عالم يتغير.. كورونا يصيب مفاهيم القوة

يبدو أن العالم سيتّجه من المظلّة النووية إلى المظلّة التكنولوجية والجرثومية كلٌ حسب قدرته العلمية وخبرته في إدارة الصراعات والحروب وبالتالي سيفتح الباب مستقبلاً لانتقال السلطة من الغرب إلى الشرق.

  • عالم يتغير.. كورونا يصيب مفاهيم القوة
     ثلاث دول ستتصدّر المشهد السياسي أبرزها الصين التي ستستلم زعامة العالم الاقتصادية

 

ما بعد كورونا ليس كما قبله، فالعالم يشهد بروز أقطاب جديدة في واجهة العالم السياسي والاقتصادي والعسكري بعد كشف كورونا زيف الدول المتقدّمة وإصابة النظام النيوليبرالي العالمي بخسائر فادحة وتغيير موازين القوى الفعلية.

 ثلاث دول ستتصدّر المشهد السياسي أبرزها الصين التي ستستلم زعامة العالم الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية حيث تؤسّس على قواعد علمية متينة الحروب العسكرية، وتطوّر أسلحتها والتكنولوجيا الخاصة بها لتتوافق مع متطلّبات الصراع من رَفْع قدرات الإنسان إلى إحداث ثورة في نمط الفعل عبر دَمْج خوارزميات الذكاء الاصطناعي في المجالين الأمني والعسكري ودفع الشركات التقنية إلى الخطوط الأمامية للمعركة، فالكثير مما رأيناه في الصين أو سمعناه عن تكنولوجيا الفضاء والاتصالات والذرّة ومراقبة الفضاء الافتراضي ووسائل التواصُل الاجتماعي، تعتبر مُقدّمة لمشهد تغييرات اجتماعية ستكون فاتحة لسباق تسلّح من نوع آخر يلغي مفهوم الحرب العنيفة إلى حرب اللاعُنف قائمة على صناعة معامل بحث ومختبرات مطوّرة للتقنيات وأذرع اقتصادية عملاقة، وهذا ما يُفسّر جنون ترامب من استخدام الصين  تقنية الجي5، ومع الوقت ستحتاج الصين إلى تحقيق أمن سيبراني في عالم الاتصالات سيكون عماد بروزها كقطبٍ مؤثّرٍ في وجه الأميركيين.

أما اقتصادياً فتستثمر الصين بطُرُق مختلفة تريليونات الدولارات في عشرات البلدان من خلال مشروع الحزام والطريق وهو عبارة عن حزام قارّي من البنية التحتية تم إنشاؤه على طريق الحرير البحري لجذب الاستثمارات الأوروبية والآسيوية والأفريقية، حيث تعمل الصين على دَفْع الولايات المتحدة الأميركية خارج نطاق المحيط الهادي الهندي.

وفي حين يسيطر مبدأ السلطة الأوراسية على روسيا في طريقها للصعود كقوّة عُظمى، تسعى إلى مد سيطرتها عبر التحالفات السياسية أو التدخّل العسكري غير المباشر أو الضغوط الدبلوماسية، فقد تمكّنت من تأسيس شبكات وكالات مُتخصّصة لتطوير مناطق شاسَعة في سيبيريا والشرق الأقصى حتى شمال المحيط الهادئ، وعملت على بناء شبكات طُرُق جديدة للنقل عن طريق البر والبحر في القطب الشمالي وشبكات هائلة لمد خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، إلى جانب إنشاء مناطق اقتصادية تشجّع الاستثمار الأجنبي في محاولة لخلق أيديولوجيا جديدة والانضمام إلى طريق الحرير الجديد، وأعادت ترتيب تحالفاتها وبناء علاقاتها مع الدول الآسيوية كالهند وباكستان وإيران والصين وفيتنام ومنطقة آسيا الباسفيك بما فيها أستراليا ونيوزيلندا، وقد عمدت إلى استخدم استراتيجيات مختلفة منذ بداية مشكلة القرم عبر بيع الأسلحة ومُنتجات الطاقة إلى آسيا والسعي إلى تطوير قدراتها في العلوم والتكنولوجيا لتوسيع صناعة التكنولوجيا الفائقة التطوّر.

أما في المجال العسكري فقد عزّزت قواعدها العسكرية في كل من أبخازيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وترانسنيستريا وسوريا وطاجيكستان وأوسيتيا الجنوبية، وتسعى إلى تعزيز التعاون العسكري مع تايلاند  ضمن ميناء ساتاهيب لتكون لاعباً في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي والمحيط الهادئ، وبالتالي تنفيذ أجنداتها الجيوسياسية وتعزيز دفاعاتها، ويشكّل المجمع العسكري الصناعي رأس الحربة في دفع روسيا للصعود في وجه الهيمنة الأميركية كصناعة السفن البحرية والطائرات المُقاتلة والصواريخ العابِرة للقارات ومجموعة أنظمة الدفاع للملاحة الفضائية.

أما الهيمنة الأميركية فقائمة على الصعيد الجيوسياسي على القوّة العسكرية النووية والفضائية والبحرية حيث تمتلك أقوى أسطول بحري في كل محيطات العالم وقواعد عسكرية وتموينية وتجسّسية في معظم الأقطار، وتمتلك أقوى وكلات التجسّس، ومؤخراً تحوّلت الولايات المتحدة على الصعيد الإيديولوجي من العنف المسلّح إلى غزو العقول عبر وسائل الإعلام ورفع شعارات حقوق الإنسان والحريات لتقويض سلطات الدول، وتمارس هيمنة مُطلقة على الصعيد المعلوماتي حيث تتحكّم بالصناعات الرقمية والبرمجيات والطُرُق السريعة لنقل المعلومات والاقتصاد الجديد.

أما الأخطر فبيولوجياً، حيث يتمّ تمويل برنامج المختبرات الحيوية الأميركي من قِبَل وكالة DTRA  العسكرية، ويُنظر إلى برامج انتشار الفيروسات المعدّلة وراثياً المدعوم من وكالة مشاريع البحوث المُتقدّمة في الدفاع الأميركي DARPA على أنها تطوير عوامل بيولوجية لإيصالها إلى أهداف العدو، كما تعمل ثلاث شركات أميركية خاصة في مركز لوغار  CH2M Hill و Battelle و Metabiota، وهي تدير المشاريع الفيدرالية في جورجيا وأوغندا وتنزانيا والعراق وأفغانستان وجنوب شرق آسيا وأرمينيا وفيتنام.

ورغم كل ما سبق فإنها تقف عاجزة وترزح تحت وطأة كورونا الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم، وبقيت شركات التكنولوجيا الأميركية خارج إطار المكافحة وخذلت شركة غوغل رئيس الولايات المتحدة الأميركية في إصدار تطبيق وموقع الكتروني يساعد في فحص أعراض مرضى الكورونا، في حين اكتفى ترامب بالهجوم على الصين وتعليق تمويل منظمة الصحة العالمية لعجزه عن احتواء المرض ومنع انتشاره.

يبدو أن العالم سيتّجه من المظلّة النووية إلى المظلّة التكنولوجية والجرثومية كلٌ حسب قدرته العلمية وخبرته في إدارة الصراعات والحروب وبالتالي سيفتح الباب مستقبلاً لانتقال السلطة من الغرب إلى الشرق.

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.