كامب ديفيد.
1989 - 1991: تمرّد العماد ميشال عون، ودخول صدام حسين إلى الكويت، وبعدها مؤتمر مدريد للسلام.
1993: اجتياح "إسرائيل" للبنان في عملية تصفية حسابات، وتوقيع اتفاقية أوسلو، ومن ثم وادي عربة في العام 1994.
1996 - 2003: انسحاب "إسرائيل" من لبنان بلا اتفاق... انتفاضة فلسطينية بعد زيارة شارون إلى الحرم، انتخاب بشار الأسد رئيساً، واعتداءات برجي التجارة في أميركا، ثم قمة بيروت للتطبيع في العام 2002، ثم اجتياح العراق، فتهديد لبنان وسوريا.
2004- 2006: اغتيال ياسر عرفات في ظروف غامضة، واغتيال الحريري، ثم انسحاب الجيش السوري من لبنان، وبعدها الحرب المدمّرة على لبنان والمقاومة.