العراق بحاجة إلى حلول عاجلة لمواجهة أزماته الثلاث
بين انخفاض أسعار النفط وإغلاق البلاد بسبب الوباء، بات العراق على حافّة كارثة مالية يمكن أن تُجبِر الحكومة المقبلة على اتخاذ إجراءات تقشّف صارِمة، ما قد يؤدي إلى تجدّد الاحتجاجات المُناهضة للحكومة.
تهدّد العراق أزمات ثلاث، الأزمة السياسية وإغلاق البلاد بسبب انتشار الفيروس التاجي وانخفاض سعر النفط، ما قد يهدد بانهيار الدولة العراقية. وبسبب تنافُس الكتل السياسية على تسمية رئيس الوزراء الذي تم الاتفاق عليه أخيراً، تباطأ المسؤولون العراقيون في الاستجابة لهذه التحديات.
ومن الغريب أن يُعرِب بعض المسؤولين عن تفاؤلهم بأن أسعار النفط سترتفع في غضون أشهر، وأن العراق في غضون ذلك قد يعتمد على احتياطيات البنك المركزي البالغة نحو 74 مليار دولار، بناءً على تقييمات البنك ووزارة المالية، منها 32 مليار دولار مُستثمرَة في سندات الخزانة الأميركية. فضلاً أن العراق لا يمتلك صندوقاً سيادياً يمكن أن يستفيد منه هذه الأيام.
يعتمد العراق على صادرات النفط لتمويل أكثر من 90 % من عائدات الدولة. وتوقّعت الميزانية المُقترَحة لعام 2020 أن تصل واردات النفط إلى 56 دولاراً للبرميل فيما وصلت إلى دون 30 دولاراً للبرميل، مع توقّف حركة النقل والتجارة والسياحة بسبب الوباء.
وفقاً لآخر توقّعات سوق النفط الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، من المتوقّع أن ينخفض الطلب العالمي على النفط في عام 2020 مع تأثير انتشار الفيروس التاجي الجديد في جميع أنحاء العالم، ما يحد من السفر والنشاط الاقتصادي الأوسع.
وفي تقرير وكالة الطاقة الدولية، تؤثر أزمة الفيروس التاجي على مجموعةٍ واسعةٍ من أسواق الطاقة، إلا أن تأثيرها على أسواق النفط هو الأشدّ بشكلٍ خاص، لأنها تمنع تنقّل الناس وحركة البضائع وتوجّه ضربة كبيرة للطلب على وقود النقل. ويصدق هذا بشكل خاص على الصين أكبر مُستهلك للطاقة في العالم. وبينما تنتشر تداعيات الفيروس إلى أجزاءٍ أخرى من العالم، فإن ما يحدث في الصين ثم في أوروبا والولايات المتحدة واليابان ستكون له آثار كبيرة على أسواق الطاقة والنفط العالمية.
ولذا يرى خبراء وكالة الطاقة الدولية سيناريوهين لكيفيّة تطوّر الطلب العالمي على النفط هذا العام. ففي الحال الأكثر تشاؤماً، تفشل الإجراءات العالمية في احتواء الفيروس ما يؤدّي إلى انخفاض الطلب العالمي بمقدار 730 ألف برميل يومياً. وفي الحال الأكثر تفاؤلاً، يتمّ احتواء الفيروس بسرعةٍ في جميع أنحاء العالم، وينمو الطلب العالمي بمقدار 480 ألف برميل يومياً.
بين انخفاض أسعار النفط وإغلاق البلاد بسبب الوباء، بات العراق على حافّة كارثة مالية يمكن أن تُجبِر أية حكومة قادمة على اتخاذ إجراءات تقشّف صارِمة، وبالتالي تجدّد الاحتجاجات المُناهضة للحكومة. وبالفعل يقوم المسؤولون العراقيون بمراجعة موازنة 2020 التي تعدّ أكبر موازنة للعراق على الإطلاق، بحوالى 164 تريليون دينار عراقي (137 مليار دولار)، حيث تم تخصيص أكثر من 75 في المائة لمرتبات القطاع العام والتكاليف التشغيلية الأخرى مع إنفاق الباقي على الشؤون الاستثمارية.
وبسبب تعيين نصف مليون موظّف في القطاع العام بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية، قفزت ميزانية مرتبات القطاع العام من 36 مليار دولار في عام 2019 إلى 47 مليار دولار لعام 2020، إذ توظف الحكومة حوالى 4 ملايين مواطن في القطاعين المدني والأمني، وفي نفس الوقت تدفع مرتبات تقاعد لثلاثة ملايين آخرين مع مدفوعات الرعاية الاجتماعية لمليون.
وأعدّت خلية الأزمة النيابية العراقية اقتراحاً يتألّف من 14 توصية للحكومة العراقية بشأن كيفيّة معالجة المشاكل العديدة، تضمّنت، الاتفاق مع الشركات النفطية على تقليل نفقاتها وتسديد مستحقاتها بالنفط بدلًا من النقد، وتأجيل تسديد جميع الديون الخارجية، وإلغاء النفقات الاستثمارية في موازنة 2020، وتخصيص موازنة طوارئ خاصة لمُتطلّبات الوباء، واستيفاء الأموال المُستحقّة على شركات الهواتف النقّالة، واستحصال إيرادات المنافذ الحدودية، وتأجيل العمل بجميع الاتفاقيات الاقتصادية مع دول الجوار أو الصين، وإلزام إقليم كردستان بتسليم جميع واردات النفط المُنتَج.
ولكن هل هذه المراجعة دقيقة وهل هناك محل للتفاؤل؟
أول تحدٍ حقيقي يواجه رئيس الحكومة المقبل هو الفساد المُستشري في مؤسَّسات الدولة الذي سيجعل من الصعوبة بمكان تقليص الميزانية أو تحقيق تلك التوصيات، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان الحكومة القادمة حكومة مُشارَكة حزبية قائمة على المُحاصَصة السياسية التي تعتمد على المحسوبية.
والتحدّي الثاني، أن المجتمع الدولي حالياً غير قادر على مُساندة العراق كما حصل في عامي 2015 و2016 خلال الحرب على تنظيم داعش وانخفاض أسعار النفط، مع توجّه الكثير من الدول إلى صندوق النقد الدولي طلباً للقروض بسبب الكساد الناتج من الوباء. ويبدو أن الحكومة القادمة قد تضطر إلى خفض المرتبات والإقتراض من الخارج.
والتحدّي الثالث في اعتماد الحكومة رؤية واضحة لتنشيط القطاع الخاص الزراعي والصناعي والتجاري والسياحي وتنفيذ تلك الرؤية التي ستوفّر الكثير من فُرَص العمل.
وإذا استمرت المملكة العربية السعودية في حربها النفطية أو تعثر الاتفاق الذي تم التوصل إليه أخيراً في إطار "أوبيك+"، فإن العراق سيحصل على 30% فقط مما كان متوقّعاً في الأصل لهذا العام. وبحلول نهاية العام الحالي تكون الحكومة العراقية قد أنفقت احتياطياتها النقدية، ما يجعلها تلجأ إلى صندوق النقد الدولي والخضوع للشروط الأميركية التي لها النفوذ الأكبر في الصندوق، أو أن تواجه موجة جديدة وعنيفة من الاحتجاجات الشعبية.