الإهانة المزدوجة للشعوب العربية.. حان وقت الاستيقاظ؟

حلّت الثورات العربية الأخيرة التي اصطُلح عليها إعلامياً بـ''الربيع العربي'' كمحصّلة منطقية وتلقائية لسيرورة الإهانات المسترسلة زمانياً ومكانياً في الوطن العربي - اَخذين بعين الاهتمام الدور الأجنبي - الذي يشهد أزمة قيم على المستويين الفردي والجماعي.

  • الإهانة المزدوجة للشعوب العربية.. حان وقت الاستيقاظ؟
    من غير الصائب استمرار الوضع الراهن الذي يشهد هوّة واسعة بين خيارات الشعوب وقرارات الأنظمة

يُلاحظ على مستوى الأرقام ونتائج الإحصائيات أن المؤشرات الفريدة التي تشهد حركة تصاعدية في العالم العربي، هي تلك التي تخصّ حفظ الأمن الخاص، في مقابل تهاوٍ فظيع في المؤشرات الاقتصادية، وتلك المتعلّقة بحقوق الإنسان، فالأمن الذي يذهب إليه منظّرو المقاربات الأمنية العربية المتسلّطة هو الأمن الشخصي للحكام وكل من هم في ذمّتهم، ما يضمن بقاءهم أمام سدّ منيع من المحاسبة، ويعطيهم الشرعية للاستبداد والتحكّم المفرط في دواليب السّلطة.

إنّ الإهانة التي تُسقطها الأنظمة على الشعوب هي إهانة مزدوجة، كما يقول البروفيسور المغربي المهدي المنجرة، الذي يؤكّد أن الأولى ترتبط بإهانة الغرب لنا، والأخرى إهانة المسؤولين لشعوبهم، ويأتي معها ذلّ اَخر يتمثّل في إهانة المواطن لنفسه، من خلال الاكتفاء بالصّمت وعدم الدفاع عن النفس. يُضاف إلى ذلك الإهانة التي تطفو بسبب الفوارق الاجتماعية.

هذا الأمر جعل الديموقراطية الغربية المستوردة تصاب بتشوّه بنيوي ومضاميني أنتج "ذلقراطية" يعيشها المواطن العربي الذي لا يقدر على إدراك الواقع أو استشراف المستقبل، لعدم استقلالية بلده، فالانتخابات مزوّرة، والتعيينات ممنوحة على أساس القرابة، والمصلحة ضيّقة، والدساتير فارغة، والقوانين معطّلة، فماذا بقي كعنصر نهائي للانتفاضة؟

حلّت الثورات العربية الأخيرة التي اصطُلح عليها إعلامياً بـ''الربيع العربي'' كمحصّلة منطقية وتلقائية لسيرورة الإهانات المسترسلة زمانياً ومكانياً في الوطن العربي - اَخذين بعين الاهتمام الدور الأجنبي - الذي يشهد أزمة قيم على المستويين الفردي والجماعي، فالبون الفاصل بين الحاكم والمحكوم يزداد باطّراد مع انحسار الثقة بمؤسسات الدولة، حتى المنتخبة منها.

ويرجع ذلك إلى الرؤية التحليلية الشعبية الشاملة التي تشهد تحكّماً دولياً في القرارات الوطنية التي تفرض على البلد اَليات عمل محجّمة ومعطّلة للمشروع الوطني.

وفي هذا الصّدد، كانت إيران الرقم الصعب في المعادلة التي قامت بتحييد أي أخطار تهدّد أمنها القومي منذ ثورة الخميني في العام 1979، التي أنهت احتلالاً أميركياً ناعماً للبلد، ووضع أساطين الدولة الإسلامية أو ولاية الفقيه.
لا أجازف بالقول إن أميركا اليوم عاجزة عن محق الجمهورية الإيرانية. وهذا الصمود والاستقلال يتجلّى في امتلاك إيران أسلحة رادعة وتحالفات قوية وموقعاً استراتجياً مهماً سمح لها بالتحكّم بمضيق هرمز.

هذا الانعتاق من قيود واشنطن تُرجم على مستوى الدعم الذي تمنحه إيران لفصائل المقاومة، والوقوف كطرف سيادي مع سوريا، ولعب أوراق ضغط صعبة على طاولة المفاوضات الدولية، واَخرها رفض الرئيس الإيراني دعماً أميركياً مادياً مشروطاً لإيران في مواجهة فيروس كورونا، إذ أكد الرئيس حسن روحاني أن هذا الدعم مشكوك فيه، ويمكن أن يزيد من تفشي الفيروس، لعدم وجود حيز ثقة كافٍ بإدارة البيت الأبيض، أي الرغبة في القول، بعبارة صريحة، إن أميركا أخطر من كورونا.

ومن وجهة معاكسة، نجد أن الدول الدمية أو ممالك الموز لا تستطيع ترجمة خياراتها وتنفيذ قراراتها، ما جعلها تتخبَّط في تناقض بين مرجعياتها ووواقعها الحالي، وفرض على دول عربية وإسلامية دعم "صفقة القرن"، وأداء دور محوري في رسم خارطة "إسرائيل" الكبرى، وهلمّ جراً.

إن ثبات المقاربات الأمنية واَليات التحكّم التي تنتهجها الأنظمة العربية المدعومة من الغرب ستعجز عن مواصلة دورها كشرطي مرور في المنطقة، ما يعني حدوث رجّات عنيفة مستقبلية، فبؤر الانتفاضات كثيرة، وآفاق الإصلاح ضيّقة، ويبقى خطر الزلازل الشعبية قائماً إلى حين تطبيق مفهوم الدولة على أرض الواقع.
ومن غير الصائب استمرار الوضع الراهن الذي يشهد هوّة واسعة بين خيارات الشعوب وقرارات الأنظمة، فالانتفاضة حتمية، وكرامة الشعوب واستقلالها يبقيان فوق كل اعتبار.