النتائج الاستراتيجية التي يمكن أن تحقّقها "إسرائيل" من التّطبيع
ما أدركه بنيامين نتنياهو نفسه اختصره بجملة واحدة: العقبة الكُبرى أمام توسيع "السَّلام" لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائِد في الشَّارع العربي.
منذ فترة تروّج الحكومة "الإسرئيلية"- لا سيّما رئيسها الحالي بنيامين نتنياهو- للإنجازات التي حقّقتها في مجال عملية التطبيع مع بعض الدول العربية، لا بل إن نتنياهو يعتبر أن تلك الإنجازات هي من أهم إنجازاته خلال فترة ترؤسه للحكومة، وقد استخدم هذا الموضوع كثيراً في إطار حملاته الانتخابية المتلاحِقة للفوز برئاسة الوزراء.
لا شك أن ما حقّقته الدبلوماسية العامة لتل أبيب يمكن اعتباره أحد الإنجازات الهامة من منظورها، فهي قد استخدمت كل أساليب الدعاية العامة وأنواع الدبلوماسية لتحقيق هدفها في نَسْج العلاقات مع الحكومات العربية ومحاولة تعميم تلك العلاقات على النُخَب والمجتمعات العربية، فعلى سبيل المثال وفي إطار الدبلوماسية العلمية يقوم معهد الدبلوماسية والتعاون الإقليمي (UIDRC) - الذي هو أحد فروع كلية العلوم الاجتماعية في جامعة تل أبيب- ومنذ عام 2003 بعقد المؤتمرات العلمية بحضور الخبراء العرب .
وفي مجال الدبلوماسية الرّقمية، تمّ افتتاح منصّة إلكترونية طبية بالتعاون مع وزارة الخارجية "الإسرائيلية" وأطباء "إسرائيليين" يتقنون اللغة العربية، بهدف التّعاون مع الأطباء العرب والمهتمّين بالشأن الصحّي عموماً، كونه من المجالات الحيوية والواسعة الانتشار والتي يمكن من خلالها التوسّع في هذا النمط من العلاقات لتشمل مجالاتٍ أخرى.
لكن رغم الإنجازات السابقة وفي التقييم الاستراتيجي العام للسياسة "الإسرائيلية" في مسار عملية التطبيع عموماً، لا بدَّ من النظر إلى الموضوع وفق رؤيةٍ شاملة ومتكامِلة، تأخذ بالحسبان وعند عرض النتائج الاعتبارات الآتية:
- كما ذُكِر سابقاً لا يخلو الإنجاز الإسرائيلي من دلالاتٍ مؤثرة خاصةً من النّواحي الرمزية، إذا ما تمَّ الأخذ بعين الاعتبار العلاقات وبناء الأحلاف التي يتمُّ تركيبها مع المملكة العربية السعودية، كون المملكة تُعَدُّ الموطِن الأساسي لأهم المدن الإسلامية المقدّسة حول العالم.
ولكن من الناحية السياسية يمكن القول إن أهم إنجاز استراتيجي حقّقته "إسرائيل" كان ولا يزال هو اتفاقيات كامب ديفيد وتوقيع معاهدة السلام مع جمهورية مصر العربية، يليها من حيث الأهمية كل من اتفاقيّ أوسلو ووادي عربة، ورغم المزايا الاستراتيجية الكُبرى التي حقّقتها تلك الاتفاقيات لتل أبيب سيما في مجال بناء العلاقات مُتعدّدة الأبعاد مع أهم وأكبر الدول العربية والأكثر حساسية بالنسبة لموقع "إسرائيل".
كانت النتائج التي بدأت تظهر تباعاً عبر السنين المتتالية أنَّ "إسرائيل" خسرت كل من جنوب لبنان وقطاع غزَّة، كما أنَّها لم تستطع أن تحقّق نتائج ملموسة على صعيد الاستقرار الاستراتيجي العام، إذ أنها ما زالت تشعر بالخطر بفعل تعاظُم قُدرات محور المقاومة.
بمعنى آخر تدرك تل أبيب أن التّهديدات المحيطة بها لم ولن تكون من حكومات الرياض أو أبو ظبي أو المنامة أو الدوحة، وبالتالي فإن عملية تطبيع العلاقات مع تلك العواصم وبالرغم من دلالتها الرمزية وأهميّتها إلا أنها لن تقدّم لـ"إسرائيل" الكثير على صعيد النَتائج الاستراتيجية المستقبلية.
- الاعتبار الآخر: هو المتعلّق بقياس مدى النجاح "الإسرائيلي" في تغيير وعي وعواطف الشعوب العربية والإسلامية تجاهها، فهي على سبيل المثال لم تحقّق الكثير في هذا المجال مع الشعب المصري بالرّغم من مرور حوالى أربعين عاماً على توقيع معاهدة "السّلام" مع القاهرة، لا بل إن الشّكوك ما زالت تراودها حول إمكانية استمرار تلك المعاهدة.
وهنا يبرز دور العامل النفسي والمشاعر السلبية القاتمة لدى الشعوب العربية الذي سيكون من الصّعوبة على تل أبيب تغييره إلا في نطاقٍ محدودٍ جداً، فكم الحروب اللامُنتهية التي شنّتها ولا تزال "إسرائيل" سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر وحال عدم الاستقرار المزمِنة التي تعاني منها المنطقة العربية عموماً، لا تسمح لأيّ مواطن عربي طبيعي أن يغيّر مشاعره وعواطفه تجاهها وهذا في الحقيقة ما أدركه بنيامين نتنياهو نفسه عندما قال في إحدى تصريحاته:
(العقبة الكُبرى أمام توسيع "السَّلام" لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائِد في الشَّارع العربي).