الفيروس التالي يدق أبواب الغرب.. أزمة غذاء

اتُهمت الصين وروسيا بإستغلال الأقنعة الطبية في مآرب جيوسياسية، فكيف سيكون الحال لو وصل الأمر إلى الغذاء؟ عندها سنرى خريطة سياسية جديدة في العالم محورها الشرق.

  • الفيروس التالي يدق أبواب الغرب.. أزمة غذاء
    بدأ الفيروس التالي يدقّ أبواب الغرب، إنه الجوع أو المجاعة!!!

للحروب تداعيات كثيرة، وربما تكون تداعياتها أكبر من الفعل الحربي بذاته، ولتكسب الحرب ليس بالضرورة أن تكسب كل المعارك، المهم أن تضع التكتيكات التي تقودك إلى النصر الاستراتيجي.

ربما أصبح واقع التشتّت في الغرب الآن أقرب إلى ما كتبه Will Morrisey في كتابه "تشرشل وديغول: جيوسياسة الحرية".

من هنا وبعد الخوض في غمار حرب الكورونا، بدأ الغرب يتأهّب لمُحاربة الفيروس التالي!

أدّت الحرب المُعلنَة على فيروس الكورونا إلى تقطيع أوصال الدول في ما بينها والعزلة الذاتية، وكذلك فعلت بداخلها حيت فُرض الحجر الصحي على الولايات والمقاطعات والمحافظات. 

بدأت الولايات المتحدة تفصل بعض الولايات عن محيطها، وأقفلت دول الاتحاد الأوروبي الحدود في ما بينها وتناست أنها ضمن اتحاد واحد، بل بدت تلك الدول كمجموعة من العصابات يتربّص بعضها بالآخر، وما منع تصدير اللوازم الطبية إلى إيطاليا وإسبانيا سوى مؤشّر واضح على ذلك، عدا عن الأخبار المُتداولة عن اختفاء بعض المساعدات وضياعها بين حدود تلك الدول.

هذه القرصنة واللصوصية والفوضى ظهرت بشكلٍ أوضح في الولايات المتحدة الأميركية، حيث صرَّح الرئيس الأميركي بتاريخ 29 آذار/ مارس 2020  عن احتمال قيام موظفي المستشفيات في نيويورك بسرقة الأقنعة والمستلزمات الطبية من مخازن وعيادات تلك المستشفيات، ناهيك عن القمع والإرهاب اللذين تتعرّض لهما الأطقم الطبية فيها "هذا البلد الذي يتبجّح بالديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان" حيث يُعاقب الأطباء والممرضون بالطرد من وظائفهم في حال تحدّثوا للصحافة عن الواقع الصحي داخل مناطقهم كما ذكر موقع Bloomberg بتاريخ 31 آذار/مارس 2020.

من هنا، بدأ الفيروس التالي يدقّ أبواب الغرب، إنه الجوع أو المجاعة!!! كيف ذلك؟

ربما يكون هذا الأمر مُستغرباً في دولٍ تولي القطاع الزراعي إهتماماً بالغاً، لكن واقع الأمور يتّجه إلى هذا النحو. 

قالت صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 20 آذار/ مارس 2020 "إذا لم يقتلنا الكورونا فإن المجاعة سوف تفعل"، وذلك بعد النقص الحاد في المواد الغذائية في الأسواق، بل إن فقدان الوظائف بسبب الكورونا أدّى إلى سعي العديد من العمال للحصول على إعانات خيرية وبطالة لأول مرة في حياتهم، كما صرّحت صحيفة نيويورك تايمز. هذه البداية، فكيف إذا وصل عدد العاطلين من العمل بسبب هذه الأزمة إلى 40 مليوناً كما توقّعت واشنطن بوست بتاريخ 30 آذار/ مارس 2020، وهذا بدوره يؤدّي إلى الكساد العظيم في الولايات المتحدة كما عبّر Stephen Lendman في مقالة على موقع Global Research يشرح سبب هذه الأزمة في الولايات المتحدة الأميركية.

أما الدكتور Shub Debgupta وهو إقتصادي مُتخصّص في الغذاء ومؤسّس شركة تتنبّأ بمخاطر سلسلة توريد الغذاء فيقول: بهذه الطرق وغيرها من الطرق الصغيرة، بدأ فيروس كورونا يؤثّر على سلاسل الإمداد الغذائي في البلاد، ما يزيد من احتمالية أنه مع انتشار الفيروس، سيصبح من الصعب إدخال هذا الغذاء إلى المتاجر من المُنتجين الأميركيين والمُنتجين في الخارج.

