فساد رأس المال.. كورونا مزمن في الأردن
الكثير من الأردنيين الذين يعيشون بمعظمهم على الاقتراض سيفقدون أعمالهم، فما الذي سيحل بهم عندما يحين موعد السداد ويتعثّرون؟
-
صورة أرشيفية من الأردن
سننهض من هذه الأزمة، فللوباء، أياً كان، منحنى لا بدّ من أن يسير فيه باتجاه النهاية، ولكن ما ينكره كثيرون أن الوباء نوع من إنذار القوم لعلّهم يتّعظون، فيبادرون إلى إصلاح أنفسهم قبل أن يحلّ بهم عذاب يطال من أخطأ ومن سكت عن الخطأ دفعة واحدة.
اجتمع مجلس الوزراء الأردني الذي يضمّ نخبة من المصرفيين المخضرمين – 4 منهم تحديداً مصرفيون عملوا في مصرفٍ واحدٍ هو البنك الأهلي الأردني - على تمرير تعديل لقانون التنفيذ الأردني، بما ينفع المصارف نفعاً لا يقارن.
وقد تمّ الاجتماع على التعديل بمعزلٍ عن مجلس النواب، حيث إن صلاحية رئيس الوزراء تتيح له تمرير قانون أو تعديله من دون الرجوع إلى البرلمان، إن اقتضت الضرورة، الأمر الذي بدا ملائماً جداً!
ضمّ البنك الأهلي كلاً من عمر الرزّاز كرئيس مجلس إدارة، رجائي المعشر كرئيس مجلس إدارة سابق، هالة زواتي كمستشارةٍ، وطارق الحموري كعضو مجلس إدارة. وللصدفة، أصبح الأول رئيساً للوزراء، والثاني نائباً لرئيس الوزراء، والثالثة وزيرة للطاقة والمعادن، والرابع وزيراً للصناعة والتجارة.
خلال خدمتهم في البنك، أراد البنك الأهلي ما أرادته البنوك كافة؛ أن يتمّ تعديل قانون التنفيذ، بحيث يسمح للبنك بشراء الممتلكات العقارية بثمن بخس، ولكن التعديل استحال على التمرير في ظلّ وجود مسؤولين يرأفون بحال المواطنين.
هكذا استحال تمرير التعديل الذي دعت إليه البنوك لعقود، حتى تسلّم الزمام نافذو البنك الأهلي، فنفّذوا التعديل، ليدفع الأردنيون الثمن.
وقد تمّ التعديل بحيث يمكن لمن حجزت ممتلكاته لقاء تخلّفه عن سداد قرضٍ بنكي، أن يفقد عقاره مقابل 10 ثمنه الذي يعرضه أيّ مشترٍ، والمشتري الذي يمتلك حق الشفعة هو البنك أولاً وأخيراً.
في ما سبق، اشترط القانون ألا تقلّ قيمة العقار عن 75% ليباع في المزاد، واليوم يمكن لـ10% أن تفي بالغرض.
لو أن مقترضاً تعثّر في السداد، فلن يفي عقاره بالغرض وقد أصبحت قيمته تساوي العشر. وعليه، فالمتعثّر في السداد ينظر إلى مستقبلٍ قاتم، يتمّ فيه بيع عقاره بعشر ثمنه، فلا يوفي دينه، ويذهب إلى السجن.
وبما أن القروض تعطى بالنسبة والتناسب مع قيمة ضماناتها، فإن ضمانة عقار تمّ تخمينه بمليون دينار منحت المقترض قرضاً بقيمةٍ مماثلة. واليوم، أصبحت قيمة العقار عشر ما كانت عليه بموجب التعديل، ولكن قيمة القرض لم تختلف، ما يعني ديْناً لا يمكن سداده، وإن صادر البنك العقار الذي سيصادره بثمن بخس وبالقانون.
في أزمة الوباء، وبينما يتميّز الشعب الأردني بأن معظمه تقريباً يعيش على الاقتراض، سيفقد الكثيرون أعمالهم، إن كانوا أصحاب عمل أو موظفين، فما الذي سيحل بهم عندما يحين موعد السداد ويتعثّرون؟
سيتمّ طرح عقاراتهم في المزاد العلني، ثم يتقدّم البنك بعشر ثمن العقار فيصادره، بحسب التعديل الجديد على القانون، فينتهي المطاف بالأردنيين وقد عجزوا عن سداد عشر قروضهم، ما يعني أن يستمر احتساب الفائدة عليهم.
بعد مضيّ سنة أو سنتين على الأكثر، تعود قيمة القرض بفضل الفوائد إلى ما كانت عليه. وباختصار، يصبح القرض حفرة لا قرار لها، يفقد المواطن عقاره بسببها، ويزجّ به في السجن، لعدم تمكّنه من السداد، بعد أن لم تعد لديه عقارات يحجز عليها، ثم أخيراً يستمر فرض الفائدة على مبلغ القرض الأساسي، فيعود مبلغ القرض كما كان، أي أن المواطن لم يسدّد شيئاً من قرضه، ولم يحتفظ بعقاره.
وحدها البنوك ستنتعش في أزمة الوباء، وقد أصبح دأبها أن مصيبة قوم عند قوم فوائد. ستمر الأزمة الوبائية، وتخلّف مكانها فقراً وظلماً وجوراً وهوّة طبقية بين البنوك وأصحابها ومسؤوليها وباقي الشعب؛ هوّة لن تلبث أن تترجم إلى جرائم بسبب الظلم والعوز الذي تمّ بشكلٍ قانوني بحت.
أصابنا الوباء، فهل اتّعظنا؟ هل يتّعظ المصرفيون ويدركون أن الوباء كالموت، وأنه لا يفرّق بين طبقات اجتماعية ومناصب، وأن الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة؟