رسائل ناقلات النفط الإيرانية إلى فنزويلا

ناقلات النفط الإيرانية تبعث برسائل واضحة للأميركي، وترسم دلالات تغييرات قادمة سوف تنعكس نتائجها على مستوى العالَم.

  • رسائل ناقلات النفط الإيرانية إلى فنزويلا
    الناقلة الإيرانية الثانية "فورست" عند وصولها إلى المياه الفنزويلية (الميادين)

على عادتِها تواصل الولايات المتحدة الأميركية سياسة فرض العقوبات الاقتصادية على كلّ الفواعِل والأطراف الدولية وغير الدولية، في سعي مُعلَنٍ منها لتركيع كلّ من يحاول التملّص من الهيمنة التي تعمل على تكريسها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في نهايات القرن العشرين  1989.

توجّه الولايات المتحدة الأميركية أصابع الاتهام إلى الحكومتين الإيرانية والفنزويلية على أساس أنهما إرهابيتان، وتتهمهما إما بدعم الإرهاب وتمويله، أو بممارسة الإرهاب المباشر. وفي هذا السياق تواجه الدولتان عقوبات قاسية وطويلة ربما لا يكون آخرها فرض حظر تام على تَزَوّد فنزويلا بمشتقّات النفط.

إنَّ النظرة الأميركية التي ترى العالَمَ ساحةً مشروعةً لتواجدها المصلحي، لا تجد مانعاً مِنْ اِستعمال فائض القوّة الذي تملكه في الجانب الاقتصادي لضرب كل مُنافس أو عدو لها، وهي بذلك تتجاهل أنّها تمارس نفس الإرهاب الذي تتهم به غيرها من دون أيّ رادع، خاصة في ظلّ الصمت الذي تلاقيه من المجتمع الدولي وخصوصا دول أوروبا التي تستسلم بشكل مُثير للدهشة لإرهابِ الإدارة الترامبية منذ وصول هذا الأخير إلى البيت الأبيض، بل وتعينه على ذلك.

في الساعات الأخيرة اكتمل وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى المياه الإقليمية لفنزويلا مُحمّلةً بأنواع المُشتقّات النفطية التي تحتاجها فنزويلا المُحاصرَة من أجل الصمود. حصل ذلك رغم حملة التهديدات التي لوّحت بها إدارة ترامب من إمكانية توقيف تلك الناقلات.

وقبل عام كانت ناقلة إيرانية توجّهت باتجاه سوريا لكَسْرِ الحصار والعقوبات عنها، وقد شاهد الجميعُ حربَ الإرادات التي وقعت بين بريطانيا، التي قامت باحتجاز ناقلة إيرانية في مضيق جبل طارق، وبين إيران التي ردّت بالمثل عبر احتجازها لسفينة بريطانية، وانتهى الأمر بتسويةٍ سمحت بإطلاق سراح الناقلة الإيرانية لتكمل طريقها بنجاح نحو سوريا.

فما هي أبرز الدلالات والرسائل لهذا التوجّه الإيراني، في ظلّ الظروف الدولية الراهنة من انتشار واسع لفيروس كورونا، وفي ظلّ العقوبات الأميركية التي يبدو أنه لا نهاية لها؟

سوف نورِدُ أهم الدلالات والرسائل كالتالي:

1- وصول ناقلات النفط يُظهر قدرة إيران على رفع مستوى المواجهة، خاصة أنّ الناقلات سلكت طريق مضيق جبل طارق، وباب المندب اللذَين تتواجد فيهما قواعد أميركية، وبالتالي فإنّ أُولى الدلالات هي تحدّي الغطرسة الأميركية ووضعِها أمام اختبار المواجهة أو الصمت.

 2- الفعل الإيراني هو إعلان عن تشبيك اقتصادي بين الدول المُحاصَرَة أميرِكيّاً، فمع تزايد العقوبات يصبح لزاماً على تلك الدول أن تجد حلولاً لمشاكلها، والطريق الأنسب لذلك يأتي عبر تبادُل السِلع والمواد الطاقوية في ما بين تلك الدول من دون الحاجة للعملات التي يتحكّم فيها الدولار الأميركي. وبالتالي فتزويد إيران لفنزويلا بمشتقّات النفط يقابله تزويد فنزويلا لإيران بالذهب، وبعض المواد المُشعّة ومنها "الثوريوم"، التي تتساوى أو تتفوّق على اليورانيوم من حيث القيمة، خاصة إذا علمنا أنّ فنزويلا تحتل المركز الخامس في إنتاج هذه المادة، وبالتالي فإنّ هذه الخطوة ربما تكون فاتحةً لسلسلة تبادُلات تحقّق اكتفاءً مُتبادَلًا.

 3- العقوبات الأميركية تُعتَبر خطوات تكتيكية تنتهي بعد أشهر بطلب التفاوض إذَا ما تحقّق الصمود في وجهها، وهذا ما نشهده في كل من سوريا، وإيران، وفنزويلا، وكوبا، وروسيا  ومعها الصين، في حين أنّ خطوة التشبيك الاقتصادي هي خطوة استراتيجية تبيّن إرادةً واضحة لدول المُمانعة للهيمنة الأميركية، تتلخّص في معادلة حل مشاكل الاقتصاد من دون الحاجة لإذنٍ من القوّة العُظمى أميركا، وما يَستتبع ذلك من نتائج على مستوى كَسْر الهيمنة.

 4- التواجد الأميركي في منطقة الخليج، يقابله تواجد إيراني في خليج المكسيك والبحر الكاريبي، وبالتالي من حق الجميع التواجد في أية نقطة من البحر واليابسة (توسيع مفهوم الأمن القومي للدول تماماً كما تفعل أميركا).

 5- إيران لا ترتكب مُخالفة للقانون الدولي بتزويد فنزويلا بما تحتاجه من مواد نفطية، وليس من حق الولايات المتحدة أن تقف عائقاً أمام الناقلات، فيتحصّل من ذلك خطأ التهديدات الأميركية بحجزها، وهذا ما حذّر من تبعاته الرئيس الإيراني حسن روحاني وكذلك فعل الحرس الثوري عبر وضع حدود الردّ على شعاع 2000 كلم إذا ارتكبت أميركا أيّة حماقة.

6- نقطة الأخيرة، هي الرسالة التي تفهمها أميركا جيداً وتخشاها، فبعد جائحة كورونا وما جلبَته من أزمات على مستوى العالم، تراجع مستوى العمل الميداني لمحور المقاومة لتحقيق هدف إخراج القوات الأميركية من منطقة غرب آسيا، على حساب التفرّغ التام لمواجهة كورونا، وبالتالي فخطوة الناقلات قد تُعتبر عودةً للعمل على تحقيق هدف الثأر لشهداء القدس سليماني والمهندس، وهو إخراج آخِر جندي أميركي من المنطقة.

 

 

مجموعة من ناقلات النفط الإيرانية تتوجه إلى فنزويلا محملة بمادة البنزين وقطع الغيار لمصافي النفط، وتتحدى العقوبات الأميركية والحصار المفروض على هذا البلد، في خطوة قد تنعكس بشكل كبير على الأحادية والتفرد الذي تنتهجه الإدارة الأميركية.