كذلك فإن شركة الإستشارات "Fitch solutions" تقول إنها ترى مخاطر على جميع مستويات سلسلة التوريد، من الإنتاج إلى التسويق، وهذا ما سوف يؤدّي إلى تسارُع تضخّم أسعار الغذاء عالمياً، ما يؤدّي إلى إنخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، فكيف الحال بالعاطلين عن العمل. 

هذا ما أكّدت عليه أيضاً منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" بأن هناك خطراً على الإمدادات العالمية للغذاء، وهذه كازاخستان وهي من أهم مُصدّري القمح في العالم، أوقفت إمدادات القمح إلى كافة الدول، وكذلك فعلت فيتنام والتي تعتبر ثالث أكبر مورد للأرز في العالم، وهذا يؤدّي إلى الحمائية الغذائية لدى باقي الدول.

على الرغم من أن كاليفورنيا تؤمِّن قرابة ثلثي إحتياجات الولايات المتحدة من الغذاء، إلا أن إقفال الولايات وإحتمالية إصابة المزارعين بكورونا يهدّد بتوقّف الإنتاج فيها والتصدير منها.

عندما قرأت إفتتاحية صحيفة الأندبندنت البريطانية بتاريخ 29 آذار/ مارس 2020، التي عنوَنت "إنضمّ إلينا في دعم الفقراء"، ظننت أن هذا العنوان من صحيفة يمنية أو صومالية أو في غزَّة، لا، بل كان هذا في بريطانيا، حيث بدأت أعداد الفقراء والمُحتاجين بالتزايُد بشكلٍ كبيرٍ حيث يصطّف المواطنون في لندن للحصول على وجبة غذاء، لأنهم لا يستطيعون شراء الطعام بعد أن فقدوا أعمالهم، لأن عدد المُصابين بكورونا أكثر بكثير مما تصرّح عنه الحكومة البريطانية كما تشير صحيفة التلغراف.

"الناس جائعون"، عنوان كتبته صحيفة ريبيبليكا الإيطالية نقلاً عما قاله البابا فرنسيس في القدّاس الذي أقيم في كنيسة سانتا مارتا بتاريخ 28 آذار/ مارس 2020، وذلك لأن أغلب العمال فقدوا أعمالهم في إيطاليا بسبب الكورونا، وطُرُق إمداد الغذاء بين الخارج والداخل أصبحت مقطوعة، كذلك بالنسبة إلى مدن الداخل بين بعضها البعض.

لذلك اعتبرت فرنسا أن تأمين الغذاء وسط هذه الأزمة يعتبر أولوية مطلقة، فاستثنت النشاط الزراعي من القيود والإقفال الذي عمّ البلاد بعد الكورونا كما قالت صحيفة لا تريبون الفرنسية بتاريخ 18 آذار/ مارس، وفي بلجيكا ذكرت الصحف أن الخضروات أصبحت أكثر ندرة وأغلى ثمناً عمّا كانت عليه قبل كورونا ومن الصعوبة الحصول عليها.

كل هذا الهلع سببه الواقع الأليم للغرب، والمُتمثّل بالأنانية، والمصالح الخاصة، وخذلان بعضهم البعض أثناء هذه الأزمة العالمية، وهذا ما لم يحصل بين الصين وروسيا وإيران، بل على العكس من ذلك مدّوا يد العون لبعضهم البعض، ووقفوا إلى جانب بعضهم البعض وكانوا أصدقاء حقيقيين كما عبّرت Natalia Portyakova في صحيفة إزفيسيتا الروسية. ناهيك عن أن روسيا والصين من أولى الدول المنتجة والمصدّرة للغذاء في العالم، كما أن إيران لديها اكتفاء ذاتي حقّقته بسبب العقوبات المفروضة عليها من الغرب.

إتُهمت الصين وروسيا بإستغلال الأقنعة الطبية في مآرب جيوسياسية، فكيف سيكون الحال لو وصل الأمر إلى الغذاء، عندها سنرى خريطة سياسية جديدة في العالم محورها الشرق.

في هذا السياق ما هو مصير الدول العربية؟

حدّث ولا حَرَج، فما نفع المال إذا فُقِد الغذاء؟ وما أزمة قطر مع دول الخليج إلا عبرةً لهم، فلولا إيران لقضي على القطريين جوعاً بسبب الحصار. هذا ما كتبته محطة البث الدولية في ألمانيا  Deutshe Well بتاريخ 29 آذار/ مارس 2020 عن واقع الدول الخليجية في هذه الأزمة،"ليس بالمال وحده نواجه نقص الأغذية في زمن كورونا".