ما هي المُعطيات التي قادت حكومة الوفاق إلى تحقيق التقدّم في ليبيا؟
على صعيد القوّة العسكرية أصبح لحكومة الوفاق تنظيم أكثر بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع حليفها التركي.
ليبيا الغائبة أنباؤها اليوم في كل محفل دولي بفعل فيروس كورونا، حاضرة صيتاً ذائعاً بفعل ما حقّقته أخيراً حكومة الوفاق من تقدم ميداني على أرض المعركة.
فعلى غير ما اشتهت سفن الجنرال المُتقاعد خليفة حفتر أتت رياح السيطرة على معاقل له كانت تتحصّن فيها قواته وأجبرتها على الانسحاب من كامل الشريط الغربي حتى الحدود مع تونس، وبذلك أصبح معظم الطريق الدولي الرابِط بين العاصمة طرابلس وصولاً إلى تونس في قبضة حكومة الوفاق.
جاء ذلك بعد سيطرة قوات الوفاق على ست مدن خلال ساعات بمساحةٍ إجماليةٍ تعادل 3250 كيلومتراً مربعاً تقريباً وهي صرمان وصبراتة والعجيلات والجميل والراقدين وزلطن، تبع ذلك انسحاب قوات حفتر إلى قاعدة الوطية الجوية جنوب غرب البلاد.
اللافت في هذا السياق كان كلمة رئيس حكومة الوفاق فائز السرّاج عقب إحراز قواته لهذا التقدم، وتغيّر لهجة حديثه على غير ما عهدناه عليه من تصريحات، وهو يشير بأصابع الاتهام إلى دول مازالت تدعم القوات التابعة لحفتر بالمال والسلاح والذخائر وبمعدّات الحرب الثقيلة بعد استحواذ قوّاته على ترسانةٍ من الأسلحة الإماراتية والمصرية كانت وصلته في الآونة الأخيرة. ليس هذا وحسب بل ذكر السرّاج أن هذه المعركة خلّفت وراءها "جثامين لمُرتزقة ستُعيدهم حكومة الوفاق إلى عواصم دولهم برفقة أوراق هوياتهم" بحسب قوله.
وتعريجاً على ما سبق نستطيع أن نقترب من المشهد أكثر فأكثر ونفهم ما هي المُعطيات التي قادت حكومة الوفاق لتحقيق هذا التقدّم الملحوظ.
ظنّي أن امتلاك حكومة الوفاق لغطاءٍ جوي وأسلحة مُضادّة للطائرات ذات كفاءة عالية كان له العامل الكبير فى تحديد مواقع وإحداثيات نقاط تتمركز فيها قوات حفتر ما أدّى إلى سهولة استهدافها، إضافة إلى استهداف بعض القادة الميدانيين وآمري الكتائب قبل أيام من عملية الساحل الغربي، مما خلق حال ذُعر وارتباك بين أفراد هذه الكتائب، بالإضافة إلى مقتل بعض أبناء القبائل المُسانِدة له، وذلك ما يُعيد التساؤل بين شيوخ تلك القبائل: هل خليفة حفتر قادر على حسم المعركة عسكرياً في ظل توالي النكسات العسكرية؟
الأمر الثاني والهام هو سلاح مُضادّات الطيران الذي أسقط طائرتين مُسيَّرتين بالإضافة إلى طائرة عمودية. كل ذلك يُغيّر توازُنات المعركة ويبرز مدى قوّة وكفاءة التسليح بين الطرفين.
ما شهدناه من تقدّم للقوات التابعة لحكومة الوفاق على أرض العمليات كان نِتاج تطبيق الاتفاق الأمني الذي أبرمته الأخيرة مع تركيا، ومن ضمنها الطائرات المُسيَّرة.
