هل الوضع في سوريا أسوأ من 2014؟

رغم الضغوطات، تسعى دمشق إلى إيجاد أسواق جديدة وقد نجحت في ذلك نوعاً ما، وهناك عمل جدّي لزيادة الاعتماد على المُنتَج المحلي، وفتح أبواب الاستثمارات أمام الحلفاء والأصدقاء.

  • هل الوضع في سوريا أسوأ من 2014؟
    تُعاني سوريا من تراجع في معدّل النمو بسبب ضعف السيولة نتيجة الحرب 

تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات وشكاوى مواطنين سوريين من تدهور الوضع المعيشي في البلاد مُقارنة بالسنوات الماضية والتي كان فيها الكثير من المناطق تحت سيطرة المُسلّحين، حتى أن البعض يتّهم الحكومة بالوقوف وراء الأزمات المُتلاحِقة التي يعيشها المواطن من غلاء للأسعار ونقص في الغاز المنزلي والمازوت.

إن البلاد الغارِقة في المعارك والهجمات التي يفرضها المُسلّحون من جهةٍ و"إسرائيل" وتركيا من جهةٍ ثانية، والعقوبات الاقتصادية المُتلاحِقة، لا تسمح لسوريا بالانتعاش وإعادة عَجَلَة الاقتصاد للدوران بالشكل الذي كان قبل الحرب، فبالنسبة للولايات المتحدة العقوبات هي "البديل" عن المواجهة العسكرية المباشرة، وترى فيها "وسيلة مُجدية".

وما يزيد الطينة بلّة هو محاولة الاعتماد على الإنتاج المحلي، التي يقف في وجهه الخروج المستمر لآلاف المعامل من الخدمة بسبب سيطرة المُسلّحين في السنوات الماضية وتخريبها وسرقة المعدَّات وتهريبها إلى تركيا، وإعادتها إلى العمل تحتاج إلى ملايين الدولارات للمُستلزمات والبنى التحتية. كما أن حرق الأراضي الزراعية أثَّر على الإنتاج الزراعي، وكان آخرها ما جرى في الحسكة العام الماضي من حرقٍ لمحاصيل القمح. 

تُعاني سوريا حالياً من ضغوطٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ أثَّرت على معيشة شعبها وحياته اليومية، فالعقوبات الأميركية تخنق سنة بعد سنة أية بوادر للحلول الاقتصادية التي يمكن أن تخفِّف من مُعاناته، فواشنطن تُهيمن على الاقتصاد العالمي بالدولار وتتحكَّم بالمُنظّمات الاقتصادية والدولية وتلتزم الدول بالعقوبات التي تفرضها على دولة ما، بفضل قوّتها المالية والعسكرية، وفقاً للخُبراء الاقتصاديين. 

في هذا الشأن تتوجَّب الإشارة إلى أن تطوّر اقتصاديات الدول مُرتبط بتوافر رأس المال، وهو العامِل الذي تعاني منه دول العالم الثالث (المُتخلِّفة اقتصادياً) التي تُنفِق معظم أموالها في الاستهلاك بدلاً من الاستثمار، ما يؤثّر سلباً على الدخل الفردي والإدّخار ومعدَّل الإنتاج، ويُطلِق علماء الاقتصاد على هذه الحلقة التي يدور فيها اقتصاد الدول النامية بـ"حلقة الفقر الخبيثة"، بسبب ارتباط أية محاولة إنتاج بتوافر وحركة رؤوس الأموال وارتباطها المباشر بالنشاط الاقتصادي وتأثيره على المستوى المعيشي.

سوريا واحدة من الدول التي تُعاني من تراجُعٍ في معدّل النمو بسبب ضعف السيولة نتيجة الحرب التي تمرّ بها منذ 9 سنوات تقريباً، ويشهد العالم على الحِصار والعقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج على سوريا، إضافة إلى التأثير السلبي للوضع السياسي والاقتصادي غير المُستقرّ الذي تشهده دول الجوار وخصوصاً العراق ولبنان، وهو ما نتج منه الضعف في السيولة النقدية وإعاقة حركة الاستيراد والتصدير.

 قد يغفل الكثيرون عن أثر العقوبات الغربية التي بدأت منذ 2011، فأية دولة من دول العالم النامي لو تعرَّضت لنفس العقوبات لكان تعرَّض شعبها للمجاعة بالمعنى الحقيقي للكلمة.

من جهةٍ ثانية، فإن الحال السورية التي تُستهدف فيها بشكل مستمر خلال السنوات الماضية البنية الأساسية كالاتصالات والطاقة الكهربائية والنقل، من الطبيعي أن تضعف فيها حركة التجارة والزراعة والصناعة والنتيجة هي ضعف في المستوى المعيشي وضعف الدخل الفردي. 

لا يمكن لعَجَلَة الاقتصاد أن تدور في ظلّ استهداف الدول والكيانات والمؤسَّسات ورجال الأعمال الذين تستهدفهم العقوبات، وأيّ حديث عكس ذلك هو انفصال عن الواقع، فالحملة العدوانية التي تشنّها الولايات المتحدة على صادرات إيران النفطية، تعود بالأثر السلبي على سوريا وعلى وصول الإمدادات إلى سوريا، وقد شاهدنا الصيف الماضي حادثة الناقلة العملاقة "غريس1" التي أوقفت بسبب العقوبات الأوروبية، ولا يمكن التغاضي عن هذه التشديدات التي تُحاصِر البلدين الحليفين في إطار الضغط على الحكومتين وتأثيره الهدَّام على معيشة الشعبين.

في السياق نفسه، لا يجب أن ننسى أن الأميركي يسرق النفط السوري في الشمال وبكل وقاحة "الكوبوي" من دون مُراعاة للقانون الدولي.

لا يمكن بأية حال من الأحوال الحديث عن توقّف عَجَلَة النمو الاقتصادي وما انعكس على ضعف قيمة الليرة وغلاء الأسعار المُتزايد، من دون الحديث عن العقوبات التي تستهدف قطاعي المال والأعمال بمَن فيهم رجال الأعمال والصناعيين، فهؤلاء مساهمون في تطوير الاقتصاد باستثماراتهم وضخّهم للمال في السوق، ما يؤدّي إلى توقّف أعمالهم أو إضعافها. 

إن الحكومة السورية تحاول منذ اشتداد العقوبات عليها، إيجاد بدائل وثغرات للالتفاف عليها وتنشيط الاقتصاد الوطني، ولكن وطأة العقوبات تشتدّ عاماً بعد عام وآثارها كالنار تأكل الأخضر واليابس، وكان آخرها "قانون سيزر" أو "الوحش سيزر" بالمعنى الأصحّ الذي يحاول قتل كل محاولات إعادة الإعمار عبر استهداف الدول والكيانات ورجال الأعمال التي تشارك في هذا المشروع،  كما أن الاتحاد الأوروبي في أيار/مايو 2019 عاد ومدَّد العقوبات حتى 1 حزيران/يونيو 2020 وضمَّت لائحته 270 شخصاً و70 كياناً تخضع لحظر دخول أراضي الاتحاد الأوروبي وتجميد أصولها بزعم أنها تدعم أو مرتبطة بالحكومة السورية.

وبرغم تلك الضغوطات، تسعى دمشق إلى إيجاد أسواق جديدة وقد نجحت في ذلك نوعاً ما، وهناك عمل جدّي لزيادة الاعتماد على المُنتَج المحلي، وفتح أبواب الاستثمارات أمام الحلفاء والأصدقاء.