في الآونة الأخيرة أراد حفتر فرض سياسة جديدة وهي الحصار، حيث قطع خطوط الماء والكهرباء وأغلق الموانئ وقصف المُستشفيات والميناء، واستهدف المدنيين ظنّاً منه أنه يظهر عجز حكومة الوفاق في تأمين أدنى وسائل العيش لأبناء شعبها، لكن أتت هذه السياسة بنتيجةٍ عكسيةٍ وأيضاً بما لا تُحمد عقباه، وأوجدت غضباً شعبياً في أوساط أبناء الغرب الليبي، إضافة إلى طرابلس العاصمة وهذا ما خلق لحكومة الوفاق فرصة سانحة للتقدّم عسكرياً استجابة لنداءات أبناء هذه المدن المُتضرّرة.
ما هي النتائج المُحتملة لهذا التطوّر على المستويين العسكري والسياسي؟
يقول خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية إن سيطرة قوات حكومته على مدن الساحل الليبي ستفتح الطريق على تطوّرات أخرى عسكرية، وستعيد مدن الجنوب الليبي إلى سيطرة الحكومة بعدما كان الطريق مقطوعاً إليها بفعل سيطرة قوات حفتر على الساحل الغربي الواصل إليها.
ولا تخفى أهمية السيطرة على مدينتي صبراتة وصرمان لدى حكومة الوفاق.
بهذه السيطرة أصبحت الحكومة مُستحوذة على جزء كبير مطلّ على الساحل والذي يبلغ امتداده حوالى 500 كم وبعمق أكثر من 100 كم باستثناء منطقة ترهونة فقط الواقعة في المنطقة الغربية، فقد كان تمركز قوات حفتر الأكبر في هذا النطاق متواجداً في ثلاث مدن وهي ترهونة وصبراتة وصرمان، والآن بالسيطرة على صبراتة وصرمان لم يتبق من مدن الساحل الغربي سوى مدينة ترهونة.
فرضت حكومة الوفاق واقعاً عسكرياً جديداً في المعادلة على أرض الواقع، وكل الدول التي لها مصالح مشتركة مع ليبيا تعلم قرار مجلس الأمم المتحدة الذي نص على أن ممثل الشرعية الوحيد في ليبيا هو حكومة الوفاق، ويمنع أي تعامل لأية دولة مع أي طرف آخر أو مواز لهذه الحكومة، لكن للدول مصالحها بعيداً من القرارات الأممية.
في بيان أصدره الأمين العام للأمم المتحدة قبيل المعركة الأخيرة تحدّث فيه بشكل أوضح مما كان في السابق، حيث أشار بالدليل إلى المسؤول عن قصف المدنيين في طرابلس، إضافة لقصف مستشفى الخضراء التي يعالج فيها مصابو فيروس كورونا وقطع المياه، وكأن الواقع يفرز لنا معادلة أنه كلما كان هناك انتصار عسكري لحكومة الوفاق، كلما كان المجتمع الدولي على استعداد أكثر لدعمها، لاسيما وأن حفتر خذل داعميه كثيراً بعد إعطائه الفرصة تلو الأخرى والكثير من الأضواء الخضر.
على صعيد القوّة العسكرية أصبح لحكومة الوفاق تنظيم أكثر بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع حليفها التركي، وباتت تمتلك ترسانة عسكرية وخبرة كبيرة ومشورة وتوجيه استراتيجي وتكتيكي. استطاعت حكومة الوفاق بهذا الدعم تغطية الثغرات الموجودة في قياداتها ولكن ينقص هذه الحكومة بعض التحرّكات الدبلوماسية والسريعة لتقطع بها الطريق على ما أسماهم رئيس الحكومة فائز السرّاج "بعواصم الغدر".
بعد هذا التقدّم لا أظن أن يقف حفتر متفرّجاً، وأعتقد أنه سيكثّف ضرباته على محيط العاصمة مما يتطلّب من حكومة الوفاق سرعة السيطرة على قاعدة الوطية وضمّ باقي مدن الجنوب لتوسيع رقعة سيطرتها.